الشاعر كركوتلي الذي فاز بالمرتبة الثالثة في مسابقة “شعراء ضد التطبيع “عن قصيدته “يابني صهيون ” في حوار خاص مع الجماهير
الجماهير – أسماء خيرو
شابٌّ من عالم البسطاء والكادحين شقّ طريقه بقصائد تُعبّر عن الهمّ القوميّ والإنسانيّ، حاصل على إجازة في الأدب العربيّ من جامعة حلب، هو ابنٌ لعائلةٍ محافظةٍ من حلب، يتميّز بأنّه استطاع أن يقف على أقدامه بالاعتماد على الذات، تقرأ في روحه إصراراً على المتابعة، وكفاحاً قلّما نجده في شباب هذا العصر، يتطلّع دائما نحو المستقبل حالماً بالغد الأفضل، باحثاً عن حياة غير شقيّةٍ، يكتب الشعر بأسلوب فنّيّ، ورؤيته فيها الكثير من الشفافيّة، استطاع أن يكسرَ القيد العائليّ، ويُعبّر عن القلق الاجتماعيّ، نُشِرَتْ له في الصحف، والمجلّات العربيّة، ومواقع التواصل الاجتماعيّ العديد من القصائد التي تعكس روحه المتمرّدة، له ديوانٌ مطبوعٌ بعنوان (جراحةٌ في الحبّ)، وثلاثةُ دواوين قيد الطباعة، إنّه الشاعر أحمد كركوتلي الذي فاز بالمركز الثالث في مسابقة شعراء ضدّ التطبيع عن قصيدته (يا بني صهيون)، فكان للجماهير حوار معه:
– وكانت البداية بقراءة الصفحة الأولى التي كتبت مسيرته الشعريّة إذ يقول فيها: لا أذكر متى بدأْتُ أكتب الشعر، ولكن ما أذكره أنّ دفاتري كانت الجدران، وجذوع الأشجار، وثمار الرمّان، ثمّ تطوّرت تجربتي الشعريّة بشكل لافت بعد حصولي على شهادة الثانويّة، وحينها بدأت أتحدّث في قصائدي عن هموم وطنيّة وإنسانيّة، والكثير من القضايا المهمّة.
– الشاعر له كينونته التي تعكس روحه، فما هي كينونتك؟؛ أي من أنت من بين الشعراء؟
أنا شاعر متمرّدٌ وحرٌّ وثائرٌ إلى أبعد الحدود، متمرّدٌ على العادات والتقاليد، لا تقيّدني القوانين التي ورثها المجتمع عن الأجداد فأصبحت عرفاً عندهم، يحكمون بها دون إعمال العقل، ثائرٌ على الظلم، المرأة قضيّتي التي أدافع عنها بشراسة، أؤمن بأنّ التمرّد هو أوّل خطوةٍ للإبداع، فالإنسان أيّاً كان إن أراد أن يرسم لوحةً، أو يبدع منحوتةً، أو يكتب روايةً، أو قصيدةً، يجب أن يتحرّر من كلّ شيءٍ، وهذا من أهمّ شروط الحداثة.
– قلت: إنّك شاعرٌ متمرّدٌ، وثائر لأبعد حدّ، ما الذي جعلك تتمرّد؟ وأيٌّ من القضايا جعلتك تثور؟!.
الذي جعلني أتمرّد البيئةُ المحافظة التي نشأت فيها، فهي كانت ولازالت تقيّد المرأة، فقد خلقتْ لديّ ردّة فعلٍ عكسيّةٍ، وهجوميّةٍ جدّاً كوّنت لديّ دافعا” قويّا” نحو الذين لا ينصفون المرأة، لذلك المرأة بالنسبة لي قضيّةٌ يجب الدفاع عنها.
– لكلٍّ منّا كبشرٍ حضورٌ سواء في حياتنا العمليّة أو الخاصّة، كشاعر في أيٍّ من قصائدك يتجلّى حضورك ولماذا؟
أنا حاضرٌ في كلّ أنواع القصيدة سواء الوجدانيّة أو الوطنيّة أو الإنسانيّة، ولكن حضوري القويّ يبرز في شعري الذي يتحدّث عن المرأة؛ لأنّ هموم المرأة تمسّني من الداخل فهي أمّي وأختي وحبيبتي، وهي التي تصنع الرجل والمرأة المستقبليّين، وأنا لا أحترم كلّ رجلٍ ينتقص من المرأة ودورها في الحياة، وينظر إليها من ناحية الجسد والشهوة فقط.
– المعروف أنّ الشعر ينبع من حالةٍ شعوريّةٍ معيّنة سواء كانت حدثاً أو تجربةً ذاتيّةً أو واقعةً، حدّثني عن الحالة الشعوريّة التي وُلدتْ فيها قصيدة “يا بني صهيون”.
تأكيداً على كلامك، نعم، الشعر ينبع من حالة شعوريّة تكون إمّا آنيّة أو متراكمة، تستولي هذه الحالة على كيان الشاعر، عندها لا يستطيع أن ينام ولا أن يصحو بهناء، فقط ينتظر وقت الولادة، وعندما يبدعها يفرح بها كفرح الأمّ عندما ترى وليدها لأوّل مرّةٍ بعد مخاض مؤلم.
وقصيدتي (يا بني صهيون) ولدت عندما انتابتني حالة شعوريّة من الغضب عند اعتراف الولايات المتحدّة الأمريكية بالقدس عاصمة للكيان الصهيونيّ ولاأخفيك القول كانت ولادة متعسّرة جداً بسبب الغضب العارم الذي كان بداخلي تجاه واقعٍ لايستطيع أن يفعل شيئاً إزاء هذا الاعتراف.
وهي قصيدة فيها لهجة قويّة من التحدّي والتهديد لبني صهيون.
– كلٌّ منّا لديه شيء يهرب منه لايريد أن يطّلعَ أحدٌ عليه، ولايريد أن يعترف به، في قصائدك ممَّ تهرب؟ وما هو الشيء الذي لاتريد أن تقرّ وتعترفَ به؟
قصائدي لاتهرب أبداً من شيءٍ، هي نابعة من داخلي، من تجاربي الشخصيّة التي عشتها، وهي لسان حالي وحال المجتمعات المنغلقة على نفسها ، وستبقى كذلك مادام المجتمع العربيّ يتلحّف بهذا الكمّ الهائل من الجهل والتخلّف، فأنا عندما أكتب أتجرّد من كلّ شيءٍ من العادات والتقاليد وجميع أنواع القيود الأخرى التي من شأنها أن تعرقل العمليّة الإبداعيّة، وليس هناك شيء ما كي أخفيه، أو لا أعترف به، ولكن لديّ أسلوبي الخاصّ الذي به أحاول التمويه حتّى أستطيع أن أعرض الفكرة وأعترف بها بشكل غير مباشر، فالشعر بشكل عامّ اعترافٌ ضمنيٌّ غير مباشر.
– جميع من عاصر الأزمة السوريّة تأثّر بها، والأدباء والشعراء بشكلٍ عامّ التأثّر يبدو واضحاً في كتاباتهم، هل كتبت عن الأزمة السوريّة؟ وهل القصائد تستطيع أن تقدّم العزاء للشعب السوريّ؟ وماهي القصيدة التي مازالت تهزّك من الداخل؟!
نعم، لقد كتبت الكثير من القصائد التي تجسّد الأزمة السوريّة، ولكن لن أقرأها الآن؛ لأنّي بصدد الاشتراك في مهرجان للشعر، وعلى ما أظنّ أنّ قصائدي نوعاً ما قادرة على أن تقدّم العزاء للشعب السوريّ، وتخفّف بعضاً من المعاناة التي جاء بها ما يسمّونه الربيع العربي، وأنا أختلف معهم في هذه التسمية إذ يجب أن تكون التصحّر العربيّ لا الربيع، لأنّه أعاد سوريّة خاصّة، والكثير من البلدان العربيّة عامّةً إلى ما وراء الوراء، وما يجري في سورية والمنطقة العربيّة يقع ضمن الفوضى الخلّاقة وما سيعقبها من مشروع الشرق الأوسط الجديد؛ لضمان تفوّق الكيان الصهيونيّ، أقولها متألماً: للأسف لقد نجح الأعداء في جعل البلاد العربيّة مسرحاً للصراعات وتصفية للحسابات فيما بينهم، وجعل الشعوب العربيّة قبائل متناحرة يقتل بعضها بعضاً، وماجرى في سورية الهدف منه النيل من سيادة سورية، ومن مواقفها الوطنيّة الثابتة التي ترفض التطبيع مع الصهاينة، والقصيدة التي مازالت تهزني من الداخل وتجعلني أبكي وأتألّم هي قصيدة ” على أطلال العرب” إذ وقفت فيها على أطلال العرب كما وقف الشاعر الجاهليّ على أطلال محبوبته يبكيها ويندبها، وهذا بعض من أبياتها / يادار يعرب جارتِ الأيّامُ / أنّى استدرْتُ فحفرةٌ وركامُ / رحل الضياءُ، وأقفرتْ آثاره / كيف التلاقي والنفوس ظَلامُ / إنّ العروبةَ أصبحت منفيّةً / والأرض قفرٌ والحماة نيامُ / دعني دماً أبكي على أطلالها / ولكم بكى من قبليَ الإسلامُ! /.
– والآن حدّثني عن طموحك كونك شابّاً في مقتبل العمر على المستوى الشعريّ وفي الحياة؟
طموحي على المستوى الشعري كون الشعر بمثابة الهواء الذي أتنفسه هو إيصال كلّ القضايا التي أحملها للعالم أجمع، وإيصال أصوات كلّ المظلومين في مجتمعاتنا الشرقيّة، وخاصّة المرأة التي أحاول أن أضيء لها بشعري شعلةً يراها العالم بأجمعه.
أما بالنسبة لطموحي في الحياة فلديّ طموحات كثيرة لاتنتهي، فأنا الآن في مرحلة الماجستير في الأدب العربي، وعندما أنتهي منها سأبدأ التقديم للدكتوراه، وإن شاء الله كوني أعمل حاليّاً في مجال الصحافة، وأكتب المقالات النقديّة والفنّيّة وكون هذا العمل أضاف لي الكثير من الخبرة والمتعة وفتح لي آفاقاً بعيدة سوف أتخصّص مستقبلاً في النقد، وتمرّدي على الحياة والعادات والتقاليد لن ينتهي إلى أن يحدث التغيير الذي آمله.
– والآن دعنا نختم هذا الحوار بكلمة أخيرة منك!.
أوّلاً أشكر جريدة الجماهير التي أتاحت لي الفرصة للحديث عن تجربتي الشعريّة وعن قصيدتي”يا بني صهيون” التي فزْتُ بها في المركز الثالث في مسابقة شعراء ضدّ التطبيع التي نظّمتها وزارة الثقافة الفلسطينيّة في غزة، ولكن لديّ عتب لطيف على وسائل الإعلام الوطنيّة، فيجب عليها أن تهتمّ أكثر بالمبدعين، فنحن _السوريّين_ لدينا طاقات إبداعيّة لايستهان بها سواء في خارج سورية أو داخلها، فكلّ يوم نسمع عن مبدعٍ سوريٍّ سطع هنا، وآخر سطع هناك، ونرى الاحتفاءات بهم في الخارج ولانرى أيّ احتفاء بهم داخل حدود الوطن، فلماذا إعلامنا الوطنيّ لايسلّط الضوء على مبدعي وطننا أسوة بكلّ وسائل الإعلام في العالم التي تسلّط أضواءها على مبدعي أوطانها في كلّ بقعة من هذا العالم؟!.
ت : هايك
رقم العدد 16106