عضوية مجلس الشعب الانتقاء للارتقاء

الجماهير – الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

يجوب المرء في شوارع حلب ويتأمّل في تلك الصور المنتشرة على جنبات الطرق لمرشحي مجلس الشعب، وكلٌّ يعِدُ بأمورٍ سيحققها وأماني سيجعل منها قيد التنفيذ إن منحَهُ الناخبون أصواتهم.
والحقيقة أن هذه الأصوات التي ستمنح للمرشح الثقة هي أمانة ينبغي على الإنسان أن يعي معناها قبل أن يحملها.
إنها أمانة لما تُرتّب على الشخص المُنتَخب من تَبعات ومسؤوليات أمام الله تعالى وأمام المجتمع، ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [سورة سبأ:72].
وأمام هذه الأمانة العظيمة التي تتجسّد في تمثيل شخص معيّن لمجموعة من الناس ليكون لسانهم الناطق بهمومهم وتطلعاتهم وإراداتهم وطموحاتهم؛ فإننا بحاجة إلى أن نتعرّف على الصفات المطلوبة في ذلك الشخص ليكون أهلاً لذلك المقام.
من خلال القرآن الكريم نجد هنالك قسمين من القادرين على حمل الأمانة أحدهما أراد حملها؛ والآخر أُريدَ لهُ حملها؛ فأما الأول الذي أراد حمل الأمانة لأنه وجد لديه الاستعداد فيتمثّل في نبي الله يوسف الصديق عليه السلام عندما قال للملك صاحب مصر: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [سورة يوسف: 55] فلا بأس بمن وجد في نفسه الأهلية والصفات المرضية للأمة بأن يتقدّم إلى سُدَّة المسؤولية ويتصدى لخدمة الشعب من خلال ما يمتلك من مميزات تساهم في تحقيق ما يصبون إليه من طلبات مشروعة.
وأما الثاني الذي أُريد له أن يحمل الأمانة وذلك لأن الناس في محيطه رأوا فيه القابلية فيتمثّل في قول ابنة نبي الله شعيب عليه السلام مُتحدِّثةً عن موسى عليه السلام: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} [القصص: 26] فلا بأس بمن رأى فيه مجتمعه أنه أهلاً ليحمل مسؤولية خدمة الشعب أن يُقبل عليها ويحملها ليصل بالذين وضعوا ثقتهم فيه إلى ما أرادوا.
إذاً: فصفات الحفظ والعلم والقوة والأمانة هي من أهم الصفات التي ينبغي أن يتحلا بها من يرشح نفسه لمجلس الشعب.
وإذا اعتبرنا عضوية الشعب سلطةً من نوعٍ ما، والسلطة هي تمكين الشخص من أداء ما يراه صحيحاً عبر القنوات التنفيذية الداعمة له والمحققة لطلباته؛ أقول إذا اعتبرنا تلك العضوية سلطة فينبغي أن تكون مستخدمةً في تخليص المجتمع من الفساد وترقيته إلى الصلاح والإصلاح، ونقرأ في البيان القرآني قوله تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج: 41] إن الله تعالى قد بيّن لنا أسس التمكين في الأرض هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذه العبادات تجسّد بمفهومها الكُلّي كُنه العلاقة مع الآخر من حيث الإحسان والفضل؛ فإن من يؤدي الصلاة يكون على صلة بخالقه ومن يؤدي الزكاة يكون على صلة بمجتمعه؛ وإن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يكون في قُمرة القيادة لمجتمعه يسعى لارتقائه وسموّه.
أما إن استخدم المرشح برنامجه الانتخابي كدعاية جاذبة للأصوات فحسب؛ ثم بعد ذلك ينسى وعوده للناس، ويضرب ببرنامجه عرض الحائط فور جلوسه تحت قبة مجلس الشعب؛ ومن ثمَّ يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية ومنافعه المادية فإنه حينئذٍ ينطبق عليه وصف المنافق الذي وضع لنا علاماته رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) رواه البخاري.
وأما بالنسبة للناخبين فيتوجب عليهم أن يتحروا في اختياراتهم الأصلح لمجتمعهم لأن صوتهم أمانة لا يليق بهم أن يفرطوا بها لمن لا يستحقها؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبدٍ .عن الصراط يوم القيامة. حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه) رواه الترمذي. فإن صوت الإنسان هو قراره في اختيار ممثله في مجلس الشعب وبالتالي فهو من مواقف حياته التي سوف يُسأل عنها يوم القيامة.
ليكن انتقاءنا حكيماً لنحقق ارتقاءً عظيماً، نحتاج لمن يُجسّدُ الخير على خشبة مسرح حياتنا، لنختر الأصلح والأنفع والأقدر على المساهمة في إعادة بناء هذا الوطن العظيم سورية.
رحم الله الشاعر المصري أحمد محرم (1877-1945م) حيث قال في مثل هذا المقام:

صوتٌ من الأُفقِ العَليِّ يُنادِي
ما الحرُّ إلا مَن يقولُ “بلادي”
وإذا جعلتَ أنا شِعارَكَ لم تَسُدْ
بين الرجالِ ولم تَفُزْ بُمِرادِ
يا معشرَ النُّوابِ بُورك سَعْيُكم
من رائحٍ يقضي الذِّمامَ وغادِ
رقم العدد ١٦٠٩٩

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار