محمد مهنا…..
لم تعد محاولة التهريب التي جرت فجراً عبر خربة عواد سوى شرارة صغيرة من نارٍ أكبر تلتهم السويداء بصمت فالمهربون الذين حاولوا العبور إلى الأردن مجرد أداة صغيرة في يد منظومة كاملة تقودها الفصائل التابعة لما يسمى الحرس الوطني بإمرة الهجري منظومة جعلت من الحدود ممراً للمخدرات ومن الهاربين من الفقر جنوداً في تجارة الموت لكن ما ينهك الناس اليوم ليس التهريب وحده بل ما هو أعمق وأشد قسوة على يومياتهم ولقمة عيشهم وكرامتهم
فالسويداء التي تنتظر حصتها من المشتقات النفطية التي توفرها الحكومة السورية الجديدة كي تستطيع الأسر تشغيل المدافئ تجد أن تلك الحصص تُسرق منها قبل أن تصل وتُساق إلى مستودعات الفصائل كما تُساق الغنائم في زمن الفوضى هناك تتحول المحروقات إلى سلعة تُباع بثلاثة أضعاف ثمنها بينما يقف الأهالي في طوابير طويلة يرتجفون برداً وغيظاً لا يجدون سوى وعود كاذبة أو سلاحا يشهر بوجههم إن تكلموا
وما يتكرر في سوق الوقود يتكرر في سوق الغذاء فالمساعدات التي تُرسل لأهل المحافظة تُحتجز عند الحواجز ويعاد توزيعها ليس على المحتاجين بل على التجار المرتبطين بالفصائل لتظهر بعدها في الأسواق بأكياس جديدة وأسعار جديدة وكأن الجوع تجارة مشروعة وكأن وجع الناس هو الممر السهل لجمع الأموال ومن يعترض أو يرفع صوته يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع آلة قمع لا تتردد في الاعتقال والإخفاء وحتى القتل كما حدث مع الشيخ المتني التي هزت السويداء وأكدت أن الاعتراض ليس رأياً بل جريمة عقوبتها الصمت الأبدي
أما الهجري الذي يُقدَّم بصفته “ضابط الإيقاع” لتلك الفصائل فقد أصبح اليد التي تمنح الغطاء للسلاح والفوضى والنهب بتوجيهه تنفذ تلك المجموعات اعتداءاتها وتتحكم في مصير الناس بلا حسيب أو رقيب حتى باتت السويداء وكأنها أرض مغتصبة يحكمها الخوف وتُدار فيها القرارات من خلف المكاتب المغلقة والمصالح الخفية
في ظل هذا المشهد يشعر أبناء السويداء بأنهم محاصرون بين فقر يزداد وخوف يتسع وحقوق تُنهب أمام أعينهم ومحافظة تُساق نحو الهاوية ببطء لكنهم في الوقت ذاته يدركون أن هذه المرحلة لا يمكن أن تطول وأن إرادة الناس أعمق من بطش الفصائل وأقوى من طغيان السلاح وأن يوم الخلاص آت مهما طال ليل الظلم ومهما حاولت الفصائل أن تجعل من وجع السويداء سلعة ومن حاجات أهلها باباً للثراء
سيبقى صوت الحق أعلى وسيبقى هذا الجور مُؤقتاً مهما بدا ثقيلاً اليوم