عندما يتجسد الغناء بصوت من يجيده لغة تحاكي الروح.

زُهيدة هورو
باحتراف عالٍ وإبداع مشهود له وبهدوء رزين أنشد بعذوبة صوته الرخيم ليتغنى بكل مافي الحياة من كلمات نظمت وبإتقان فني موزون ليجيدها أغاني تدغدغ فينا الذاكرة وتتغلغل لأعماق الروح.
هو مغنٍ من نوع خاص، صوته يصدح ليعلو حيث يستحق الفن من إبداع وعظمة، وقد كرسه بكل ماهو راقٍ من التزام فني وجمالي وثقافي.
 لم يكتف بالغناء على المسارح  وفي المحافل بل حلق بأصالة صوته مغردا ضمن تترات أعمال درامية، مضيفا وبكل عمل حمل بصمة صوته، حضورا فنيا لافتا بأدائه المميز والساحر. ولأن هيامه الغناء استطاع أن يرسم لنفسه بصمة خاصة وملامح لهويته الفنية ليحظى بنجاح يليق بعذوبة ذاك الصوت في ظل مايشهده عالم الفن من حالة ازدحام. يتسلل بآهات أغانيه، نغمض أعيننا لنرى أنفسنا  بمكان آخر وبحالة عشق من نوع آخر حيث فيها  اشتياق الروح للروح. حالة تثير الحنين والحب المخبأ في خفايانا لأيام وذكريات مضت.
الفنان ينال طاهر مغنٍ من نوع خاص، له الكثير من الأعمال الغنائية المميزة، امتاز بصوت رخيم  فيه الكثير من العذوبة والدفء , أجاد الغناء وبلغات عدة. لمع اسمه الفني  وارتبط بغناء تترات درامانا السورية. عن هذا الجانب  من حياته الفنية سألنا طاهر،  وعن جوانب فنية اخرى أطلعنا عليها ضمن حوارٍ فني جمعنا به.
ذاكرة أولى
والبداية مع ينال طاهر كانت بالحديث عن بداية بزوغ موهبته الغنائية وعن ذكرياته الأولى
قائلا: حكايتي مع الفن وتحديدا مع الغناء بدأت وأنا في سن مبكرة، كنت دائم البحث والشغف عن كل ما يخص الموسيقا والغناء تحديدا، بدءا بأنواع الآلات الموسيقية والتعرف عليها انتقالا لمحاولة تقليد أداء وطبقات أصوات المغنين،
في هذه الفترة تأثرت جدا بوالدي رحمه الله والذي كان منشدا بارعا يعتمد عليه في المناسبات والطقوس الدينية. صوته الشجي غمر كياني الصغير وامتلكني ليكون السبب الرئيس لتعلقي بالغناء، ولبداية بزوغ موهبتي.
  أذكر كيف كنت أحاول تقليد صوته و أدائه، مضيفا إلى ذلك تفاصيل أخرى كنت أبتكرها وأنا في هذه السن الصغيرة مثل حركات في الجسد وأيضا تعابير بالوجه.
أبي رحمه الله هو ذاكرتي الأولى وبصمة شغفي وعشقي للغناء .
العراب
ومن المؤكد أن هناك من تبنى الموهبة وكان العراب لطاهر والداعم الأول لموهبته الغنائية لتزداد ألقا وتألقا في عالم الفن
 فمن هو ذاك العراب؟
ويجيب طاهر بأن والده رحمه الله هو ذاكرته الأولى في الغناء، فعرابه وبكل فخر ، هو المؤلف الموسيقي الأستاذ سعد الحسيني، ولأن الله هو من يرتب لنا الأقدار، فشاء القدر وبإحدى المناسبات أن يجتمع طاهر مع هذا الرجل الذي وصفه بالكثير  من صفات الإنسانية والرقي، مضيفا أن اللقاء الأول بينهما كان ضمن استديو طلب منه حينها سماع صوته  بأداء أغانٍ من أنماط مختلفة من حيث المقامات وحتى طبقات الصوت
متابعا وصف الحالة وبعد أن انتهى من الغناء  يرى وجه الأستاذ سعد وملامحه التي دمجت مابين الإعجاب بصوته وعينيه اللتين كانتا تبرقان، وكأنها تريد أن تدمع فرحا بذاك الصوت الذي أثاره، لتتكرر  بعدها اللقاءات إلى أن تبنى موهبة طاهر وبصفة رسمية من خلال تسجيل أغانٍ من ألحانه بالإضافة لتعاون فني مع ملحنين آخرين، منهم الأساتذة الموسقيين الراحل نجيب السراج والراحل عدنان ابو الشامات ليكون بذلك أول ألبوماته، وبعد النجاح الذي حققه الألبوم انتقل بعد ذلك إلى المرحلة والخطوة الأهم في حياته الفنية كما وصفها ألا وهي غناء التترات الخاصة بالأعمال الدرامية، حيث اعتبر طاهر هذه الخطوة هي النقلة الأهم في حياته الفنية والتي كانت الوسيلة الأقرب وصلة الوصل بينه وبين الجمهور من خلال وضع صوته على تترات الأعمال الدرامية، لنذكر باقة من هذه الأعمال والتي رسخت قي ذاكرة الناس إلى وقتنا الحالي  ( الفوارس، الخوالي، ليالي الصالحية، كوم الحجر، كثير من الحب كثير من العنف، باب الحارة، حارة القبة بأجزائه الثلاثة …)  والكثير من الأعمال الأخرى، سواء بالدراما أو غير ذلك.
و مع عرابه الأستاذ سعد الحسيني يشير طاهر إلى أن هناك أيضا من كان لهم بصمات لاتنسى بمسيرته الفنية ليذكر بذلك الأستاذ رعد خلف بفيلم ( أمير البحار ) ومسلسل  (الدبور ) مع الأستاذ رضوان نصري  .
الموسيقا والغناء
 سألنا طاهر عن علاقته الروحية والوجدانية بكل مايخص الموسيقا وتحديدا الغناء وعن تأثيرهما بحياته على الصعيدين الشخصي والفني،
حيث بين لنا قوة ومتانة تلك العلاقة التي تربطه بالموسيقا وخاصة الغناء قائلا: من المعروف عن الموسيقا هي لغة العالم ولغة الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، وبأن حياته هي رهن لها، ارتبطت بأدق تفاصيل شخصيته وحالاته التي يعيشها، خاصة الغناء والذي يرافقه وبكل الأوقات ليكون جزءا لا يتجزأ منه واصفا ذلك بأنه غدا ملتصقا بكيانه، مشيرا إلى أنه  يغني وبكل حالاته التي يعيشها  من فرح وحزن وضجر وغضب …
   مضيفا  بأنه دائم الاطلاع و البحث عن خفايا الموسيقا وأسرارها، خاصة كل ما يتعلق بثقافة وعلم الغناء ,
 كما يتقرب من ذوي الخبرة الواسعة والطويلة من الجيل المخضرم للاستفادة من تجاربهم الموسيقية والغنائية.
تترات درامية
ينال طاهر وهذا الاسم الذي لمع بقوة وبنجاح يُشهد له في المجال الفني خاصة بغناء تترات الدراما السورية.
 وعن تفاصيل هذه التجربة الناجحة والمميزة سألنا طاهر وبين لنا  بأنه وكما ذكر هذه الخطوة هي الأهم والأجمل من بين كل تجاربه الفنية الأخرى والأقرب لقلبه كونها تعتبر النقلة الكبرى بحياته الفنية، والتي رسخت أثرا موسيقيا لاينسى قي ذاكرة الناس ليتعلقوا بصوته، مرددين وبكل محبة أغاني التترات، ومن دون حتى أن يتعرفوا على شخصية صاحب الصوت وحتى معرفة اسمه الكامل في بعض الأحيان، ليكمل هذا بالفعل ما كان يعنيه أن يكون صوته بصمة بوجدان وذاكرة الجمهور  وهو النجاح الذي كان يسعى إليه دائما، بإيصال صوته وبمحبة للجمهور ليكون  قريبا من قلوبهم و مسامعهم  محاكيا فيهم الذاكرة و المشاعر،
وبالتالي حاضرا ومرافقا لهم من بداية مشاهدة أي عمل حتى نهايته، مؤكدا هذا هو النجاح الحقيقي بأن يرتبط صوت المغني بذاكرة الناس  ووجدانهم متأثرين بقدراته الصوتية حتى من قبل أن يتعرفوا على شخصه.
إحساس
وإن كان هناك من اختلاف بطعم الإحساس والأداء بين الغناء بتترات الأعمال درامية وبين الغناء المعتاد عليه في المسارح والحفلات، يوضح  بأنه لطالما عشق مهنته الفنية وبكل ملامحها  وإن كان غناء التترات هو الأحب والأقرب لذاته لكنه مع ذلك يعيش الحالة وبنفس طعم الإحساس، سواء الغناء بالأعمال الدرامية أو حتى على المسارح وبالحفلات.
و عن سر ذلك يوضح لطالما بأنه  يغني بإحساسه ومشاعره قبل صوته، لذا  يتفنن بأدائه للأغنية، وبكل تفاصيلها من حيث اللحن والكلمات، مؤكدا وبإصرار هيامه وتعلقه بالغناء، وبالرغم من اختلاف الحالات والمناسبات التي يغني فيها،
 إلا أن الطابع الروحي يكون هو المسيطر  دائما، وأيضا طعم الإحساس يبقى هو ذاته من دون أن يتغير أو يختلف.
صعوبات وأسرار
وحدثنا عن أكثر الصعوبات التي يواجهها في عمله الفني والغنائي ألا وهو التسجيل ضمن استديو، وذلك لما يتطلبه من آلية عمل معينة تتضمن إعادة الغناء أو المقاطع المراد مرافقتها مع المشهد التمثيلي، وذلك  مرات عدة حتى الوصول للدرجة المطلوبة من الدقة التامة في الأداء الغنائي ليتماثل وبتقنية فنية عالية  مع المشهد أو الحالة الدرامية المطلوبة، مشكلا صورة متكاملة من تماذج فني مبهر فيما بينهم
ملفتا إلى أنه ينسى كل تلك الصعوبات لمجرد تحقيق النجاح الذي يحصده العمل بعد عرضه، خاصة أغنية التتر او المشاهد التي تتضمن صوته، معلناُ عن سر  ذاك النجاح والذي لايكون بالأمر السهل ولايقتصر دوره فقط بالغناء ضمن مشاهد العمل او بالتتر الخاص به، بل قبل وضع صوته على أي عمل درامي يتعرف جيدا على القصة وبكل مافيها من ملامح وتفاصيل، ليتأمل ويعيش التجربة بمخيلته وليكون صوته بذلك عنصرا بطوليا آخر، يضاف إلى سياق العمل، وذلك من خلال أدائه الغنائي فيه.
معايير وشروط
 و إن كان هناك من شروط ومعايير  واجب توفرها بمن يود الغناء خاصة ضمن تترات الأعمال الدرامية، يؤكد أنه لابد من أن يمتلك المغني خامة صوتية مميزة وحسناً في الأداء وثقافة موسيقية عالية، هذه أهم الشروط والمعايير الواجب توفرها بالمغني بشكل عام، أما إذا أراد الغناء بالتترات الخاصة للأعمال الدرامية، فلا بد أن يتعرف المغني على قصة العمل ويحاول أن يعيش التجربة والحالة التي يتضمنها بينه وبين ذاته . هذا برأيه من أهم الشروط وأسرار النجاح بالإضافة إلى أن يكون على ثقة عالية، يؤمن بأنه ومن خلال صوته، قادر على أن يحقق  التواصل الروحي بينه وبين الجمهور ..
 وأداؤه الغنائي هو بمثابة الرسالة التي تختصر كل أحداث العمل لينقلها وبأمانة للجمهور المترقب للمشاهدة.
 هذه من أهم الشروط الواجب مراعاتها من المغني ليحقق النجاح والتقرب من الناس و ليكون صوته المحبب دائما لقلوبهم ومسامعهم ضمن الأعمال الدرامية.
تحضيرات فنية
وبنهاية حوارنا الغني هذا والممتع مع الفنان ينال طاهر، أطلعنا على تحضيراته الفنية القادمة والتي تتضمن أعمالاً غنائية  يتم التحضير لها في الوقت الحالي، وهي أغانٍ تحمل الطابع العراقي من حيث الكلمات واللحن،  وأيضا أعمال أخرى حملت لمساته الفنية الخاصة من حيث اللحن، معلنا بأنه سيتم طرح كل تلك الأعمال قريبا لترى النور بعالم الفن و الغناء  بعد الانتهاء من كل التحضيرات الفنية الخاصة بها ..
 أما على الصعيد الدرامي، أفادنا طاهر بأن هناك دراسة لعدة أعمال من المحتمل أن تحمل التترات بصمته الغنائية  بالإضافة لمشاركته  ضمن سلسة أجزاء مسلسل حارة القبة.
قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار