تعزيز دور الاختصاصي النفسي للحد من آثار الأزمات .. عمراية : ضرورة التخطيط الجيد لإدارة الأزمات نفسياً .. فرصة للبحث عن الطاقات الذاتية والتطور الإيجابي

الجماهير – حسن العجيلي

تؤثر الأزمات بشكل كبير على المجتمعات طبقاً لحجم الأزمة وزمن حدوثها وطبيعة المجتمع الذي تحدث فيه وبالتالي حجم تأثر المجتمع والآثار السلبية التي يمكن أن تخلفها الأزمات في المجتمع سواء على الصعيد العام أو على صعيد الأفراد من اضطرابات نفسية لأسباب متعددة منها ما يتعلق بالوضع العام في المجتمع أو لأسباب ذاتية لدى كل شخص حيث تتفاوت شدة التأثر والمقاومة من شخص لآخر .
وهنا يبرز العامل النفسي في التخفيف من حدة التأثر واستثمار العوامل الإيجابية للتغلب على واقع الأزمات وآثارها الآنية أو المستقبلية وكذلك التخفيف من الفوضى النفسية التي تصيب الإنسان ، تقول المرشدة النفسية رشا عمراية : من العوامل التي تساهم بشكل أساسي لهذه الحالة من الفوضى النفسية هي الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية ، كالحرب الإرهابية التي تعرض لها وطننا وهي تمثل عاملاً أساسياً وتأتي في المرتبة الأولى ومن ثم تأتي الأخبار على وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والتي تشكل العامل الخفي في نضوب الأنا ومن ثم تأتي عوامل كالحالة التي نعيشها اليوم بسبب فايروس كورونا حيث تبرز العوامل الاقتصادية وترديها نتيجة الحصار الجائر وتوقف بعض المنشآت عن العمل وتراجع الكثير من المهن أو بالأحرى اختفائها وهذا يؤدي لزيادة الأعباء المادية على الفرد بشكل خاص وعلى الأسرة والمجتمع بشكل عام ، ومن ثم العوامل الاجتماعية وبعد ذلك تأتي العوامل النفسية وهي المحرك الذي يشعل ويتشارك مع أي عامل من العوامل المذكورة سابقاً فكما نعلم بأن أي انفعال أو توتر أو صدمة (كموت عزيز ، أو إصابة خطيرة ) تنعكس سلباً على الفرد سواء صحياً أو اجتماعيا أو نفسياً .
وتشير عمراية إلى أهمية إدارة الأزمات والذي يتكون من عدة محاور تبدأ بخطة مجابهـة الكوارث وهي ضرورة تفرضها معرفتنا بآثار الكوارث المدمرة على الصحة والمجتمع بكل مكوناته من اقتصاد واتصالات ومصالح اجتماعية والصحة النفسية لأفراده ، كما يمتد التخطيط لمجابهة الكوارث إلى ما قبل حدوث الكارثة حيث يمكن بالتخطيط الجيد تلافى بعض الأزمات والتقليل من آثارها , كما يمتد ليشمل مرحلة ما بعد الأزمة حتى يمكن إعادة الوضع الطبيعي لمؤسسات المجتمع ، ويتطلب التخطيط الإلمام بمواطن الخطورة المحتملة ومعرفة نوعية الإصابات التي يتوقع مجابهتها بالمستشفيات سواء كوارث خارجية أو داخلية.
وتضيف عمراية بأن علم النفس يعرف الأزمة على أنها مأزق ضاغط يؤثر على جوانب الحياة المختلفة، السلوكية والاجتماعية والوجدانية يؤدى إلى فقدان الشعور بالسعادة وبالتالي يشلّ الدور الاجتماعي والوظيفي في الحياة.
وفي حال تطورت الأزمة في حياتنا مُسببةً عدم اتزان يربك ترتيباتنا وحياتنا الروتينية، فإنه يتحول إلى ما نسميه الصدمة، التي هي أكثر شدة من الأزمات وتسبب ضغوطات نفسية شديدة. وما يميز الصدمة عن الأزمة هو تأثيرها على الأشخاص، فشدة الحدث والفروق الفردية لدى البشر تتفاوت في طريقة التعامل معها وطريقة اجتيازها. فإن تعسر على الإنسان التعامل معها فإنها قد تتحول إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب والوحدة والقلق ومشاعر الذنب واضطرابات أخرى ، كما أن هناك عدة مراحل يمر بها الأفراد تظهر في هذه أعراض ظاهرة سواء سلوكية أو معرفية أو انفعالية تمر بعدة مراحل وفي كل مرحلة يتجسد دور الاختصاصي النفسي إما ليدعم الصحة النفسية وينميها أو أن يساهم في الوقاية من وقوع هذه الآثار الخطرة أو أن يساهم بطريقة تكاملية مع فريق إدارة الأزمات في علاج هذه الآثار .
وتلخص عمراية المراحل بـ :
أولاً : مرحلة الصدمة : تتبع مرحلة الصدمة الحدث الذي أثار الأزمة مباشرة، وأثناء هذه المرحلة، يكون الشخص غير قادر على إدراك الحدث الذي سبب له الأزمة وغير قادر على إنكاره أيضًا، فبينما يصاب بعض الناس بالشلل التام وقت الصدمة، يتصرف الآخرون بطريقة ميكانيكية وبلا مبالاة، وقد يثور بعض الناس بقوة أو يصرخون أو يبكون بشدة وقت الصدمة، كما قد يتبدل شعور الناس أيضاً بين الشعور بالشلل والأرق، فردود أفعال الناس وقت الصدمة، مثل العجز الواضح عن الشعور، قد يصيب الأشخاص المقربين إليهم بالارتباك والاستياء منهم أيضاً ، قد تشتمل مرحلة الصدمة على : ( الإنكار – الانغلاق العاطفي – الشعور بالسريالية والغربة الصراخ والبكاء والهلع ) .
وقد تبدو ردود الفعل خلال مرحلة الصدمة مخيفة وغريبة، ومع ذلك، فإنها تلعب دوراً هاماً في حماية الحالة النفسية والحياة: فالصدمات الشديدة لا يمكن فهمها في فترة زمنية قصيرة، وبالتالي فإن مرحلة الصدمة تتيح الوقت لمواجهة ما حدث، وعادة ما يحتاج الناس في حالة الصدمة إلى الأمن الملموس والشعور بأن الناس من حولهم يسيطرون على الموقف، وينبغي مناقشة الحادث بطريقة هادئة كما على المرء أن يتذكر أن الناس لا يتذكرون ما يقال لهم في مرحلة الصدمة، لأن قدرتهم على استيعاب المعلومات قد ضعفت، لذا يجب على الآخرين أن يتحدثوا بهدوء وبأسلوب واضح وبسيط.
ثانياً : مرحلة رد الفعل : يعقب مرحلة الصدمة السابق ذكرها مرحلة أخرى وهي مرحلة رد الفعل، وسيواجه المتعرض للصدمة الحادث المأساوي ببطء محاولاً أن يدرك ما حدث وماذا يعني ذلك، وغالباً ما يواجه الناس أحاسيس غريبة وغير متوقعة في بداية مرحلة رد الفعل، إذ أن العقل البشري لم يزل في حالة إنكار، وتعتبر هذه الأحاسيس الغريبة جزءاً من العملية.
يحتاج الشخص المتعرض للصدمة في مرحلة رد الفعل إلى شخص يسمعه، كما يحتاج إلى التوجيهات الملموسة والدعم لمواجهة الحياة اليومية، ويبدأ الشخص في هذه المرحلة بمعالجة ما حدث ويوازن بين حماية نفسه من تلك التجربة التي لا يمكن تحملها وكيفية معالجتها، وغالباً ما تتكرر ذكريات الحادث الذي تسبب في الأزمة سواءً أثناء النوم أو اليقظة في هذه المرحلة، وقد يعود الحادث على نحو مفاجئ إلى ذهنه كصورة حية، وقد يتسبب في ذلك رائحة أو صوت بسيط على سبيل المثال أو قد يعود إلى ذهنه أثناء خوضه لمناقشة طبيعية، وقد يظهر الحادث في البداية على شكل كابوس ولكن بعد ذلك ستصبح الأحلام أكثر تنوعاً.
يتشابه شعور الناس كثيراً في مرحلة رد الفعل في معظم الأحيان وغالباً ما يتم التعبير عنها بنفس الطريقة، مثل “أعتقد أنني سوف أُصاب بالجنون” “لا أستطيع التحمل أكثر من ذلك” هل سأتمكن من تجاوز هذه الأزمة يوما ما؟ “إن الحياة مثل لعبة الأفعوانية” أو “هل سيستمر ذلك الأمل إلى الأبد”.
ثالثاً : مرحلة المعالجة : يبدأ الفرد المتعرض للأزمة في استيعاب ما حدث في مرحلة المعالجة ، إذ لم يعد ينكر ذلك الأمر بعد الآن، فهو يدرك أن الحادث بتغيراته وما تم فقده فيه هو أمر حقيقي بالفعل، وقد أصبح مستعداً لمواجهة الحادث من كافة جوانبه المختلفة، وكذلك مواجهة الوضع الشخصي الجديد.
ويصبح الشخص في مرحلة المعالجة على بينة من التغيرات التي تسببت بها الأزمة وغالباً ما يبدأ في تحليل هويته وقناعاته ومعتقداته الشخصية، ثم يبدأ في التفكير فيما بعد الحادث لكنه لم يزل غير قادرٍ على التخطيط للمستقبل، إلا أنه يستعد لمواجهة المستقبل، يصبح الأفراد الذين فقدوا أحد أحبتهم في مرحلة المعالجة على استعداد للقيام بالعمل الحقيقي الذي يتعلق بحزنهم .
رابعاً : مرحلة إعادة التوجيه : إن ما يحدث أثناء مرحلة إعادة التوجيه يصير ببطيء جزءاً من حياتنا اليومية والهوية، ويستطيع المرء التعايش مع ما حدث دون أن يعلق بذهنه بشكل دائم، وبين الفينة والأخرى ستظهر الآلام لكنها ستكون ممتزجة بالفرح أيضاً، وسيستطيع المرء النظر إلى المستقبل واستعادة ثقته بالحياة مرة أخرى.
كما أن الحدث قد يصبح جزءاً هاماً من قصة حياة الفرد، لكنه لن يظل متحكماً في مشاعره وأفكاره، ولن يكون مصدراً لإرهاق صحته العقلية، بل إنه قد يجعل الفرد أقوى من ذي قبل، ومع ذلك فإن مجرى الأزمات غير مستقيم، فعلى سبيل المثال: حين نتذكر الأمور المتعلقة بالحوادث يستدعي ذلك بداخلنا الأفكار الثقيلة والتوتر وغيرها من الأعراض.
وتختم عمراية بالقول : العديد ممن مروا بأزمات عادية أو خطيرة في حياتهم يقولون أنهم تغيروا ، كما يقولون أنهم قد وجدوا موارداً لم يعرفوا أبدا أنها قد كانت كامنة بداخلهم، فالحياة بعد الأزمات قد تبدو أكثر هشاشة وضعفاً، لكنها أيضاً تصبح ذات معناً أكبر من ذي قبل عندما يلقى الإنسان المساندة والمساعدة النفسية اللازمة في التوقيت الصحيح .
رقم العدد ١٦٠٠٢

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار