د. تمّام كيلاني..
في الثامن من كانون الأول، تَمرُّ سنة كاملة على اليوم الذي تنفَّست فيه سوريا أولَ نَفَسٍ خارج قميص الحزن والخوف.
سنة على سقوط منظومةٍ لم تكن دولةً، بل مصنعًا لإنتاج القمع، وتدوير الخوف، وتصدير الظلم.
سنة على انهيار أكبر كذبةٍ سياسيةٍ سُمِّيَت زورًا “النظام”.
بينما لم تكن سوى شبكةٍ مافيويَّةٍ مُتقَنة، تحكُمُها العائلة، وتغذِّيها الأجهزة، ويخدمها الانتهازيُّون.
لم يكُنِ التحرير حدثًا عسكريًّا فقط؛
بل كان عمليَّةً جراحيَّةً كُبرى، اقتُلِع فيها ورمٌ عاش نصف قرن، ورمٌ تمسَّك بالحكم كما يتمسَّك الطفيليُّ بالمضيف…
فأرهق الدولة، وسمَّم المجتمع، وأطفأ نور الحياة في كلِّ زاوية.
واليوم، بعد سنة، نستطيع أن نقولَ بملء الصوت: إنَّ الذي سقط في ذلك اليوم لم يكُن مجرَّدَ نظامٍ؛ سقط جبروتٌ زائف، وسقطت صنميَّةٌ عاش عليها البعض حتَّى الإدمان.
من كانوا “جنود السلطة”… اكتشفوا أنَّهم عبيدٌ عند سيِّدٍ هارب.
بعد التحرير، ظهر المشهدُ عاريًا دون مكياج الخوف.
ظهر الضابط الذي كان يصرخ ليلًا ونهارًا، والمخبر الذي كان يتغذَّى على خوف الناس، والإعلاميُّ الذي أكل عيشَه من تلميع وجه الباطل، والموظَّف الفاسد الذي ظنَّ أنَّ عُمر السلطة أطول من عُمر الحقيقة.
كلُّ هؤلاء كانوا يعيشون في وهم القوَّة.
لكنَّهم لم يكونوا أقوياء…بل مستأجَرين في مشروعٍ ظالم.
وحين هرب مَن كانوا يحرسونه، وقفوا فجأةً أمام أنفسهم… لأوَّل مرَّةٍ دون رتبةٍ تُخيف أحدًا، ولا مكتبٍ يحميهم، ولا جهازٍ يختبئون خلفَه.
لقد اكتشفوا الحقيقةَ القاسية:
مَن يخدم الطغيانَ يعيش على هواءٍ مستعار… وينقطع الهواءُ عندما ينهار القفص.
النظامُ الذي سقط… كان مهزومًا منذ سنوات، يومَ فقد قدرتَه على إنتاج “المعنى”، يومَ صار الخطابُ السياسيُّ نكتةً مريرة.
ويومَ صار الحزبُ قشرةً بلا قلب، والدولةُ جسدًا بلا روح، والمؤسَّسة العسكريَّة أداةً ضدَّ الشعب، لا لأجلِه.
انهار النظام لأنَّه لم يعد يُقدِّم شيئًا: لا كرامة، ولا اقتصادًا، ولا أمنًا، ولا مستقبلاً.
انهار لأنَّه تحوَّل من سلطةٍ إلى عبء، ومن دولةٍ إلى سجن، ومن حُكمٍ إلى غريزة نجاةٍ لعائلةٍ ضيِّقة، تبحث عن استمرار الحكم بأيِّ ثمن.
الذكرى الأولى للتحرير، ليست احتفالًا، بل إعادةُ إعلانٍ للهويَّة.
#صحيفة_الجماهير