الوعي الصحي وقاية من الوباء

الجماهير.. / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

كثيرةٌ هي المقالات والأبحاث والدراسات التي تناولت ما حلّ في عالمنا جراء ما يُسمى فايرُس “كورونا”.
والحقيقة أن أي وباء في العالم لا يمكن أن ينتشر إلا في جوٍّ قد خلا من النظافة.
سواء كان ذلك الوباء مادي بمفهومه الصحي المعروف كالطاعون والكوليرا وهذا المقيت الأخير “كورونا” وغيرها أو معنوي بمفهومه الأخلاقي الروحي كالنفاق والكذب والخداع وغيره.
والنظافة المادية أو المعنوية لا تكون إلا في المجتمعات المؤمنة الملتزمة بتعاليم الخالق العظيم سبحانه.
لقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الالتزام بالنظافة بشكلٍ دائمٍ من ذلك قوله في صحيح السنن:
(الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَان) وقوله
(إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ، فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)، وكذلك قوله: (بركة الطعام الوضوء قبله، والوضوء بعده).
وأما إن أُُصيب أحدُ الناس بأي مرض فسنجدُ الهدي النبوي يرشدُهُ إلى السعي للعلاج آخذاً بالأسباب، فقد ورد في سنن الترمذي أن أعرابياً سأل: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ: (نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضع الأصحاءُ شِفَاءً، إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرِمُ)
يُعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخذ بالأسباب والتوكل على مسببها، يرشدنا إلى المُوازنة ما بين الإيمان والعقل.
ونرى ذلك واضحا في القصة التي رواها لنا الترمذي أنَّه ذات يوم جاء أعرابي يستشير النبي في أمر ناقته «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ قَالَ «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّل» أي ناقة الرجل.
وكأن لسان حاله صلى الله عليه وسلم يقول: التزم الإجراءات الاحترازية التي تضمن السلامة والاستقرار للمجتمع.
لقد حث البشرية جمعاء على عدم التخلي عن الفطرة السليمة التي فطر اللهُ الناسَ عليها.
إنَّ الوعي الصحي والتزام النظافة، والحجر الصحي، أو ممارسة العزل الاجتماعي عن الآخرين؛ أملًا في الحيلولة دون انتشار الأمراض المُعدية، تُعد أكثر التدابير فعالية لاحتواء تفشي أي وباء. ونجد ذلك ظاهرا في تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم منذ ما يزيد على الأربعة عشر قرناً، حيث أوصى بعزل المُصابين بالأمراض المُعدية عن الأصحاء، قال صلى الله عليه وسلم: (إذَا سمِعْتُمْ الطَّاعُونَ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإذَا وقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ فِيهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا) متفقٌ عليهِ.
ونقرأ في التاريخ كيف أن الصحابة والتابعين تعلموا معنى الحجر الصحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ذلك أنه لما انتشر طاعون عمواس في بلاد الشام زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قتل الطاعون أكثر من عشرين ألفًا من الناس؛ فأرسل عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص يأمره بتفريغ المدن وتفريق الناس بين الجبال، وعزلهم عن بعضهم، وما هي إلا أيام وزال المرض وانتهى الطاعون.
وعندما عم الوباء الأندلس أثناء حكم عبدالرحمن الناصر ، أمر الناس أن يلزموا بيوتهم، ثم فرّغ الجند والولاة لخدمتهم وتوفير حاجاتهم من مأكل وملبس ودواء.
إن الأمة التي تملك ذلك الوعي الصحي هي التي تدرك أبعاد الأزمات وتتعامل معها وفق مقتضى الصواب من كل جوانبها (علميا ودينيا وأخلاقيا)، فتجمع بين الرجوع إلى الله والتوبة له وبين الأخذ بكل أسباب الوقاية الدنيوية.
فيا ربنا إصرف عن عالمنا ووطننا كل أنواع البلاء والغلاء وشماتة الأعداء يا أكرم مسؤول.
رقم العدد ١٥٩٩٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار