الجماهير || زُهيدة هورو
أن تحمل عشقها وشغفها في ثنايا روحك هذا يعني بأنك خلقت مميزاً بالفطرة ، وكأنك حملت شهادات التقدير والتكريم منذ أن خلقت, نعم هي الموسيقا ، فكيف وإن كانت في عهدة سيدة من نوع خاص احترفتها تفاصيل تتغنى بها ، وأجادتها لغة وبلاغة ، خُلقت خصيصاً لتوشم سحرها نغمات تسمو بها الأحاسيس والروح البشرية , بذاك الصوت الرزين و المشحون بثقافات غنائية عدة وبإيقاعات موزونة تطلق العنان غناء خاطفاً متجهاً بأناقته وسحره لمسامعنا ، معيداً النبض لكل ما سلبته منا الحياة ، وأطفأته بما أنشدته من أشعار وكلمات نظمتها ألحانا دونت نوتات موسيقية بأيدي مبدعيها , لتنسج من حكايات أحلام البشر ، وكل ما في الحياة من صور صاغتها على هيئة أغانٍ تتغلغل لأعماقنا ، ومن دون استئذان لتدغدغ الروح وتحيي الذاكرة بصدى و رنين صوتها الذي تفرد بالرقة والعذوبة موقدا الحنين المخبأ للماضي و لأيام من الزمن الجميل بإحساس عالٍ قد أطرب القلوب فينا قبل الآذان .
” سمر بلبل ” .. المغنية الأكاديمية وحوارٍ شائق معها أطلعتنا من خلاله على جوانب عدة من حياتها الفنية الغنية بالإنجازات المهمة والتي كللت ببصمة نجاح وتميز يشهد بهما .
- حكاية فن
ولأن كل ما في الحياة من حالات إبداعية قد انبثقت من حكايات يكمن وراءها الكثير من الأسرار والشغف هو كذلك حال الإبداع مع بلبل وعن مراحل فنية مهمة من حكايتها مع الفن والغناء حيث أطلعتنا عليها قائلة بأنها تنحدر من عائلة هيامها الأول هو الفن وبأن بداية بزوغ الموهبة لديها قد بدأت وهي في سن مبكرة وأولى الملامح معها كانت في سياق التمثيل من خلال تأديتها لأدوار وشخصيات كانت قد ألهمتها وهي في سنها الصغير وذلك برفقة والدها الذي يشغل مهنة الكاتب والمخرج المسرحي حيث كانت ترافقه وبشكل دائم لحضور البروفات ضمن عمله المسرحي .
ومن ثم ليكتشف خصلة فنية أخرى فيها معتبرا هي الأقرب لشخصية ابنته والتي بدت واضحة المعالم وبقوة بحنجرة بلبل الصغيرة ألا وهي الغناء ورأى بأن تلك الموهبة لابد من أن تثمر لترى النور مستقبلا في عالم الفن كما أنها تستحق كل الرعاية والدعم لتزدهر بما يليق بذاك الصوت المبدع .
وعن أولى التجارب الغنائية تضيف بلبل كان ذلك بأدائها لأغنية خاصة بالأطفال يتناسب مع عمرها آنذاك وكان لابد أن تبتعد عن التمثيل لتلم بالغناء اكثر وتنمو تلك الموهبة لتأخذ مسارها الصحيح , وبأن والدها هو من كان يشرف على تدريباتها الصوتية وانتقاء الأغاني الملائمة لها وإلى جانب تأديتها لأغانٍ خاصة بالأطفال كانت تجيد أيضا الغناء الطربي خاصة للسيدة أم كلثوم .
مشيرة بأنها بذلت جهدا لتقليد تفاصيل ذاك الصوت المهيب، وعن أم كلثوم أضافت هي الذاكرة الغنائية الأولى لها خاصة بأن والداتها كانت أيضا تمتلك صوتاً ساحراً وتؤدي أغانٍ طربية خاصة لأم كلثوم لتوصف صوت والدتها بالمليء بالشجن والعذوبة والأقرب لصوت الراحلة شادية وبأن كل تلك التفاصيل كانت كفيلة بأن تحدد مسار حياتها الفنية لتكون بداية الحكاية .
- ثقافة أوبرالية
تقول بلبل عن شغفها للغناء بأنها تعمل على الوصول بصوتها لمستوى الإتقان الفني في الأداء ليكون بذلك قريبا لمسامع الجمهور وحاضرا معهم من خلال ما تقدمه في أدائها لأغلبية الأنماط الغنائية وبمختلف الثقافات , وبأنها إلى جانب الغناء الشرقي وبكل ما فيه من ألوان درست أيضا قواعد الغناء الأوبرالي في المعهد العالي للموسيقا بدمشق وكانت تسعى دائما لتتعرف على ثقافات غنائية متنوعة و هو ما دفعها لغناء الأوبرا حيث أحبت التجربة وخاضتها واصفة هذا النمط من الغناء بأنه عالم غنائي وثقافي بحد ذاته يختلف كليا وبكل تفاصيله عما هو عليه الحال بالغناء الشرقي ، مبينة رغبتها في الاستماع والاستمتاع بأداء أهم مغنّي الأوبرا لتتشرب من ثقافة هذا الغناء العريق وتتطبع بأهم ملامحه , كما أخذت تطلق صوتها الأوبرالي باعتمادها على ميزة السمع الحساس إضافة لدراستها الأكاديمية وهما الأساس في الأداء المتقن والرزين لكل مغنٍ برأي بلبل .
وعن سر إتقان أدائها الساحر للغناء الأوبرالي أوضحت بأن تعلمها بالدرجة الأولى لأصول الغناء الشرقي وكل ما فيه من علوم شكل هذا بالنسبة لها بوابة دخول لثقافات غنائية أخرى منها الأوبرا ، لتلاقي الدعم من زوجها الملحن السوري الدكتور عصام شريفي ، من خلال تأليفه أعمالاً موسيقية حملت بصمته من حيث اللحن ومن ضمنها أغانٍ تؤديها بلبل مستخدمة صوتها الأوبرالي المهيب لافتة بأنها فيما بعد سافرت لفرنسا لمتابعة تخصصها الأوبرالي ملاقية كل التشجيع بذلك والاهتمام من كبار الأساتذة الموسيقيين وتحديدا المختصين في ثقافة الغناء الأوبرالي .
- غناء شرقي
وكما ذكرت بلبل وفي بداية حديثها معنا بأن رحلتها مع الغناء الشرقي قد بدأت في سن مبكرة وقد تمعنت في هذا المجال من خلال دراستها وتلقي المزيد من قواعد وثقافة الغناء الشرقي وأيضا بصقل موهبتها بتمارين الصوت والتعرف عن نتاج أهم المغنين السورين والعرب منوهة بأن هناك الكثير من الأعمال الغنائية المهمة تتمنى أن تؤديها ضمن حفلاتها , موضحة أن ما يمنعها من ذلك أن هذا النمط من الأعمال يتطلب جمهور خاص واستثنائي لذا تخشى أن تقدمه بأي حفلات تؤديها حرصا منها أن لا تفرض ذلك على الجمهور إلا بطلب منه , مؤكدة على احترام الذائقة الفنية للجمهور ومن الضروري اختيار المكان والزمان المناسبين لهذا الفن الغنائي العريق ولابد أن يكون برغبة وطلب ممن يتذوقون , والذي اعتبرته بلبل جزء مهم من خزينة موروثنا الثقافي والفني وبأنها تسعى جاهدة لتقديمه بأبهى وأرقى ما يليق به .
- تكنيك
وفيما يخص ميزة الدمج الغنائي أو الميكس بما تقدمه من غناء أوبرالي وشرقي خاصة ومن المعروف عنها وبشهادة الكثر من الموسيقيين بقدراتها الفنية المميزة بما تمتلكه من حضور لافت بصوتها الرزين قالت بأنها تدمج بصوتها مابين النمطين الشرقي والأوبرالي مستخدمة تكنيك فني خاص أثناء أدائها الغنائي , وقد لاحظ ذلك العديد من أهل الفن والموسيقا بأن صوتها الشرقي قد دبغ بالطابع الأوبرالي لتشير بمشاركاتها الكثيرة من حفلات كانت تؤدي فيها غناء أوبراليا إلى جانب الغناء الشرقي معبرة عن سعادتها لما تقوم به من هذا المزج الفني والتكنيك الثقافي ما بين نمطين غنائيين وما يحققه من نجاح وإعجاب بين الحضور .
مؤكدة سعيها في الحفاظ على هذا المستوى من الأداء والذي لم تصل إليه إلا نتيجة جهد واجتهاد منها.
- عالم خاص
وعن علاقتها الوجدانية والفكرية بعالمها الفني الخاص وعن ذاك الوفاق الروحي فيما بينها وبين الغناء حدثتنا بلبل بأن ما وصلت إليه من حالة روحية قد تعمقت وتغلغلت بكل ما في حياتها وشخصيتها وقد أخذت ما هو عليه اليوم من حالة هيام وشغف لا حدود لهما معتبرة بأن ذلك لم يكن بالأمر السهل ولا حتى بالوقت القصير بل من حصيلة خبراتها الطويلة وتجاربها في الحياة خاصة خشبة المسرح وكيفية التعامل مع أدق تفاصيله راسمة لنفسها أهداف فنية لما تريد إيصاله من خلال صوتها للجمهور , مشيرة بأن للمسرح مكانة وقدسية خاصة في حياتها وتشعر كأنها تحلق على خشبته بما تؤديه من أغانٍ , خاصة بين أهات جمهور محب فإن روحها هي من تغني مصدرة ذاك الصوت من حنجرتها .
وفيما يخص الجمهور وصفتهم بلبل بالأصدقاء لها وتغني ما يطيب لهم من أعمال أحبوها ارتبطت بوجدانهم وذاكرتهم خاصة من الزمن الجميل , وشعورها اتجاههم هو الود والمحبة وكل الاحترام كونهم قد خصصوا من وقتهم مكانا لها ولفنها وبأن ما يربط صوتها وخشبة المسرح وذاك الجمهور الذواق للفن الأصيل أبسط ما يمكن وصفه واشتياق الروح لروح .
- الغائب الحاضر
تقول بلبل عن شريك نجاحاتها الفنية زوجها الملحن عصام شريفي حتى لو كان غائبا عن بعض حفلاتها لكنه يبقى حاضرا معها و بكل أنفاسها وكلمات ما تؤديه من أغانٍ وكذلك هو الحال مع والديها , مضيفة بأنهما الداعمين لها دائما وبكل خطواتها و قراراتها الفنية خاصة زوجها مبينة بذلك وقوفه معها جنبا إلى جنب بالكثير من الحفلات التي تقام على المسارح سواء في سورية أو خارجها تحديدا مسرح دار الأوبرا بدمشق .
كما أضافت بأن هناك الكثير من المقربين في حياتها خاصة من عائلة زوجها بالرغم من غيابهم جسديا لكنهم موجودون بصوت بلبل وبكل أهات أغانيها، موضحة بأن هذا قد اثر على ذائقتها الفنية بكل ما تؤديه ليحمل صوتها في خفاياه الكثير من حالات اشتياق مصحوبة بالحنين و الشجن .
- رسالة
وفيما يخص جيل الشباب من المغنين وجهت بلبل رسالة فحواها الحب و في طياتها حملت كل أمنيات النجاح لما يقدمونه من نتاج فني مؤكدة بضرورة دعمهم والاهتمام بمواهبهم وتقديم كل الوسائل لصقلها ورعايتها من الجهات المعنية في هذا الأمر خاصة من أصحاب صناع الأغنية كما أثنت على جهودهم بكل ما يقدمونه من أعمال فنية , متمنية بأن يكملوا رسالة ما بدأه الأسلاف بالحفاظ على موروثنا الغنائي ومشددة بضرورة إضافة أعمال غنائية جديدة تحمل الطابع السوري الأصيل والعريق .
لتبين بأن هذا يتطلب تضافر جهود المعنين بتقديم الإمكانيات وتهيئة المناخ الفني المناسب وإتاحة الفرص أمامهم لإثبات ذاتهم وقدراتهم الفنية التي تحتاج فقط لدعم ورعاية لترى النور وتضيء في سماء الفن والغناء.
======
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام