حجازي ” للجماهير ” : البعد الثنائي يسيطر على شعري … والشعر بعد الأزمة السورية احتفظ بوظيفتيه الجمالية والإنسانية وأصبح ملجأ الإنسان ومرآته .. النقد خطوة أولى لتطور النتاج الفكري والأدبي

الجماهير – أسماء خيرو

يحيل الأبجدية إلى قصائد شعرية تهيمن على الروح وتهز شغاف النفس البشرية ، وبأبعاده الثنائية يتسلل إلى متاهات اللاشعور فيترك بصمات غائرة في أعماق الأفئدة ، أبجدية هو صيادها وقناصها إنه الشاعر محمد حجازي، قالوا عنه :شعره يتماهى مع الأنثى قفز زمناً لا مرئيا إلى الأمام بأدوات جمالية عميقة سحرية.
ولنلامس أعماق قناص الأبجدية ونتعرف على حياته ونقفز معه إلى زمنه اللامرئي ونقترب من واقع الشعر بعد الأزمة السورية…
الجماهير حاورته عن مشواره الاجتماعي والثقافي والشعري فأجاب بصدر رحب : – كلنا نعيش في بيئة اجتماعية تؤثر فينا ونتأثر بها ماهو الجو الاجتماعي والثقافي الذي نشأت فيه كشاعر ؟
نشأت في بيئة اجتماعية بسيطة في حلب القديمة في بيت متواضع العلم نبراسه.. بدأت بذور الشعر تنمو لدي في سن مبكرة بمحاولات بسيطة كتبتها في دفتر صغير ، تحت تأثير شعراء عظماء هم بدر شاكر السياب ،ومحمود درويش، جبران خليل جبران وكنت أحلم أن أكتب الشعر مثل الشاعر نزار قباني فأنا أعشق مدرسته الشعرية المستمرة التجديد.
الجو الثقافي صنعته بنفسي من خلال القراءة لساعات وساعات للشعراء الذين ذكرتهم آنفا ، بالإضافة لقراءة كتب الأديب محمد الماغوط وروايات نجيب محفوظ وعدد من الروايات لكتاب غربيين … تستهويني مقولة ذات بعد فلسفي دائما” أرددها ” هذا الشيء سوف ينتهي “.
– قلت إنك صنعت عالمك الثقافي بنفسك حدثني ماهو الأسلوب الذي تكتب به الشعر ولماذا لقبت بقناص الأبجدية ؟
أنا أكتب الشعر الرمزي المفهوم باقتباس المفردات وتوظيفها بشكل جمالي لتعطي حالة إدهاش للقارئ باعتمادي على الذاكرة الجمعية والمخاتلة بالألفاظ وإدخال مفردات لا تلتقي مع بعضها البعض.. وذلك من خلال أسلوبين الأول هو التناص الذي يمكنني من الاستفادة من أقوال مأثورة أو قول شاعر، إذ أستفيد من كلمة أو جملة لفظية وأوظفها بسياق بهي جميل جديد.
والثاني أسلوب قضايا الانزياح اللغوي وذلك يتم بدمج مفردة مع مفردة تعطي حالة إدهاش، جمع مفردتين صعب الجمع بينهما ،مثل / لنفترض مثلاً / قلت / لنفترض عسلا /في هذه الجملة أوجدت حالة إدهاش ، أما في جملة // أتسلق سطح عطرك/ أوجدت حالة شعرية سمحت بتوظيف رؤية جديدة برمزية محببة غير غامضة . ولقبت بقناص الأبجدية ، لأني أقتنص من الأبجدية الحروف وأوظفها كي توجد حالات رمزية دلالية مدهشة …
– لكل شيء في الحياة أبعاد تتنوع بين أحادية وثنائية وثلاثية برأيك ماهو البعد المسيطر على شعرك النثري ؟
الحقيقة شعري يسيطر عليه البعد الثنائي ، يتوغل في ثنائية الوطن والأنثى (فالأنثى هي الوطن والوطن هو الأنثى ) وسأقرأ لك بعضا من شعري الثنائي الأبعاد لك وللقارئ حتى أوضح هذه الثنائية / أشتاق إلى امرأة تجيئ من أقصى اللون/تعتصر الأبجدية حتى آخر كلمة /وتقطرها في عيني حرفاً حرفاً / وتمنحني قصيدة بلا ثياب / كخط أسمر يمتطي ورقة بيضاء /
– دائما نطمح من خلال أعمالنا سواء كانت علمية أو أدبية لتغيير شيء ما في الحياة هل تعتقد أن الشعر اليوم قادر على أن يغير العالم كما كان سابقاً ؟
من المؤكد أن أي عمل نقوم به نطمح من خلاله نحو التغيير وبالفعل إن اجتهدنا تكون نتيجته كذلك ، ولكن بالنسبة للشعر أنا أعتقد في وقتنا الحاضر، وهذا رأيي الخاص ، أن الشعر وللأسف في مرحلة تراجع غير قادر على تحريك مشاعر واتجاهات البشر كما كان سابقا” ، في الفترة التي صاحبت الثورات في مرحلة الاستبداد والاحتلال الفرنسي والتركي ، التي كانت فيها القصائد الوطنية والقومية تمتلك الدور الفاعل والمؤثر وقادرة على التوجيه. ما أعتقده اليوم أن الشعر يحتفظ فقط بوظيفتيه الجمالية والإنسانية ويتألق بهما ويبتعد كل البعد عن وظيفته التأثيرية التوجيهية التي تغير الاتجاهات ، فالشارع لم يعد يحركه الشعر كما كان فيما مضى .

– من المؤكد أنك عاصرت الأزمة السورية بكل تداعياتها فهل مازال الشعر محافظاً على مكانته وأصالته الأدبية وهل مازال يحظى بالاهتمام بعد الأزمة السورية ؟
للأسف الشعر خلال الأزمة السورية فقد أصالته الأدبية أصبح مستباحاً (لكل من هب ودب ) وذلك بسبب الإفراط في استخدام الكلمة للتعبير الشعري والقصصي وخاصة على منصات مواقع التواصل الاجتماعي . “فالجميع أصبح شاعرا” وكاتبا ” والذي يمتلك موهبة أو لا يمتلك أصبح يعتلي منصة الفيس بوك ويدلي بقريحته اللغوية مسمياً نفسه شاعراً ، وأديبا .
وفي المقابل اكتسب الشعر في زمن الحرب ميزتين ألا وهما الجمهور الواسع، إذ أصبح هناك من يتابع الحركة الأدبية بمختلف أنواعها ، والأهمية لأنه لامس آلام الناس ومعاناتهم أكثر من قبل الأزمة فلقد أصبح الناس يلجؤون لسماع الشعر ومتابعة الندوات الفكرية والأدبية والعروض المسرحية لأنها تعكس وتجسد الواقع بكل تناقضاته فقبل الحرب كانت متابعة الشعر تشكل حالة ترف فعلي ولكن بعدها أصبح ملجأ الإنسان ومرآته.
– بما أن الحرب أعطت الشعر الأهمية وأكسبته ميزات كما قلت فهل أثرت الحرب على إنتاجك الفكري ؟
نعم لقد أثرت الحرب على إنتاجي الفكري لأنها جعلتني أخوض العديد من التجارب سواء كانت مؤلمة أو مفرحة ، وكما تعلمين كلما زادت تجارب الإنسان زاد إنتاجه الفكري وذخيرته اللغوية، والتأثير كان إيجابيا بفضلها وخاصة على إنتاجي الأدبي لقد أصبح غزيراً فبعد ديوان” خن فيخون” ازداد لدي الطموح ،اليوم أطمح لكتابة الرواية النموذجية التي تثري الأدب ، بالرغم من أن لدي تجارب كثيرة كتبت فيها القصة القصيرة ولكن كتابة الرواية هي هاجسي الأكبر والأسمى ، وما آمله في وقتنا الحاضر الوصول إلى حالة الإلهام التي تقودني إلى كتابة قصيدة عن فلسفتي الكاملة في الحياة، أظهر من خلالها قدرتي اللغوية وحالتي الإبداعية الداخلية وحينها أكون قد كتبت قصيدتي الشعرية الأم.
– مامن أحد إلا ويتعرض للانتقاد ولأنك شاعر من المؤكد أنك دائما في مرمى النقد، مامدى تأثير النقد سواء كان سلبيا أو إيجابيا على مسيرتك الشعرية؟
التأثير بالنسبة لي شيء لايذكر فأنا أتلقى النقد برحابة صدر لأني أؤمن أن النقد حالة صحية وبما أنه يوصف بهذه الحالة ، علي كشاعر أن أتقبل النقد السلبي كتقبلي للإيجابي الذي يحمل جمل الثناء والمديح ، لأنه يمثل خطوة أولى لتطور عملي الفكري والأدبي .فحينما يشير النقاد إلى نقاط الضعف أو القوة في أي عمل أو نتاج أدبي الفكري ، فذلك كالذي يمهد الطريق للكاتب أو الشاعر نحو الكمال والإبداع، فكل تطور في كتاباتي أعزوه للنقد والذي يرى عكس ذلك فهو مخطئ.
– والآن حدثني عن عملك مديرا لدار الكتب الوطنية ماذا تعني لك دار الكتب الوطنية وهل دورها الثقافي مازال فاعلاً بعد الأزمة السورية ؟
لا أخفيك قولا : دار الكتب الوطنية تمثل بيتي الثاني الذي أرتاح فيه فأنا مدمن على هذا المكان أحب أن أقضي الساعات في رحابه كي أقوم بقراءة الكتب الأدبية بمختلف أنواعها. إن دور الدار الثقافي بسيط وخجول في وقتنا الراهن بسبب أعمال الصيانة المتتابعة ولكنه يسير بخطا جيدة نحو الأفضل فالثقافة تحتاج لدعم كبير ولتضافر وتشابك كل أفراد الساحة الثقافية من أدباء وإداريين وقادة سياسيين ليكون دورها فاعلاً لذلك على الجميع توحيد الجهود وتطوير الأساليب الثقافية ودعم النشاطات والفعاليات الثقافية.
– لكل منا مشاريع مستقبلية نخطط لها وإن لم تتحقق، كختام لهذا الحوار ماهي مشاريعك في المستقبل على الصعيد الشخصي والعملي؟ .
نعم صدقت لكل منا مشاريعه الخاصة وسأخبرك عنها وأتمنى أن أحققها في المستقبل القريب وهي على الصعيد العملي والإداري سأعمل على إنشاء مكتبة إلكترونية داخل المكتبة الوطنية تكون رديفا للمكتبة الورقية ومكملاً لها كما سأعمل على دعم مشاريع العمل الأدبي المختلفة ..
أما على الصعيد الشخصي فأنا أحاول إنجاز ديواني الشعري الثالث وقد أتجه لكتابة الرواية في وقت لاحق بعد أن أشعر باكتمال الرؤية الفنية لدي.
رقم العدد ١٦١٦٩

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار