بعد ويلات الحرب .. هل أضحى رواد المقاصِف الشعبية أبرز زبائن المطاعم الفارهة اليوم ..؟! قرارات المنع هل تشكل حلولاً ..؟؟ أم أن تعويم الفن الراقي هو الحل الأفضل ..؟
- تحقيق : طارق زياد بصمه جي
مع ضربات الطبل ، و موجات الهرج والمرج، يكثر الاستعراض الجسدي المرافق لبعض الحفلات ، فتلك مغنية استعراضية ، تُباع بطاقاتها بمبلغ يساوي راتب موظف حكومي لمدة شهرين ، و ذاك مغنٍ آت من مكان بعيد ، حلّ ضيفاً في مدينتنا، وأعتلى مكان مطربيها على مسرح قلعتها العصية، ليعزز في عقول أبنائنا الموسيقى الهابطة..! ، الخالية من عظمة الجُمل الموسيقية ، سوى بضع نوتات هزليّة ، تتبرى منها ألواح “أوغاريت” الطينيّة ..!!
” الجماهير ” رصدت لكم تساؤلات عديدة من الشارع الحلبي.. مع بعض الاقتراحات و الحلول لمحاربة الغزو الثقافي الذي اجتاح العقول ..!
في بداية هذه التحقيق لعل حديث الشارع السوري الحلبي، بات يتردّد على شكل أسئلة متكررة تنتظر الإجابة من المعنيين .. ومن تلك الأسئلة :
هل سنرى إعلانات مموّلة من وزارة الثقافة ، تنتشر على الصفحات الفيسبوكية الكبرى لتسوق الفن الأصيل فيها، و تعيده لأذهان الجيل الجديد ..؟
أمام الأغنيات الهابطة.. بات مدونو أوغاريت يتساءلون..!! , ما تلك العلامات التي تعزفون .؟! هل أنتم أحفادنا أم أنتم عابرون..؟!
هل أضحت الموسيقى غذاءً للأجساد والأبدان بعد أن كانت غذاءً للروح والوجدان.؟
أمام انحطاط الذائقة السمعية لدى الجيل الجديد، هل سنشهد نهضةً إسعافية، من وزارتي التربية والثقافة ، لزرع بذور التنمية الموسيقية الصحيحة في أذهان الطلاب؟
هل ستُخصص وزارة الثقافة ميزانيتها لتنمية الذائقة الفنية لدى الجيل الجديد ؟ أم أنّها ستقف متفرجةً تُراقب نار الغزو الثقافي وهي تلتهم ما تبقى لنا من موروث موسيقي أصيل ..؟؟
أليس حرياً بوزارة التربية ، أن تزرع بذور الموسيقى التطبيقية الصحيحة في حصصها، وأن نرى وزارة الثقافة تكمل التنشئة ، بإقامة رحلات مدرسية إلى الأمسيات الموسيقية في المراكز الثقافية..؟ أم أن عدد الحضور المتواضع في معظم محاضراتهم التي يقيمونها ، قد طاب لهم ولم يعد مهماً عدد الحاضرين !! ، ولا حتى الغرسة التي يجب أن يزرعوها لدى اليافعين !!
ألم يحنِ الوقت أن نرى مطربي الصف الأول بحلبَ ، يحيونَ حفلات طربية شهريّة بتمويل وزاري على مدرج قلعة حلب..؟
ما هو نهاية ذاك النفق، وهل سيبصر أحفادنا النور الموسيقي الصحيح، و يدركون أن الموسيقى هي غذاء للروح والوجدان وليست تأجيجاً للغرائز والأبدان ..!!
أجرينا استطلاعاً للرأي ضمن الشارع السوري، حول هذا المواضيع فكانت الآراء كالتالي :
الشاعر الغنائي القدير صفوح شغالة، قال أن عصرنا الحالي أختفت منه الأغنية الخالدة , و أصبحت عملة شبه نادرة، وأضافَ أننا اليوم نعيش في عصر الأغنية اللحظية ( أسمعني اليوم وانساني بكرا ) ، كونها بلا طعم , وبلا لون , وبلا هوية.!!
من جانب آخر تساءل الإعلامي سركيس قاصارجيان فقال :
” إمّا أنّ روّاد المقاصف باتوا يرتادون المطاعم الراقية والمسارح، أو أنّ تلك المطاعم والمسارح تحوّلت لمقاصف..!! ، في الحالتين نحن أمام مُعضلة والمشكلة كبيرة .. !! “
أما عن موضوع منع فنانة هابطة من الغناء في حلب مؤخراً، قال المحامي والباحث الثقافي، علاء السيد :
” لم يُشكل المنع يوماً وسيلة للقضاء على الممنوع … فالمواجهة بين المسموح والمطلوب منعه تكون بجعل المسموح متفوقاً ومرغوباً أكثر، والا سيكون للممنوع الغلبة في ظل عدم تفوق المسموح.. “
وفي ذاتِ السياق قال الصيدلاني إياس جقلان، المهتم بالشأن الموسيقي :
” نشكر نقابة الفنانين على قرارها الأخير، بحق المغنية ” السواس “،ونتمنى أيضاً أن نشهد رقابة على كلمات الأغاني ضمن المطاعم، فهي منابر صغيرة تتوجه لآذان السامعين، خصوصاً حين يقوم المغني بارتجال كلمات تعظّم الدين أو الطائفة أو السلالة أو المنطقة ، فتلك العصبيات آن لها أن تنتهي من مجتعنا السوري ذو النسيج الواحد.. “
أخيراً ، لربما ليس المطلوب أن نشهد قمعاً للأغاني الهابطة ، لأن الممنوع مرغوب، بل علينا أن نؤمّن بيئةً معرفيّةً خصبةً ، مع لقاح فكري تربوي في المدراس، يجعل الطالبَ مدركاً أن النمط الموسيقي الهابط، هو دخيل وليس أصيل! .
و ذلك حين نُسمعه الموسيقى الحقيقية ضمن حصص الموسيقى المدرسية ، والندوات الموسيقية العامة منذ الصغر ، بخطوات بسيطة من شأنها أن تعزّز الذائقة السمعية لدى أبناء الجيل الجديد، ليستطيعوا أن يميزوا الخبيث من الطيب.. وبهذا اللقاح الفكري سنؤمن نهضةً فكرية ثورية، تثور على الانحطاط الموسيقي الحاصل ، وتعيد للأذهان النهج الموسيقي الصحيح .
فهل سنشهد دعماً مالياً وزارياً للحفلات الطربية العامة، لنعزز الكلمات السامية و ندين الكلمات السوقية المستهجنة في الشعر الغنائي ، أم أنّ بعض القائمين على الوزارات استسلموا للغزو الحاصل و باتوا مقتنعين بمقولة ” الشعب عاوز كده ” .. ؟! .