الجماهير || زُهيدة هورو
من أمام الميكروفون وعلى المسارح ومن أثير ذاك الصوت المشبع بالثقافة الفنية لمع اسمه مرسخاً النجاح بأعماله التي مازالت حاضرة ليومنا هذا.
هو مغنٍ بارع و من نوع خاص ، سوري أصيل ، اشتهر بصوته المميز ، وحضوره الفني اللافت من حنجرته تناسب الكلمات ليؤديها أغانٍ تحمل الكثير من معانٍ مأخوذة من صور الحياة وما فيها ، يتماهى ما بين الكلمة والنغمة ليصيغ منها جمل موسيقية منظومة اللحن بجمالها الفني الساحر ، هو أستاذا في الفن و الموسيقا ، هو الفنان الأصيل ” نعيم حمدي ” ، أحد رواد الجيل المخضرم من الزمن الجميل ، امتهن الموسيقا شغفا لا حدود له فكان الملحن تارة و العازف تارة أخرى يجود بأنامله إبداعاً و على آلات موسيقية عدة ، البيانو منها والعود أيضا ، وبإصرار و ثبات خطف الأنظار بما تفرد به من جمالية الصوت بأدائه لكل الألوان الغنائية وأنماطها وبلهجات ولغات عدة .
مثّل سورية في الكثير من المحافل العربية و العالمية، و يعتبر أرشيفاً موسيقياً بحد ذاته حاصل على العديد من الجوائز والتكريمات خاصة من بلده سورية، لنطوف معه بحوارٍ موسيقي فيه الكثير من الذكريات ومراحل مهمة من رحلته الفنية الطويلة والغنية.
- حديث الذكريات
ولنبحر مع الفنان نعيم حمدي لعالم الذكريات و عن بداية المشوار مسترجعين معه ذكرياته التي وصفها بالرائعة وإحالة بأن تنسى كونها من أيام الزمن الجميل والفن الأصيل وعن ملامح من حكايته يقول بأنها قد بدأت تكتب سطورها شغفا فنيا بدت واضحة المعالم منذ نعومة أظافره وذلك ضمن ماكان يقوم به من مشاركات حينها بفعاليات مدرسية مستذكرا أغنية أداها بأحد المناسبات للمغني محمد قنديل وهي (ياحلو صبح يا حلو طل ) , ليكون حاضرا بتلك المناسبة أسماء مهمة فنية وأيضا شخصيات بارزة في ذاك الوقت ليذكر منهم ( جورج جمال , نجاة قصاب حسن , سامي ابو النور ) والذين كانوا من أوائل من آمنوا بموهبة حمدي الفنية وأثنوا عليها ليتم ترشيح اسمه لوزارة الثقافة لينضم للمشاركة ضمن كورال بالفرقة السيمفونية بقيادة الراحل صلحي الوادي , مضيفا بأن مدربي الكورال حينها كانوا نخبة من كبار الأساتذة الموسيقيين وبأنه قد تعلم من وجوده بالفرقة أصول غناء الموشحات بالإضافة للصولفيج الغنائي كما شارك ببرنامج الهواة في التلفزيون السوري مؤديا أغنية لعبدالحليم حافظ لافتا بأن التلفزيون كان حينها بلونين الأبيض والأسود حيث لفت الانتباه بأدائه الساحر وخامته الصوتية المميزة .
متابعا حديثه بأنه انتقل فيما بعد للمشاركة ضمن الكورس مع أعمال غنائية لكبار المطربين في الإذاعة ليذكر منهم ( وديع الصافي , سميرة توفيق, فهد بلان , صباح فخري ) وغيرهم الكثير وبعد هذه المرحلة قرر حمدي صقل موهبته الفنية أكثر من خلال التحاقه بأحد المعاهد الموسيقية وذلك لتعلم العزف على آلة العود والتي أجادها فيما بعد عزفا وبمهارة عالية مما جعله يدون النوتات ويعزفها على آلته ليشد بموهبته الفنية كبار الموسيقيين والذين كانوا من المشجعين له للسفر إلى مصر لتعلم أصول الغناء أكثر وكل ما في الموسيقا من علوم ليلاقي الدعم بتلك الخطوة من ذويه وعائلته خاصة عمته التي كانت تقيم في مصر ومن أبنائها الذين كانوا أيضا من دارسي وهواة الموسيقا ليساعدوه للانتساب لمعهد موسيقي إيطالي مختص بالعزف على آلة البيانو , ومعهد آخر للموسيقا الشرقية ليصقل مهاراته الغنائية اكثر ويجيد بآلتي العود والبيانو عزفا أشاد به الكثير من كبار الملحنين والمغنيين في مصر منهم ( بليغ حمدي , كارم محمود , محمد الموجي , عبدالعزيز محمود ) ليسحرهم حمدي بموهبته الفنية الغنية بما يمتلكه من ميزات عزفا وغناء ما أدى لأن يشارك غناء في الكورس مع حفلات ( السيدة ام كلثوم , صباح , فايزة احمد , ) وغيرهم , إضافة لمشاركاته العديدة بتسجيل أعمال فنية مهمة ضمن الإذاعة المصرية ومع كبار المطربين .
” تواريخ لا تنسى
وما بين عام (1969 و1970 ) تعرف حمدي على الموزع الموسيقي الكبير ( أندريه رايدر ) ليوزع له أولا أعماله الغنائية من حيث اللحن وهي أغنية حملت عنوان (الدنيا غريبة ) ليقول حمدي عن هذا التعاون الفني المشترك فيما بينه وبين رايدر بأنه ناجح و تجربة مهمة و غنية وقد تعلم منه أصول التوزيع الموسيقي ليصفه بالشخص المعطاء وذو الأخلاق العالية , متابعا بأنه قد تعرف أيضا على أشخاص من أصول هندية وقد تعلم منهم اللغة وغنى بها ليشارك بصوته غناء للسفارة الهندية في مصر وأيضا ضمن فعاليات فنية وأماكن مهمة كبرج الهرم مؤديا الى جانب اللغة الهندية أغانٍ عربية وإنكليزية , وبأن آندريه رايدر دعمه أيضا ليؤلف لحنا آخر ويشارك به ضمن مهرجان دولي في اليونان ليحظى بالنجاح ويحصد المركز السابع من بين ما يقارب أربع وستون دولة مشاركة مبينا أهمية المهرجان والذي كان يحضره كبار الشخصيات الفنية والمطربين العالميين , وبأنه قد شارك بمهرجان آخر مشابه له وكان قد أقيم في مصر وحقق فيه ذات النجاح والتميز .
و بعد سنوات قضاها حمدي متنقلا بنجاحه مابين الفن وجوانبه المختلفة عاد إلى سورية عام 1973 ليقدم بتلك الفترة مجموعة مميزة من أغانٍ حملت الطابع الوطني في صياغتها , وفي عام 1975 تعرف على كبار المؤلفين السورين منهم (أحمد قنوع , جورج العشي , عيسى أيوب , عمر الحلبي ) وقد لحن لما أبدعوه من مؤلفات كتابية وأشعار عدة أعمال غنائية حملت في طياتها الكثير من الحكايات و المعاني السامية والنبيلة والتي كللت بالنجاح الفني المطلوب كما كان حمدي من أوائل من قدم الأغنية السورية بطريقة الفيديو كليب ذاكرا منها ( ياما رحنا ومشينا , دنيا غريبة , طاير قلبي ) وغيرها من أغانٍ أخرى وأيضا كانت له عدة نشاطات ومشاركات مهمة منها افتتاح مسابقة الدورة العربية الخامسة عام 1976 والتي قد تم الترشيح فيها لاختيار أجمل لحن لكلمات شعرية للراحل سليمان العيسى ليكون حمدي من ضمن المشاركين ويحقق الفوز على ما يقارب سبعة عشر ملحنا من كبار ملحني الوطن العربي وتم منحه الميدالية الذهبية , وفي عام 1979 شارك في الدورة العسكرية التي أقيمت بدمشق و غنى فيها أغنية مؤلفة من خمس لغات وكما العادة ليفوز بها محققا النجاح المشهود له .
ومن مشاركاته المهمة أيضا يضيف حمدي أن شارك في عام 1987 في دورة البحر الأبيض المتوسط والتي أقيمت باللاذقية ليفوز بتلحين أجمل أغنية على ما يقارب ستة وثلاثون عملا غنائيا من بين المشاركين ضمن الفعالية ليحقق بذلك نجاحا يضاف لمسيرته الفنية الغنية بالإنجازات المميزة .
ومابين عامي 1991 و 1992 شارك بالغناء ضمن مهرجان عالمي يضم خمس قارات وبمشاركة كبار نجوم العالم في كوريا الشمالية ليشارك بأغنية عربية وأخرى كورية من ألحانه وتوزيعه فحققت نجاحا لافت في كوريا ليتم في كل عام من المهرجان وبطلب من الإدارة المختصة والقائمين عليه للمطالبة بترشيح حمدي لمرات عدة ليكون من ضمن للمشاركين بالمهرجان.
كما قدم في عام 1992 فكرة إقامة مهرجان الأغنية السورية والذي كان يقام في حلب و كان قد كلف الأستاذ دريد لحام حينها مديرا للمهرجان واستلم حمدي مهمة المساعد له ومدير التنسيق والمتابعة والمشرف على أدق التفاصيل لاسيما بأن المهرجان كان يضم مشاركات فنية ومن جميع المحافظات السورية .
- إبداعات لحنية
ومن إبداعاته المشهود فيها بالنجاح أيضا هو ما يخص جانب التلحين فقد شارك بالموسيقا التصويرية ضمن عدة أعمال سورية مهمة والتي حصدت عدة جوائز وتكريمات وتكللت بالنجاح ليذكر بذلك ( حكم العدالة , المحكوم ,صراع الأشاوس , مذكرات عائلية , دوار القمر , عودة غوار ) وتطول القائمة بالذكر , كما قام أيضا بتلحين أعمال غنائية لعدة مطربين كبار ليذكر بذلك ( كروان , مصطفى نصري, ماهر مجدي , أنعام صالح ) .
و عن اسمه الفني نعيم حمدي ومن أطلق عليه التسمية يقول أنه الموسيقار الراحل بليغ حمدي وذلك عندما كان بمصر بعام 1969 .
- حال الأغنية
وفيما يخص حال الأغنية السورية والعربية يراها حمدي بأنها في حالة تأخر فني كما أن هناك حالة من التكرار خاصة من جيل الشباب مضيفا بأن كل الأغاني أصبحت متشابهة من حيث الكلمات واللحن وافتقدت لطابعها السوري و العربي الأصيل لافتا بأن هناك شريحة من جيل الشباب قدموا أعمالا غنائية مهمة بمواصفاتها الفنية لكن يكررون أنفسهم بذات الطابع والتجربة من دون اللجوء للتنوع الغنائي والفني.
وأما عن نتاجه الغنائي يضيف بأنه غنى الكثير من أغان خاصة تحمل مواضيع مهمة وحساسة منها للأطفال موضحا بأن كل ذاك النتاج الخاص به موجود ضمن أرشيف التلفزيون السوري بالإضافة للأغنية التراثية السورية منها والعربية والتي حظيت باهتمام حمدي وأداها بعدة لهجات عربية منها (التونسي, المغربي , العراقي , المصري ) وغيرها .
و بأنه وممن هم من جيله من المطربين قد تشربوا من الموروث التراثي السوري والعربي متذوقين ما فيه من جمالية اللحن والكلمة مؤكدا على أهمية هذا الموروث الفني والذي مازال حاضرا وبقوة ويقدم بكل المناسبات والمحافل.
- محبة وعتب
لافتا وبنهاية حوارنا الشائق معه بأن هناك الكثير من أعماله الغنائية المهمة قد سجلت بدائرة الموسيقا السورية لكن توقف الإعلام عن بثها، متمنياً من الجهات الإعلامية التركيز على القامات السورية المهمة وما قدمته من أعمال فنية مازالت راسخة بذاكرة السوريين.
وعن سر النجاح الذي حققه مع أقرانه المطربين من ذاك الجيل، هو ما قدموه من اهتمام بالفن السوري العريق ، ورعاية من صناع الأغنية السورية ، ومن الجهات المعنية الذين بذلوا كل ما في جهدهم للوصول بالفني السوري العريق لأعلى ما يستحقه من مستوى النجاح و التميز ليسجل بصمة سورية أصيلة بتاريخ الفن العربي .
======
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام ??