فنان الطرب الأصيل أحمد خياطة : الأغنية الحلبية مازالت صامدة تحتفظ بهويتها.. الجيل الجديد قادر أن يحمل إرث الموشحات والقدود الحلبية .. الفنان اليوم يفتقد الاهتمام والدعم!.
الجماهير- أسماء خيرو
تتلمذ على يد عظماء الفن والموسيقا فَبرع في غناء الموشحات والقدود الحلبية التي إن سمعتها تجعلك ترسم في خيالك لوحة فنية مكتملة الأبعاد، له حضور خاص به، مثّل حلب في العديد من الحفلات الفنية والمهرجانات العربية والعالمية، وحاز الكثير من الجوائز التكريمية .. يعمل بمقولة: (تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع / ولاتكُ كالدخان يعلو بنفسه في طبقات الفضاء وهو وضيع) إنه فنان الطرب الأصيل “أحمد خياطة ” الجماهير أجرت معه الحوار الآتي:
– بداية الفنان بشكل عام مهما منح من ألقاب وأطلقت عليه المسميات لابد له من أن يمتلك هوية خاصة به تمثل تاريخه الفني والشخصي الذي يحدث الناس به أينما ذهب .. أخبرني أين تكونت هويتك الخاصة بك؟.
تكونت هويتي الخاصة بي والتي تحمل تاريخي الفني والشخصي، في حارة من حارات حلب القديمة يطلق عليها اسم” الجلوم الكبرى” فأنا ابن عائلة فنية، أبي رحمه الله كان يتقن الغناء والعزف على آلة العود، كذلك أخي مروان وماهر فمنذ الصغر كنت وأخوتي نمسك العود وندندن به، لذلك يمكن أن أطلق على بيئتنا أنها كانت ثقافية وتراثية بامتياز، تعشق غناء الموشحات والطرب الأصيل، “وأزيدك من الشعر بيتاً” أنه كان في ذاك الزمن جيران أصدقاء لنا من آل الحناوي كانت أمي ترسلني إليهم كي أعطيهم” السكبة” وهي عادة من عادات أهل حلب فيما بينهم في ذاك الزمان ذي رائحة الغار الحلبي الجميلة، وباعتقادي أن هذه العادة مازال أهل حلب محافظين عليها، المهم وحتى لا أطيل عليك، كنت حين أصل إلى بيتهم أسمع نغمات رائعة الجمال تأسر القلب والعقل. هذه النغمات كانت تصدرها أنامل والدة الفنانة ميادة الحناوي عند عزفها على آله العود، فنما لدي عشق زائد لآلة العود والغناء، لذلك حرصت فيما بعد وبالطبع بتشجيع من والدي على حضور التكايا، ثم التحقت بمنظمة طلائع البعث، فتعلمت أصول الغناء حتى نلت مرتبة رائد على مستوى القطر، ثم انتسبت إلى معهد الثقافة الشعبية والتحقت بمعهد حلب للموسيقا وبنادي شباب العروبة والجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون التي كان مديرها في ذلك الوقت أحمد إيهاب الفرا ، الذي كان له أثر كبير في قلبي ” وآه ” كم أفتقد تلك الأيام !!
– قلت بأنك تربيت على غناء التراث الحلبي أي أصبح لديك خبرة لايستهان بها بماهية الموشحات، فما الفرق بين من غنى الموشحات في الأمس، ومن يغني هذه الموشحات اليوم؟! وهل الموشح الأندلسي يختلف عن الموشح الحلبي.. وماهو معيار النجاح في الأغنية بشكل عام والطربية بشكل خاص؟.
بالمجمل ليس هناك فرق بين من أتقن غناء الموشح فيما مضى وبين من يغنيه اليوم، الفرق فقط أن مطرب أيام زمان لم يكن يعرف النوتة الموسيقية، قلائل من كان يعرفها هو كان يتقن أين يقف، وأين هي القفلة، يغني الموشح بفطرته التي وهبها الله له، أما اليوم المغني فيتقن الموشح عن طريق دراسة النوتة الموسيقية أي أن الموشح مدروس فيه تركيب جمل موسيقية صعبة، تعلمه أين يقف، وأين القفلة.. هنا يجب أن يمد صوته، وهناك عليه أن يخفض الصوت وهكذا، والموشح الأندلسي لايختلف كثيرا عن الحلبي إنه يماثل الموشح الحلبي بالنغمة والوزن ولكنه يختلف بوزن ولحن الخانة التي يتفرد بها المطرب؛ ليعرض إبداعاته الفنية وقوة صوته، إذ من المعروف أن الحلبيين أدخلوا على الموشح الأندلسي الكثير من التحسينات، أضافوا له الشعر الحلبي والجمل الموسيقية الخاصة بهم .
والأغنية أياً كان نوعها كي تنجح يجب أن لايكثر فيها الصخب، عليها أن تكون معبرة في الشكل والمضمون، على الكلمة أن تكون راقية كي تخدم اللحن الجميل، فلا فائدة من لحن راق وكلمة لا معنى لها والعكس صحيح .
– اليوم إضافة لكونك تحيي الحفلات الفنية التراثية أنت تُدرّس أصول الغناء لأجيال يافعة في كورال حلب الوطني.. هل تعتقد أن هذا الجيل في خضم مانراه من انجرافه وراء الأغاني ذات الرتم السريع قادر على أن يحمل إرث الموشحات والقدود؟ وهل مازالت القدود الحلبية قادرة على أن تصمد أمام هذا الكم الهائل من الأغاني الحديثة؟.
تقريبا نحن الفنانين أمامنا مسؤولية كبيرة وخاصة في خضم مانراه من أغاني لاتمت للأغنية بأية صلة، لذلك نحاول بشتى الوسائل أن نربي جيلاً لديه مناعة قوية كي لاينجرف وراء مايسمع، ويحمي ويحمل القدود الحلبية والطرب الأصيل، وبالفعل بدأت مع نقيب الفنانين عبد الحليم حريري بإنتاج جمل موسيقية بألحان جديدة تجمع مابين التراث والحديث بحيث لايتلاشى التراث وفي نفس الوقت تلاقي استحسان وقبول هذا الجيل. نسعى قدر الإمكان إلى أن نقترب منه، أن نمد جسراً من الألحان الراقية بيننا وبين هذا الجيل، ومع ذلك لا أغالي أبداً إن قلت : بأن هذا الجيل بالرغم من انجراف بعضهم وراء الرتم السريع قادر على أن يحمل هذا التراث ،إن هناك يافعين شباباً وشابات انتسبوا للمعهد فقط لتعلم التراث والقدود الحلبية، لديهم شغف لهذا النوع من الغناء، ترين فيهم الأمل بأن التراث لن يندثر، والأغنية الحلبية مازالت بخير بوجود زملاء فنانين معطائين تمنح دون مقابل، مازال لها وجود قوي قادرة على الصمود بوجه هذا المد الدخيل والصاخب من الغناء. صدقيني القدود الحلبية هويتنا كانت ومازالت فعندما أسافر إلى أي مكان في العالم وأغني قدوداً حلبية، الناس كلها تصفق بحرارة، تنتابها حالة من الروحانية والعشق لهذا الفن لاتكتفي منه حتى في الحفلات مايطلب منا فقط غناء الموشحات والقدود الحلبية.
– أطلقت على مانراه من أغنيات ذات رتم سريع وصاخب دخيلة باعتقادك من ساهم في انتشارها؟
الحقيقة إنها الوساطة وشركات الإنتاج التي أصبحت تتبنى الشكل لا المضمون ، إذ أصبح كل من لدية دعم من “فلان أو علان ” قادر على أن يصبح فناناً أو مطرباً في ليلة وضحاها، وما يحصل حالياً في الساحة الثقافية يطرح الكثير من الأسئلة، لماذا نحن غير قادرين على إنتاج برنامج يضاهي برنامج /The voice / ؟ ما الذي يمنعنا؟ مالذي يعيق الفن ؟ لدينا طاقات إبداعية رائعة في حلب أصوات شابة قوية لماذا لايتم تبنيهم وتقديم الدعم لهم؟ لماذا لانقدر الخبرات الفنية وأساتذة الفن؟ لماذا لايقدم للفنان الدعم المادي كي يستمر، وكي لايبحث عن وظيفة أخرى غير الفن؟ وبالطبع ستبقى هذه الأسئلة دون إجابة . وأنا اليوم أوجه تحية كبيرة للمخرج المبدع كمال شنو الذي أنتج عدة برامج على نفقته الشخصية، فيها سلط الضوء على مواهب واعدة وعباقرة الفن الحلبي، ففي أحد برامجه كرم شادي جميل، كما استضافني أنا وعدداً من الزملاء الفنانين.. نحن اليوم بحاجة لمثل هذه الأعمال التي تعكس الاهتمام والتقدير، وتثبت بأننا مازلنا أولاد بلد واحد على قلب واحد نقدر الفنان والفن الأصيل .
– المعروف أن الفنان مهما قدم من أعمال فنية يظل في داخله إحساس بأنه قادر على أن يقدم المزيد. حدثني عمايشغل تفكيرك في المستقبل من أعمال ومشاريع ؟ وأي الأعمال التي شاركت بها كان لها أثر كبير لايمحى؟!.
حاليا” مايشغل تفكيري هو مشروع في طور التنفيذ، عبارة عن جمع موشحات لكبار فنانين الطرب في برنامج واحد تحت مسمى” مابين إبداعات الماضي وروائع الحاضر ” هذا البرنامج سأقدم فيه مايقارب ال١٦ ستة عشر موشحاً، ثمانية موشحات قديمة( لنديم الدرويش – عمر البطش- بكري الكردي – زهير النيني- ومجد العقيلي) وغيرهم، وثمانية أخرى للفنانين عمار حميدية- وصفوان العابد -وعبد المنعم أبو غالون- وعبد الباسط بكار، يهدف لتذكير الناس بأن حلب مازالت تهتم بالتراث والفن الأصيلين، فيها قامات فنية رائعة وكم هائل من الموشحات التي لم يسلط الضوء عليها بعد . بالإضافة لمشروع توثيق وكتابة القدود الحلبية في التراث العالمي الذي بدأنا به بالتعاون مع مديرية الثقافة ونقابة الفنانين والزملاء الفنانين ( أحمد خيري – صفوان العابد – عمار حميدية – محمود فارس) كي نحافظ على التراث حتى لايندثر .
أما عن العمل الذي شاركت به وترك أثراً لايمحى، الحقيقة ماتسعفني به الذاكرة الآن بعد الكم الهائل من الحفلات التي شاركت بها على المستوى المحلي والعربي والعالمي والتي لايمكن أن أحصيها وإن حاولت، هو حفل شاركت به مع فرقة سلاطين وشيوخ الطرب للغناء في دار الأوبرا في مصر، في ذلك الوقت حصلنا على جائزة أفضل فرقة عربية، فصعد إلى المسرح كل من الموسيقار الشريعي والشرنوبي والفنانة وردة الجزائرية والفنان مدحت صالح والفنان علي الحجار وغيرهم من الفنانين العظماء؛ ليقدموا لنا التهاني اعترافاً منهم بأننا مبدعون، هذه التحية تعتبر شهادة لاتقدر بثمن، أعتز بها وأفتخر، إذ تركت في نفسي أثراً لايمحى، وشعوراً عظيماً لايضاهيه أي شعور .
– وقبل أن أختم بكلمة منك.. كل فنان إضافة للغناء لابد له من أن يتقن العزف على آلة موسيقية معينة حتى وإن لم ترافقه في حفلاته وأمسياته الطربية، حدثني عن الآلة الموسيقية المحببة لقلبك دون كل الآلات ولمن تعزو الفضل اليوم بما حققته من نجاح ؟
بما أن القدود الحلبية والموشحات هما ملعبي الذي أتقنت فنه وعرفت مفاتيحه منذ الصغر ،لذلك آله العود هي أحب الآلات إلى قلبي تمثل رفيقة دربي ومن الأحرى لها أن ترافقني أينما ذهبت وتسمع أحاسيسي، فمن غير المعقول بمن شرب الطرب وعشق الموشحات أن لاتكون آلة العود صديقته الوفية.
وأعزو الفضل في المقام الأول لوالدي الذي دأب على تشجيعي للسير في طريق الفن فكان خير معلم وأب، وفي المقام الثاني لأساتذتي الشيخ نديم الدرويش -أحمد نهاد الفرا- وعبد القادر حجار – وإبراهيم هورو وغيرهم من الأساتذة العظماء الذين تتلمذ على أيديهم عباقرة الطرب (نهاد نجار – وصفوان العابد- وعمر سرميني – ومحمود فارس – وعبود بشير) وغيرهم.
– والآن لك الكلمة الختامية حدثني بما شئت.
أولا أقدم الشكر الجزيل لصحيفة الجماهير على هذا الاهتمام، واليوم تغمرني سعادة لاحدود لها حين أرى ثمار جهدي أينعت في كل شاب وشابة دربتهم على أصول الموسيقا والغناء، أشعر بالفخر والاعتزاز عندما أرى طالباً من طلابي يقدم لي الشكر والتقدير والعرفان بكل الوسائل المتاحة لديه، ومنهم كان الشاب نبيل سلمو الذي تقدم إلى برنامج /the voice/ و انتقل إلى الدور الثاني، ويؤسفني أنه لم يكتب له النجاح بسبب أن هذا البرنامج لاعدل فيه وتحكمه الوساطة.
ولكن ما أريد أن أقوله: أن ما يحز في نفسي أنه حتى وقتنا الحاضر لايوجد لتدريب طلاب وطالبات كورال حلب الوطني مقر ثابت، بالإضافة إلى أني أتمنى من كل قلبي أن تكون هناك شركات إنتاج ترعى مبدعي الفن والمواهب الشابة، لأن ذلك سيسهم في بناء جيل يحافظ على هويته الثقافية، وأن تعنى الجهات المعنية بالفنان أكثر حتى لايضطر الفنان المخضرم أن يترك الفن لأجل متطلبات العيش، ففنان الطرب الأصيل كالأغنية الطربية تراث ثقافي حري بنا أن نحافظ عليه ونعرف أجيال المستقبل بكل أعماله الفنية لا أن نتركه في مهب رياح عدم الاهتمام .
رقم العدد ١٦٠٨٤