نودّعُ عاماً من أعمارنا

بقلم ربيع حسن كوكة

 

زمنٌ  مِضى أو حاضرٌ  نَحياهُ

أو قادمٌ في الغَيبِ لستَ تراهُ

 

عِظَةٌ بماضينا وَوَعيُ مَعاشِنا

و الغيبُ فلتَنْصُرْ  أيَا  رَبّاهُ

 

الزمن: ماض وحاضر ومستقبل:

ماض: نذكره بعِظَة واعتبار، وحاضر: نعيشه بوعيٍ واقتدار، ومستقبل: نسأل الله أن يجعله زمناً للانتصار.

 

ما أحوجنا ونحن نودّع ونستقبل الأيام والأشهر والأعوام أن نرجع إلى أنفسنا، نسترجع شريط حياتنا الفائتة ليس لمجرّد التذكّر، بل للتفكّر، لنستعرض ما فات فنُصلح الأخطاء، ونقوّم الاعوجاج، ونؤكّد على الأفعال الصحيحة والمستقيمة ونُرسّخ فعلها في ذواتنا ومجتمعنا.

 

لنسأل أنفسنا عن تطلعاتها عن أهدافها عن قيمتها في هذه الحياة، هل حققنا شيئاً؟، هل كان لنا ميزة عن غيرنا ممن يأكل ويشرب وينام؟، هل قمنا بعمل مفيد؟، هل حرصنا على إرضاء ضمائرنا؟، هل نفعنا أنفسنا؛ أسرنا؟ مجتمعنا؟، هل أرضينا خالقنا؟.

 

أسئلة كثيرة تقبعُ في خبايا النفس تنتظر أن نواجهها وتكون إجاباتنا عنها إيجابية.

 

وليس القصد من هذه الوقفة مع الذات الدعوة إلى الاكتئاب أو الركون إلى الانطواء؛ على العكس، إذ المرء عندما يُقيّم أفعاله الماضية، يضفي على حاضره سمات جديدة، ويولد كل عامٍ من جديد ولادةً تحمل خبرة عمره الماضي وتطلعاته السابقة، وأمله بمستقبلٍ يسعى إليه.

 

ودّعنا عاماً واستقبلنا عاماً، زاد عمرنا ونقص في آنٍ واحد، وهذه العبارة ليست من المُفارقات أو اجتماع المتضادات بل أعني بها أننا كبرنا عاماً وبذلك قد زاد عدد السنين التي عشناها، ولا نزال نكبر عاماً تلو عام حتى نصل إلى النهاية في هذه الدنيا، غير أن العمر الذي سوف نحياه والذي لا يعلمه إلا الله ( ستون، سبعون، ثمانون، مئة …) قد نقص عاماً، ولا يزال في تناقص حتى ينتهي الأجل المكتوب لكلِّ فردٍ فينا إذ { لكلِّ أجلٍ كتاب } كما قال الخالقُ العظيم.

 

وعلى كلٍّ فإن من فهم معنى الوجود بَرْمَجَ حياته وفقَ هذا الفهم، فمن نظر إلى الحياة على أنها للمُتعة والتسلي غير من ينظر إليها على أنها للبؤس والشقاء … وكلاهما مخطئ، فالحياة مزرعة للأفعال الصالحة، خُلقنا في هذه الدنيا لنَجوزَها لا لنحوزها على ما في الحيازة من متعة وإرضاء لغرور النفس البشرية، غير أن ما يحوزه المرء بعدها أعظم وأكبر على كافة المقاييس. نعم إن حياتنا بأسرها وقتٌ للبِذار، للزراعة، والحصاد يأتي بعدها، {فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره}.

 

على أنه لا مانع من السعي في هذه الحياة لتكون أكثر راحةً وسعادةً، إذ أن الدنيا وإن كانت داراً للعمل فلا بدَّ أن تتوفر فيها عناصر الراحة والفرح والسعادة التي توجد في رحاب هذه الحياة وقبل أن نجتاز أسوارها ماضين نحو المصير الخالد، نعم إنها موجودة لكنها مُقترنة بشعور الرضا؛ قد تختزلها مواقف، وقد توسّعها أفعالا، إذ ربما وُجِدت السعادة في لحظة أو نظرة أو عِبرة، وقد توجد في أفعالٍ متكررة، أو أحوال متغيرة، أو شؤون متبعثرة.

 

رغم أنَّا ودّعنا عاماً بالحديث عن الوقفة مع الذات وفهم حقيقة الوجود والسعي للسعادة في الحياة؛ لكنَّا نودِّعه وهو مكتظ بأحداثٍ كثيرة لا نرغب باستمرارها؛ تلك الأحداث التي تجلّت فيها الهجمة الشرسة من قِبل الأعداء الصهاينة ومن شاكلهم على الوطن والمواطن، وعلى شعبنا في غزة العزة، استهانوا بقدسية الوطن وحرمة دمـ. ـاء أبنائه فعاثوا ظلماً وفساداً وتشويهاً وإضلالاً، يودِّع شعبنا العظيم هذا العام وهو يَعِدُ بألا ينسى ما جرى فيه، لن ننسى قوافل الشهداء الذين خضبوا بدمائهم أرضنا العربية في سورية وفلسطين ولبنان والعراق واليمن.

 

ولن ننسى من طعن أمتنا طعنات الـ. ـغدر والخيـ. ـانة في الظهر والخاصرة.

 

»»»»»

‏تابع قناة صحيفة الجماهير في واتساب:

https://whatsapp.com/channel/0029VaAVqfEFcowBwh1Xso0t

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار