الجماهير || زُهيدة هورو
الموسيقا حالها حال الحياة ، إلا أن القانون فيها من نوع آخر ومختلف، ذاك القانون هو فقط من استطاع جمع كل مقامات الموسيقا الشرقية ليحتضنها حيث الإبداع يجتمع مع جمالية وروعة الإحساس مشكلا نغمات نظمت وبإتقان موزون وبإيقاع أثار الحلم فينا ليراقص كل مافي الحياة بمفاتيحه الموسيقية الساحرة.
إنها آلة القانون التي ليست مجرد آلة موسيقية وترية فحسب، بل أكثر من ذلك لأنها تعتبر من الآلات الموسيقية البارزة والمهمة، والتي تمتاز بمساحة صوتية واسعة، بالإضافة لقدرتها على تأدية جميع المؤلفات الموسيقية، حيث منها تغزل الألحان، وبأنامل العازفين تكون سحرا يخرج من آلية كل ماهو تقليدي ومألوف لحالة من متعة الإصغاء الذي يجعلنا ومن دون قصد نتبع النوتات محاولين فك شيفرات تلك النغمات المتناثرة فيما حولنا لنتساءل متى وكيف تولد هذه النغمات نغمة تلو الأخرى , هكذا إلى أن يمضي بنا الحال لنرى أنفسنا قد غرقنا هياما في نشوة وعذوبة ما نسمع من جمالية أصوات مؤلفة وبترتيب متقن وموزون،
كيف لا وهي المتوجة قانونا على كافة الآلات الشرقية، والتي حاولت أن ترتبط بجوهر موسيقانا العربية التي اعتلت قمم النجاح بأبهى حلته بوجود هؤلاء المبدعين الموسيقيين، خاصة من جيل الشباب ممن تجمهروا بمواهبهم الخلاقة والطموحة ليعتلوا ببراعتهم روادا متكشفين كل مافي الموسيقا من أسرار دفعتهم للإصرار على الثبات في خطاهم ليرتقوا بأعمالهم بإبداع يسمو بهم نحو الأعلى معانقا عظمة الموسيقا وكل مافيها من سحر وروعة ..
أوج أبو زيد شاب موسيقي احترف الإبداع في حياته الموسيقية، من خريجي المعهد العالي للموسيقا بدمشق، وبطموح لا حدود له تفرد بآلة القانون ليختص بها.. له العديد من الإنجازت الموسيقية المهمة وساهم بتأسيس العديد من الفرق الموسيقية، منها روجيندا الخاصة بآلة القانون ..
نكمل بقية الحديث مع أوج ليعرفنا اكثر عن تفاصيل هذه الآلة.
تاريخ وعراقة
عن تاريخ آلة القانون وأهم ميزاتها كآلة وترية، يضيف إلى ما ذكرنا عنها، بأنها من الآلات الوترية القديمة، تاريخها يعود للحضارة الآشورية، وسميت بالقانون لأنها الدستور والقانون الناظم للموسيقا الشرقية، والتي تبنى عليها أدوار الآلات الأخرى كما في التخت الشرقي. ومايميزها عن غيرها من الآلات، هو مساحتها الصوتية الواسعة وقدرتها على تأدية جميع المؤلفات والمقامات الموسيقية الأساسية منها والفرعية، وهي تتكون من صندوق صوتي شكله شبه منحرف وقائم الزوايا، فيه فتحات عدة تسمى بالشمسيات، مهمتها إظهار قوة الصوت. كما يحتوي القانون على مايقارب ( 78) وترا حيث لكل ثلاثة أوتار درجة صوتية واحدة، وتشد جميعها بشكل موازٍ لسطح الصندوق الصوتي.
ويتابع حديثه بالقول: التحكم بنغمة العلامة فيها، ليس فقط حتى النصف والربع، بل بالكومات الدقيقة جدا عن طريق التحكم بالعرب الصوتية،
كما بإمكان العازف التحكم بدرجة الصوت من حيث جواب العلامة؛ لأنها تشمل ( 3/5 ) أوكتاف أي ثلاث أوكتافات ونصف، وأيضا يمكنه استخدام أوكتافين معا أثناء العزف عليها.
شغف موسيقي
وعن علاقته بالموسيقا وتحديدا مع آلة القانون يبين ابو زيد بأن شغفه وعشقه الموسيقي لا حدود لهما، والموسيقا هي شغله الشاغل وستبقى، كما يتملكه طموح كبير، وهو نشر الثقافة الموسيقية وتعليمها لكل الطلبة الموهوبين، وذلك من خلال مايقوم به من عمل في تدريس علوم الموسيقا، وخاصة فيما يتعلق بتعليم مهارات العزف على آلة القانون لكي تكون موجودة وبقوة في مجتمعاتنا العربية وفي كل بيت، مؤكدا أن هذا ما يطمح ويسعى إليه دائما، بالإضافة إلى دوره في إبراز إمكانية الآلة من خلال العزف عليها كعازف صولو لإخراجها من حالة التصنيف الشرقي لها، أو التخت الشرقي، إلى حالة أخرى يبرز من خلالها التكنيك المميز للآلة وأدق الأصوات في الجوابات الدقيقة فيها، لكن مع الحفاظ على طابعها وهويتها الشرقية التي تمتاز بها.
عازف أكاديمي
عما أضافته آلة القانون لشخصيته الموسيقية للوصول به إلى مرحلة العازف الأكاديمي، يشير أبو زيد إلى أنه لايرى القانون مجرد آلة موسيقية فحسب، بل هي كل مافي حياته من جمالية ومتعة وشغف.. وأضاف بأنه يمتلك ذاك الفكر المتطور دائما فيما يخص القانون، فكلما سعى ليمتلك آلة أحدث وبعيدة عن شكلها الحالي والتقليدي، يرى المجال أمامه واسعاً لإبراز إمكانياته ومهاراته كعازف، وأيضا إمكانية وأسرار الآلة..
ويكمل: نحن صديقان أوفياء لبعضنا البعض، فهي أضافت لشخصيتي الموسيقية الكثير، حيث أرشدتني إلى طريق الإبداع للوصول لأسرارها وكل مافيها من تفاصيل جعلتني أغوص فيها عشقا لأستمتع وأكتشف نفسي كعازف أحترفها من خلال كل ما أضيفه من لمسات ومهارات بالعزف عليها، وأيضا بإمكانية ما أقوم به من تأليف لأعمال موسيقية مميزة وبعيدة عن كل ماهو تقليدي ومألوف.
آلة مهمة
وعن أهمية وجود آلة القانون للمشاركة مع الأوركسترا والفرق الموسيقية، أشار أبو زيد إلى دور القانون كآلة مميزة ومهمة، لها طابعها الخاص من خلال مشاركتها مع الأوركسترا، وحتى الفرق الموسيقية؛ لما تمتاز به من خصائص جمالية ملفتة، تضفي بوجودها وبسحر نغماتها الموزونة حضورا شرقيا مبهرا، حيث تؤدي دورها المكتوب لها من ضمن التوزيع الموسيقي، وأيضا الصولو الخاص إذا تطلب ذلك، فوجودها يضيف روعة وجمالا خاصين لايشبه إلا نفسه.
مشاريع موسيقية
وعن كل مايسعى إليه من طموحات ومشاريع موسيقية نختم حوارنا الشائق مع أوج بهذا السؤال ليجيب بأن هناك العديد من المشاريع والمخططات الموسيقية التي أسعى لتحقيقها، لكن فيما يخص آلة القانون تحديدا، أعمل حاليا على فكرة التوسيع بأعمال الأوركسترا التي أسستها، والتي حملت اسم روجيندا وأشرف بنفسي عليها وأقودها، كما أسعى جاهدا لأن تشمل عازفي قانون من جميع أنحاء سورية، وأن يقدم نتاج أعمالها من خلال المشاركة في حفلات بكل المحافظات السورية لإبراز جمالية القانون ومهارة العازفين وإمكانياتهم بالعزف عليها، وأيضا التعريف بها وبأهميتها كآلة وترية، لها تاريخ عريق يشهد له.
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام