صفوح شغّالة للـ (الجماهير): المطرب مشروع له تكاليف ومن لا يمتلك الدعم ( عمرينه ما يغني).. يجب أن يكون هناك أكاديمية تمنح لمن يغني التراث شهادة تخوّله من أدائه !

الجماهير- حوار: بيانكا ماضيّة

مايهمّه اليوم هو أن يقال عنه شاعر، لقد حقق مالم يحققه أحد في حلب. انتشر، غنى له معظم نجوم جيله، ولحن له الكثير من ملحني جيله. نال شهرة لم يكن يحلم بها، إذ كانت فوق طموحه ومداركه (حسب قوله) أشهر الموزعين العرب وزعوا له الأغاني، فقد كان أقصى ما يطمح إليه أن يغني له المطربون الحلبيون، فغنوا له جميعهم.
هو صاحب اللهجة البيضاء، وأطلق عليه فينيق الأغنية السورية، وصاحب القافية المدهشة، امتاز بدمجه الفصحى واللهجة البدوية واللهجة الحلبيّة في قصائده الغنائية، فكان له أسلوبه الخاص وبصمته المميزة التي عرف من خلالها.
إنه الشاعر الغنائي صفوح شغّالة، وفي أثناء زيارته الأخيرة لحلب، التقت به “الجماهير” وكان هذا الحوار….

الفريق المتناغم يصنع النجاح!.

أسأل الشاعر شغالة عن سبب انطلاقته وشهرته سورياً وعربياً، هل هو الكلمة الحلبيّة بالضبط أم الموضوع المطروح في القصيدة الغنائية؟! فيقول:يشترك في الأغنية فريق: شاعر وملحن وموزع ومطرب، ومهندس صوت وفرقة موسيقية ومخرج للفيديو كليب، والإعلان والدعاية، فنجاح الأغنية لايعتمد على شخص، إذا كان الفريق متناسقاً ومتجانساً يكون العمل جيداً ويلاقي استحسان الناس إذا كان الفريق من مستوى الخبرة نفسها، والحظ جمعني مع فريق عمل أحسد عليه، والاطلاع على سوق الأغنية بصورة مستمرة يجعل الذي سيمتهن مهنة صناعة الأغنية أن يكون مبتكراً، أنا ومن اشتغل معي في الأغاني كنا نبتكر “موديل”، والأعمال تشهد على ما أقول، فأنا ليس لدي أغنيتان تشبهان بعضهما، لا باللهجة ولا باللحن ولا بالتوزيع، هناك حركة دائمة في التنوع والابتكار.

مزج اللهجات!.

حافظت على اللهجة البيضاء التي امتزت بها، لم اخترت هذه اللهجة في الكتابة؟ وأين الفصحى من قصائدك اليوم؟! أسأله هذا السؤال فيقول: الفصحى تراجعت كثيراً، وأول من تراجع فيها المطرب نفسه وكذلك شركات الإنتاج. الفصحى يلزمها ملحن مقتدر، وقصر الأغنية التي تتراوح اليوم مابين ثلاث دقائق ونصف إلى أربع دقائق في الحد الأعظمي ساهم في تراجعها، في مقابل أن قصيدة الفصحى يلزمها نفَس طويل في التلحين. في أغنياتي مزجت مابين الفصحى والبدوي والحلبية، قد يقولون إن اللهجة البيضاء كانت موجودة سابقاً، صحيح، لكني أتحدث عن أسلوبي أنا، لم يمزج أحد مابين الفصحى والبدوي والحلبيّة في أغنية كما مزجت أنا، لهذا امتازت أغانيّ، وكذلك لهجتي.
عندما نزلت إلى سوق الأغاني كانت أولى أغنياتي (انسَ غرامك) ثم (أمّانيه) (أهل العشق) (ما اندم عليك) ثم كرّت السبحة. كانت لهجة جديدة في لبنان، وتميزتُ بها. لم أكتب اللهجة اللبنانية لأن لكل لهجة خصوصيّاتها، لايعرفها إلا أبناء البلد، فلم أتطرق إلى اللبنانية وكان لي أسلوبي وشكلي الخاص ونجحت بهما.

مصر والتأثر فنياً والبدايات!

نعود إلى البدايات وإلى سفره إلى مصر ولقائه كبار الملحنين، أسأله: كيف انطلق صفوح شغالة؟! فيقول: أنا كنت شاعر فصحى، في الستينيات والسبعينيات كان الجيل كله قارئاً، يقتني الكتاب، والمجلة والجريدة، وعند ظهور التلفزيون الملوّن تراجعت القراءة، كنت أطمح إلى أن أكون شاعراً، أسوة بالشعراء الذين كانوا موجودين على الساحة آنذاك.
سافرت إلى مصر عام 1974، مصر غيّرت بي الكثير. القاهرة بمساحتها الكبيرة تحتوي تنوعاً كبيراً، وحينها كان العصر الذهبي للعرب، من كتاب فطاحل، وملحنين وشعراء، وصحفيين، حتى رجال الدين وقارئي القرآن كانوا من الفطاحل. في هذه البيئة نشأت، تأثرت بكتّاب كثر، ولدي عادة إن أحببت كاتباً أتتبع أعماله كلها، وأقتنيها، جربت كل أنواع الشهرة وفشلت، فشلت في السباحة، وفي كرة القدم، وفشلت في التمثيل….
أقول له: هذا يعني أنك كنت تبحث عن الشهرة؟! فيجيب: نعم، لكن لم يكن يخطر على بالي في يوم من الأيام أن أكون شاعراً غنائياً، بالمصادفة تعرفت إلى ملحن هنا في حلب عام 1986، زرته في بيته، فكان لديه مطربة يعطيها دروساً في الصولفيج، فسألته: لم لاتلحن لها؟! فقال: أنا لا أتفاعل إلا مع الكلمة المصرية وهنا لا أحد يكتبها!. فقلت له: أنا أكتبها لك!. خرجت من بيته، ولم أكن أعرف كيف تكتب الأغنية..
أقاطعه: إذاً كانت مغامرة بالنسبة لك؟! فيقول: أنا كنت أكتب الفصحى، وكنت أحفظ شعر المعلقات، فوضعت أغنية (هجرتك) لأم كلثوم، وبدأت أكتب كلماتها، رأيت كيف كان (يقطّع) الشاعر أحمد رامي، فعارضته، فخرجت معي أغنية، اتصلت بالملحن وأسمعته ماكتبت.. واتفقنا على موعد، وذهبت إليه، فلحّن الأغنية. بعد أربعة أشهر صار لدي ثلاثون أغنية، كل من سمعها أكد جماليتها.. في ذاك العام قررت أن أكون شاعر أغنية، فاحترفت.
فترة مصر لم تكن مثمرة لي كشاعر، لكن كانت غنية بالتعرف على صناعة الأغنية، استديوهات، موزعين، ملحنين، شركات إنتاج، وكانت بدءاً من العام 1974ومجموع سنوات إقامتي فيها يقارب خمسة عشر عاماً.. فبم أفادتني مصر؟! في تلك الفترة كان أهم ملحنين فيها هما صلاح الشرنوبي، وشاكر الموجي، ولي معهما الكثير من الأعمال.
إذاً كتبت بالتأكيد الأغنية المصرية! يقول: الأغنية المصرية سهلة، لأن الأفلام مصرية، والأغاني مصرية، والسوريون يحبون مصر، واللهجة لا غموض فيها، لكن حين تكونين في مصر تسمعين مفردات لاتسمعينها في السينما أو في الأغاني، لأن اللهجة تتطور، فلهجة أفلام إسماعيل ياسين، تختلف عن لهجة أفلام محمود ياسين، على سبيل المثال.. فمن خلال معاشرتهم واستخدامي للهجة جعلني أكتبها، فعلى سبيل المثال لي أغنيات لاتصدقين أني أنا من كتبها، هي أغنيات شعبية. إن مقولة (مصر أم الدنيا) لم تأت من عبث، فمصر هي أم الدنيا بكل شيء، حتى الآن في عز الأزمة المصرية تبقى مصر أم الدنيا، لأن المصريين يسبقوننا بمئة عام.

بيروت وجورج مارديروسيان!

ولكن هل كان سفرك إلى بيروت للبحث عن شيء أفضل، أم بالمصادفة؟ أقصد من أجل العمل، أم بسبب ظرف اجتماعي؟! يجيب: كتبت أغنية (هانت العشرة عليك) للأستاذ شادي جميل، فأخبرني بأنه يريد أن يعطيها لملحن لبناني، وهو الأستاذ جورج مارديروسيان، فوافقته، بعد فترة اتصل بي وقال: أريدك في بيروت، فسألته عن السبب، فقال: الملحن لم يعرف أن يقرأ الكلمات، إذ كان في الأغنية كلام صعب، سافرت إلى بيروت واجتمعت به وفسّرت له الكلام فأعجب به، فقال: إذا أعطيتك لحناً هل تستطيع كتابة أغنية عليه؟! قلت: أجرّب. وكانت أغنية (أهل العشق) لديانا حداد، وأعجب بها الأستاذ جورج. وهنا قررت الانتقال إلى بيروت أي حين تعرفت إلى الأستاذ جورج، وشكلنا ثنائياً مازال حتى الآن.
تميزت بلهجتي، نشرت اللهجة الحلبيّة، علماً بأن في حلب لهجتين، اللهجة التي نتكلم بها، ولهجة الموال الشرقاوي (لي قلب مهموم أعياه الغرام وصبا…من جور بدر الذي عني تنحى وصبا) مواويل صباح فخري أو محمد خيري، وأبو حسن حريتاني. أحب الموال كثيراً، ومن سمّيعيه، فأخذت لهجة الموال وكتبتها أغنية، كتبت بلهجتها، وكانت مميزة، والفضل للموال الحلبي الذي استثمرته، بطريقة تجزيء الشطر أو تقسيمه إلى قسمين، فهذا الأمر لم يقم به أحد غيري، وهذا ما نسميه باللهجة البيضاء.
الشاعر الغنائي أدواته القوافي والصور واللهجة، كلما كان الشاعر الغنائي متمكناً من قوافيه كان قوياً، لننظر إلى صور منصور الرحباني في أغنية (شادي): (من زمان) أبيض وأسود، (كان في صبي) صورة، (يجي من الحراش) صورة، (العب أنا وياه) صورة، (أنا وشادي ركضنا بالهوا…كتبنا ع الحجار) كل كلمتين صورة، (ويوم من الأيام ولعت الدني) كم صورة ممكن أن نستنبط من هذه الجملة؟! (شادي ركض يتفرج) صورة.. المهم في هذه الأغنية نرسم ملايين الصور من خلال أغنية قصيرة. هذه هي براعة الشاعر الغنائي.

المستوى لايناسبني!

بعد كل هذا الكم الرائع والبصمة المميزة لصفوح شغالة كيف ينظر إلى مجمل سيرته وماهو الذي لم يحققه بعد؟!عن هذا السؤال يجيبنا: لا أخال أن هناك ما لم أحققه وأطمح إلى تحقيقه، فالعصر الذهبي الخاص بي، كان عصراً ذهبياً للوطن العربي كله، منذ 1995 وحتى 2005، كان عصر شركات الإنتاج والنشاط الفني، اليوم لم يعد هناك نشاط ولا شركات إنتاج، ولا حتى سفر بين الدول العربية، أو الأجنبية، فنشاط المطرب قد قلّ وتقوقع، وظهر مطربون لا أطمح إلى التعامل معهم، ليس استخفافاً بهم، ولكن مستوى الأعمال التي يقدمونها لايناسبني.
أسأله: من أول من غنى لك من المطربين الحلبيين المعروفين؟! فيجيب: سمير جركس، وبعده غنى لي مطربون حلب كلهم، من شادي جميل، إلى حسن حلاق، في عام 1996 سافرت إلى بيروت فأقمت هناك، كذلك غنى لي معظم نجوم الغناء، ماخلا القليل منهم.

الاشتياق لهواء حلب ولقلعتها

يبدو أن في قدومك لحلب بعد غياب فترة لابأس بها، أن في جعبتك شيئاً ما؟! نسأله فيقول: مضت سنة وشهران لم آت فيها إلى حلب، اشتقت لأهلي وأخواتي، وأصدقائي.. أنا رحالة، دائماً أتنقل بين المدن، وأطول فترة قطعتها عن حلب هي مدة أربع سنوات حين كنت في مصر… اشتقت لهواء حلب، لأرى القلعة ست الكل، القلعة رمزنا. كان لنا رمزان في حلب، القلعة والسوق القديمة التي بدء الترميم بها. أما القلعة بالنسبة لي فهي “عشرة عمر” تذكرني بالماضي المجيد… أقاطعه لأسأله: هل لك ذكريات خاصة مع القلعة؟! فيجيب: بالتأكيد، فأنا كتبت كماً لابأس به في داخلها، في كافتيريا القلعة، كنت كلما سافرت وعدت يومياً آتي إلى القلعة وأجلس في الكافتيريا، وأرى حلب كلها. كتبت غير أغنية عن حلب في القلعة. فالقلعة مهبط وحي، هي تاريخنا وفي ظل الحرب التي مرّت على حلب، إن وجود القلعة جعلنا نتعلق بحلب، والحمد لله أنهم لم يصلوا إليها، ليفجّروها، لأنه كما ترين، معظم ما حول القلعة خراب إثر التفجيرات.
كتبت في القلعة (آهين ياحلب) (قلعة حلب) (كلّة معروف) (تسلميلي ياحلب) (ياشهبا اسمالله حولك).

الواقع الفني في حلب!

عن الواقع الفني بشكل عام، يقول شغالة: إنه سيئ جداً، إذ ليس هناك مستوى فني، من يوجد اليوم؟! من يأتي بأثر النوى مثلاً؟! من يحيي “تلبيسة” ويغني سبع ساعات؟!.. أسأله: من هو المطرب الذي تتمنى أن تقدم له كلماتك؟! فيجيب: من يطرق بابي أرحب به!.
أعقبه بسؤال: هناك مواهب في حلب تحتاج إلى الدعم والمساندة للظهور، ولكنهم لايجدون الفرصة في ذلك؟! فيقول: فرصة ماذا؟! أي مشروع يحتاج إلى تكاليف، من يريد أن يصبح مطرباً ونجماً لا يحتاج إلى دعم، في الوقت الذي من يريد أن يفتح محلاً للخضار بحاجة إلى عشرة ملايين، فليأت المطرب بالمال، ومن ثم فليغنِ، لمَ هذا المواهب بحاجة لدعم؟! في الوقت الذي هناك طلاب بحاجة إلى هذا الدعم، (اي عمرينه مايغني)، اكتبيها (عمرينه مايغني)!.
أقول له: رغم أنك يجب أن تكون داعماً لهذه المواهب، لأنك من المجال نفسه! فيرد: ماحكّ جلدك مثل ظفرك، المنتج هو أول من ينكره المطرب، وكبار المطربين تنكّروا للمنتجين الذين أظهروهم نجوماً.
لمَ برأيك يكون تسليط الضوء على المطرب أو الفنان أو الممثل وينسى أو يهمّش أو يغيّب الكاتب؟! فيقول: الشهرة لمن يقف أمام الكاميرا..أقاطعه بالقول: لكن لولا الكلمة لما وصل هذا الفنان إلى أمام الكاميرا! فيقول: ليس فقط الكلمة، هناك الملحن، ومهندس الصوت، والمخرج، والعازف البارع، هؤلاء لهم دورهم الأكبر، ويأتي في النهاية المطرب، فآخر شخص يحق له أن يتحدث عن العمل هو المطرب، لكن هو من يقف تحت الأضواء وأمام الكاميرا في النهاية، والجماهير تصفق له.
يخطر على بالي برنامج (نجم حلب) الذي أطلقته نقابة فناني حلب مؤخراً، فأسأله عن رأيه فيه، فيقول: كرأيي ببرنامج سوبر ستار وغيره.. ماذا فعلوا؟! جعلوا الشباب يجنّون، من يرسب يقول غيري نجح بالوساطة، أتحدث هنا عن البرامج العربية، ماذا فعل القائمون عليها؟! لقد أصابوا الشباب بالأذى. حتى الذي لم ينجح، لم يعد يعمل، بل صار يبحث عن فرصة أخرى، ومن نجح (طقّ عقله) إذ أصبح نجماً كبيراً وهو لم يفقس بعد من البيضة، صار لديه مدير أعمال. والأفظع من هذا أنهم يظهِرون الأطفال فيفسدون أخلاقهم. فلاتعد عقولهم تستوعب هذه الشهرة.
ويتابع: الفن ليس كذلك، الفن طريق تسير عليه حافي القدمين، يجب أن يتذوق المرارة من يمشي في هذه الطريق كي يشعر بطعم الحلاوة فيما بعد..
النجوم الكبار مرّوا بمراحل كثيرة حتى وصلوا إلى ماوصلوا إليه، مثلاً الفنان فريد الأطرش ذاق العوز والفقر ولكنه تعلم وتعب على نفسه. معظم مطربي اليوم لايعرفون كتابة اسمهم، لايعرفون النوتة، ولايعرفون العزف على آلة ما، فعلام يشمخ المطرب برأسه اليوم، ألأن صوته جميل فقط؟!. هناك مطربون ترفع لهم القبعة، وهناك مطربون لايستحقّون، لأنهم تعدوا على المهنة، بعضهم لم يخلق لها ويريد أن يصبح مطرباً، والدليل أنه في اليوم الواحد يظهر مئات المطربين. ادخلي إلى شبكة الإنترنت وانظري، تري أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، وهناك من له عشرات الملايين من المتابعين ولم أسمع به يوماً.

التراث والحفاظ عليه!

أسأله: أين تجد حالياً موقع الأغنية السورية؟! فيقول في ذيل القائمة!!!.. كيف يمكننا النهوض بها؟! فيجيب: بقنبلة ذرية تقلبها رأساً على عقب وتطيح بالمطربين والملحنين.. أضحك وأقول له: لديك حنق على المطربين! يقول: ليس حنقاً، وإنما لأنهم لايتطورون، وسرعتهم كسرعة السلحفاة . أنا مع ضرورة أن يكون للتراث مختصون، مايعني ممنوع على أي مطرب أن يغني التراث إن لم يملك شهادة رسمية تخوّله من أداء التراث.. التراث محفوظ وقد حفظه الفنان صباح فخري (أطال الله في عمره).. اسمعي أي دور أو موشح من صباح فخري، واسمعيه من أي مطرب آخر، تجدي أن هناك فرقاً هائلاً وواضحاً، أكان بالموسيقا، أم بالصوت (الكواليتي) أم بالأداء، فلنسمع مثلاً من غير صباح فخري نجد لديه الركاكة، فهو يشوّه ماقدمه من حفظ هذا التراث، هو يقلل من مستواه قليلاً، وقليلاً قليلاً يبلغ هذا التشويه مداه فيفقد التراث قيمته.
يجب أن يكون هناك أكاديمية تمنح لمن يغني التراث شهادة تخوّله من أدائه. أنا مع كل مدينة بأن يكون لها أكاديميّة لحفظ تراثها، فسورية غنية بتراثها، لدينا تراث الفرات، وتراث السويداء ودرعا، وتراث الساحل، وتراث حلب، حماه وحمص لهما تراث، يجب أن يكون هناك لجان أو أكاديميات مختصة بأغاني التراث، أولاً يعاد توزيعها موسيقياً بشكل يواكب العصر، لدينا أغان تراثية رائعة إن أعيد توزيعها ووظف لها الصوت الصحيح من الممكن أن تظهر بشكل جميل وعصري، مثلاً أغنية (الحلوة دي قامت تعجن من الفجرية) اسمعيها من ملحنها سيد درويش، واسمعيها من فيروز، كم الفرق واضح؟! هناك تطور، هناك عقلية توزيع، وصوت ملائكي، وقد حفظتها الأجيال من فيروز ولم تحفظها من سيد درويش. المشكلة في مطربنا الحلبي أنه لايسعى إلى التطور أسوة بالنجوم العرب. النجوم العرب كل عام يقومون بتسجيل CD خاص بهم، أما مطربنا الحلبي فليس له أغانيه الخاصة، لدينا التراث مشاع لمن يريد أن يغنّيه أو بالأحرى (يلوّص) فيه، هذا غلط، لم يعد هناك هوية حلبيّة، المطربون الحلبيّون القدامى كانوا يفتتحون بالسماح، يهيئون للطرب، يبدأ الواحد منهم بوصلة دور، ثم موشح، ثم موّال، ثم قدود حلبية، اليوم يفتتح المطرب بالطبل ويختتم بالزمر، ضاعت الهوية الحلبيّة، إنهم اليوم يشوّهون التراث.
تراثنا غني وواسع، ويجب الحفاظ عليه، الأستاذ صباح فخري جمع لنا التراث ونظمه، وهو الذي عمل وصلات القدود، وهو الذي أضاف للموشحات، لأن هناك موشحات كانت ناقصة، يكفيه أنه عمل فاصل (اسق العطاش)… مَن من المطربين الحلبيين اليوم له بصمة؟ من منهم يستطيع أن يغني (اسق العطاش)؟..الأستاذ شادي جميل مثلاً غنى تراثاً لكن يغني ما له نكهة حلبيّة أمام الجمهور الحلبيّ، أو في المهجر، ولكن له أغانيه الخاصة، شادي يستطيع إحياء حفل كامل بأغانيه الخاصة إن لم يقرب التراث، فهذا تطور.
أنا أنصح المطرب الحلبي بأن يهتم بأغانيه الخاصة ولايمنع في الحفلات أن يطعّمها بشيء من القدود أو التراث، على ألا يشوّهه.
أسأله السؤال الأخير: من هو خليفة صباح فخري من مطربي حلب برأيك؟! فيقول: لا أحد… لا بالشخصيّة ولا بالعلم الموسيقي، ولا بالصوت، ولا بالعلاقات الاجتماعية، صباح فخري حالة فريدة لاتكرر، ويكفي فخراً لحلب أن فيها أستاذاً هو الأستاذ صباح فخري.
تصوير: هايك أورفليان
رقم العدد ١٦٢١٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار