الجماهير – بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
كُن كيفَ شِئتَ فإنَّ اللهَ ذو كرمٍ…
وما عليكَ بما تأتيه من باسِ
إلا اثنتين فلا تقربهما أبداً…
الكفرُ باللهِ والإضرارُ بالناسِ
منذ أسابيع وحديث الناس في مجالسهم الخاصة والعامة هو ارتفاع سعر صرف الدولار الذي ترجمه الكثير من التُّجّار بغلاء الأسعار، ابتداءً من مُنتج البضائع – على اختلافها – والذي يمتلك مواده الأولية قبل ارتفاع قيمة الدولار مروراً بالتاجر الذي يمتلك مستودعاً مُكدّساً بالبضائع ومنافذ بيع الجُملة والمُفرّق جميعهم وفي ظروفٍ غامضة تغيرت أسعار بضائعهما نحو الارتفاع الهستيري.
والحقيقة أن الأمر طبيعي عند من تخلّا عن الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية، ولكنَّه أمرٌ بغاية الغرابة والقُبح عند من يحملُ في صدره أدنى مقوّمات الأخلاق، إذ كيف يُضاعف ذلك التاجر أو المنتج أرباحهُ لمجرّد أرتفاع قيمة الصرف الأجنبي، أين نحنُ ألسنا في مُجتمع إنساني وفي دولة مؤسسات؟
قرأتُ على مواقع التواصل الاجتماعي وقائع حادثة مؤثّرة تُفيدُ الواقع الذي نعيش فيه حيث يقول راوي الحادثة: كُنتُ أدرسُ في جامعة في أوروبية وأتردد ما بين الجامعة والسكن، وفي الطريق أمرُّ على بقالة تبيع فيها امرأة واشتري منها شراب الكاكاو بسعر (18) بينس وامضي وفي مرة من المرات…رأيتها قد وضعت رفاً آخر لنفس نوع الكاكاو وقد كُتب عليه السعر (20) بينس، فاستغربت وسألت البائعة: هل هناك فرق بين الصنفين؟
فأجابت: لا ، نفس النوع ونفس الجودة. فقلت إذا ما القصة؟! لماذا سعر شراب الكاكاو في الرف الأول (18) وفي الرف الآخر (20)؟ قالت : حدث مؤخراً في نيجيريا التي تصدر لنا الكاكاو مشاكل فارتفع سعر الكاكاو وهذا من الدفعة الجديدة نبيعها بسعرها الجديد والقديمة نبيعها بسعرها القديم.
هذه الواقعة تعودُ بنا إلى أخلاق الإنسان الحقيقي الأخلاق التي أمر بها ديننا والتي ارتضاها لنا ربّنا سبحانه، ومن المفروض أن يتخلّق بها تجّارنا ولكن الأمر خلاف ذلك عند كمّية لا يُستهان بها من التجار – طبعاً لا على العموم – لقد أصبح “الاحتكار والغلاء” منهجاً عاماً عند الكثير من التجّار للربح المُضاعف، والحقيقة أن هذا الربح وهذا الكسب يدخل في إطار الحرام .
أولئك المستغلّون إن نجوا من رقابة البشر وهيئات التفتيش فإنهم لن ينجو من عقوبة الله تعالى ودونك فاقرأ هذه القصة التي حدثت في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث تَرْوي أنه خرج من المسجد ذات يوم فرأى طعاماً منثوراً، فقال: ما هذا الطعام ؟ قالوا: جُلبٌ – مُستورد – من أرض كذا وكذا فقال: بارك الله في هذا الطعام ومن جلبه، فقال بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين احتكره فروخ وفلان مولى عمر، فدعاهما، فقال: ما حملكما على احتكار طعام المسلمين؟ فقالا: يا أمير المؤمنين نشتري بأموالنا ونبيع، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من احتكر على المسلمين طعاماً ضربه الله بالجُذام والإفلاس) – والجذام هو الداء الذي يصيب الجلد والأعصاب وقد تتساقط منه الأطراف- قال فروخ: أعاهدك يا أمير المؤمنين وأعاهد الله عز وجل ألا أشتري طعاماً أبداً ) وأما مولى عمر فقال: نشتري بأموالنا ونبيع ؛ ولم يرجع عن احتكاره فرُئيَ بعد ذلك بمدَّة مجذوماً ؟رواه البيهقي في الشعب.
إذاً فالأمر ليس كما يُرددُ البعض: (التجارة شطارة)، (من حكم بماله ما ظلم)، وغير ذلك من العبارات التي يقنُع المستغلّون بها أنفسهم، أبداً ليس الأمر كذلك، هناك مسائلة ممن لا يغيب عنه شيء.
وقد ورد في الحديث أنه مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل في السوق يبيع طعاماً بسعر هو أرخص من سعر السوق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتبيع في سوقنا بسعرٍ هو أرخصُ من سعرنا ؟ قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: أصبراً واحتساباً ؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر فإن الجالب إلى سوقنا، كالمجاهد في سبيل الله، والمحتكر في سوقنا، كالملحد في كتاب الله ) رواه البيهقي في الشعب.
اللهمَّ من رأف بحال الناس في هذه الأزمة فأكرمه بما أنت أهله؛ ومن استغلَّ حاجتهم وزاد ضيقهم فأصلِحه وتُب عليه وخذ بيده إلى صراطك المستقيم.
رقم العدد 15875