الجماهير – نادر حكمت عقاد
أثار فضولي كلمات خطها ميخائيل نعيمة في مقدمة كتاب أخرجته من مكتبتي وهو من مقتنياتي عام 1972 يتحدث عن المرأة : (( المرأة في القرن العشرين ، تكاد تكون مخلوقا” جديدا” لو أبصرته القرون السالفة لأنكرته ، ولكنه مخلوق غير وجه البشرية واتجاهها ، وتبين لها أنها لا تستطيع التحليق بجناح واحد هو الرجل ، بل بجناحين متساويين هما الرجل والمرأة )).
وتتبعت ما جاء في الكتاب ومن خلال عودتي لبعض المراجع لتقصي الحقيقة ..
لاشك أن مؤسسة الأسرة التي قامت على الزواج هي وليدة قرون وقرون من التاريخ خضعت لتبدلات وتغيرات واسعة ، إلى أن جاءت الشرائع السماوية والقوانين لتنظم المؤسسة وفي عجالة أرسم الصورة من الماضي ، أليس المستقبل وليد الماضي المتفاعل مع الحاضر . ويبقى السؤال ؟؟ هل المرأة هي التي قال عنها نابليون : (( منحت المرأة للرجل كي تلد له أولاد ، فهي ملكنا ولسنا ملكها )).
أم التي قال عنها شوبنهاور : (( لا تصلح المرأة إلا لحفظ النسل وتدوير عقارب الساعة وغسل الصحون )).
في تاريخ الإنسانية أساطير وخرافات حول المرأة وما أكثر المجلدات التي في صفحاتها صور غريبة عجيبة تمثل كيد وخداع المرأة .. منها اسطورة هندية (( خلق الله مخلوقا” قويا” دعاه الرجل وسأله هل أنت راض ؟
فأجاب الرجل : أريد مرآة أنظر إليها فيها إلى مجدي ، وعلبة أضع فيها حلاي ووسادة اتكئ عليها أثناء تعبي وقناعا” أختبئ وراءه أخفي تعاستي وألعوبة تفرحني وتمثالا أملأ عيني بجماله وفكرة تستفزني ومنارة أهتدي بها فما كان من الله إلا أن خلق المرأة … ويبقى السؤال ؟؟ هل صحيح أن المرأة فيها كل هذه الصفات ؟
وأيضا لم تناقضت فيها الأقوال ؟؟
عبر التاريخ الإنساني المرأة كالأرض هي القوة السرية التي تعطي وتحمي هي الخصب والحمل والجمال هي الوعد بالحصاد والحسناء النائمة .. من هذه القوة كلها كانت الأم التي نسجت حولها الأساطير ما قبل التاريخ ، هي الخلق والسلطة الأبدية للحياة هي التي لجأ إليها الإنسان في خوفه من الطبيعة في تلك الجماعات البشرية التي تعطي الصدارة للأنثى وبالرغم من وجود الفوارق بين قارة وأخرى فقد كان للمرأة التفوق على الرجل إلى أن جاء عصر الأسلحة وانتزع عرش المرأة لتصبح ملكا” للرجل ومعطاء لأسرته ..
أدركت الصين القديمة القوى الغامضة في السماء والأرض وبحثت عن السلام والخضوع للقوة التي تنظم الكون وأقامت توازنا” عجيبا” بين نظام الكون ورغبات البشر وأسمته الحكمة .. والرقص الصيني حفظ قدسية المرأة فنصب ضفائرها محرابا” مقدسا” … أما الجماعات الأفريقية فاعتبرت أن البطن يُشرف وأن الأمومة تاج القوة ، ونُسبت القبائل إلى المرأة وساد نظام الأمومة ..
ونظام الأمومة بقيت آثاره حتى القرن التاسع عشر في قبائل بامبا ، وجزر المالديف وفي سومطرا وزامير وبعض قبائل غينيا والسنغال كل ذلك دليل على ديكتاتورية المرأة وهي غير رحيمة أحيانا” حين تطرد الرجل هزيل الصيد ويبقى السؤال.. هل كانت فارسات الشرق في العصور الحضارية امتدادا” لهذا النظام بالرغم من وجود النظام الأبوي ؟!
لقد برزت ملكة سبأ وسميراميس بقلاعهم ومدنهم ومحاولة التخلص منها ما هو إلا تعبير عن انتقام المضطهد . وهذه سالومي تشترط رأس أحدهم على طبق لتقدم رقصة جمالية، وكليوباترا التي غزت عرش روما بأنفها وجسدها الشيطاني ..
قام نظام الأسرة الآري على قوة الذكر وطوق المرأة وسماها الفريسة أما في الهند وبلاد فارس وبيزنطة كانت القوى المحركة المجهولة آلهة مذكرة …
وبرع رجال الصين بالنظام الأبوي وكان أصلب من النظام الآري وما فرضه غيرهم بالقوة فرضه الصينيون بالعقل والعاطفة واحترام المرأة قريبة القمر ..
وفي بابل ظهرت المرأة المستبدة والحرة في بعض أنماط عيشها ، ونساء البربر عاشت حرات .. وراح تاريخ المرأة يسجل تغيرات وتبدلات وفق حياة المجتمعات .
في مصر القديمة نصح نبحوتب الحكيم :
(( لا تتركها تتولى توجيه الأسرة ، حافظ على طاعتها لك لتصبح لينة كالماء)). وفي بابل أجاز حمورابي للمرأة أن تتزوج رجلا آخر غير زوجها إذا لم تجد في البيت ما تقتاته ، وعاقب الخائنة بالموت غرقا ..
وزوجة المحارب البربري اكتسبت سيادة مثله وكانت حليفة المحارب في غزواته .. ونصح هيزيود اليوناني قبل المسيح ب 700 سنة : (( املك بيتا وبقرا على أن تشتري المرأة لتكون جديرة بالإشراف على بقرك )).
الحضارة اليونانية قامت بعبيرها دون نساء ، والمرأة اليونانية لم تكن ترى ذاتها إلا في خدرها، فهي الإسبارطية التي تقول عن نفسها : إننا النساء الوحيدات اللواتي يلدن رجالا حقيقيين .. مما جعل الحضارة اليونانية تقوم على أحضان الأمهات …
وأخيرا يبدو لي أنه في داخل كل امرأة صوت يذكرها دائما بأنها مصير النوع البشري وهي ولادة للبشرية.. ويبقى السؤال: هل عالمنا الذي نعيش فيه قابل للدمار الأخلاقي والفكري مع سيادة الأنوثة المطلقة والعودة إلى عصر الأمومة البدائي … أم كما قال ميخائيل نعيمة المرأة لا تطير بجناح واحد بل تحتاج إلى جناحين المرأة والرجل؟!.
رقم العدد ١٦١٧٤