حلب والمسرح …. وحكايات في فترة الحرب والسلام!.

غسان دهبي

دائما تعود بي الذاكرة إلى ما قبل الحرب القذرة التي فرضت على سورية ومنها مدينتي .. مدينة حلب .. وحكايات الفن بصورة عامة والمسرح بصورة خاصة .

قبل الحرب كان عدد الفنانين المسرحيين في المدينة يفوق المئة ما بين محترف وهاو وواعد يتوزعون على عشرات المنصات المسرحية ما بين المسرح القومي – ونقابة الفنانين والمنظمات الشعبية والفرق الهاوية والتجمعات الخاصة .

قبل الحرب كانت المسارح تمتلئ بالجمهور كان التنافس بين مخرج وآخر. ممثل وآخر. تجمع مسرحي وآخر.

هنا إعلان عن مسرحية، وهناك إعلان عن تحضير لعمل مسرحي جديد قادم، والبحث الدائم لمكان جديد للعرض.

في هذه المرحلة الكل يعمل ولكل واحد مشروعه الخاص .

وفجأة أعلنت طبول الحرب الإرهابية القذرة على سورية وهذه المدينة، سنوات ونحن نسمع القذائف والهاونات بدل الدقات المسرحية الثلاث لإعلان بداية العرض المسرحي، وتحولت مدينة حلب من عاصمة للفن والطرب والموسيقا إلى عاصمة للصمود والمقاومة، وكان المسرح أحد أسلحتنا التي نتصدى بها أمام إرهابهم.

وبدأ الواقع الجديد لفناني مدينة حلب، كانت الحرب قاسية على الجميع وأغلقت أكثر الأبواب المهيأة لتقديم الفن وخاصة المسرح.

هاجر من هاجر ـ وانتقل من انتقل إلى العاصمة ومدن أخرى بحثاً عن الفن ولقمة العيش، وبقي الآخرون في مدينتهم صامدون.. ومسرح نقابة الفنانين كان الواجهة الحقيقية لصمود الفن في المدينة.. وتغيرت قواعد اللعبة للمسرح ضمن الواقع الجديد للمدينة فبدلا من المشاريع الإفرادية بدأ الجميع بالتعاون يداً بيد لاستمرار الحياة المسرحية في مدينة حلب، الجميع يتعاون ويدعم، مديرية المسارح والموسيقا، مسرح حلب القومي، نقابة الفنانين، المنظمات الشعبية، نقابة المحاميين والداعمين من القطاع الخاص.

وبدأت العناوين المسرحية تظهر من جديد، ومقاعد المسرح تمتلئ بالجمهور وأنواره تستمر مضاءة رغم ظلام شوارع المدينة وبيوتها.

أتذكر فيما أتذكر خلال تلك السنوات المظلمة الشموع التي أضاءت حياتنا المسرحية مهرجان المسرحي الأول بعنوان تحية من الهواة إلى الرواد – مهرجان سينما الشباب – دورات لصقل مواهب الممثلين – قراءات مسرحية – مهرجان المونودراما الأول والثاني – المختبر المسرحي للشباب … وعناوين كثيرة تحضرني الآن للذكرى وليست للأرشفة: (قهوة مرة – بيدونة وأمبير – لا شيء في الحديقة – الأشباح – حكاية حب حلبية – الشعرات الذهبية – لقيانوس – كناس – هيك صار – حجارة حلب – كراكيب – الغول ومدينة الذهب – منحنى خطر – مستر بن – مهرجان أيام حلب المسرحية بعروضه العديدة والمتنوعة……).وعناوين كبيرة فاق تعدادها خلال السنوات الماضية أضعاف ما قدم أثناء الحرب.

بالإضافة لإطلاق اسم أيقونة المسرح السوري للفنان الراحل عمر حجو على مسرح مديرية الثقافة في العزيزية في احتفالية كبرى, وإقامة المعرض التوثيقي الأول للمسرح في حلب خلال خمسين عاماً تضمن الكثير من الصور والبروشورات والبوسترات لعدد كبير من المسرحيات على اختلاف أنواعها وعناوينها, وإصدار (سي دي) بذلك المعرض للحفظ والذكرى .

وبقيت مدينة حلب الوحيدة من المدن السورية التي لم تنقطع عن الاحتفال بيوم المسرح العالمي – وعيد الموسيقى العالمي – وتكريم عدد من الزملاء الفنانين في عيدهم – وتقديم التحية لعدد من الرواد الذين رحلوا عن هذه الدنيا.

كل ذلك تم بتضافر الجهود ما بين الجميع أفراداً ومؤسسات، والمايسترو الرئيسي لتلك الأنشطة كان مديرية المسارح والموسيقا – مسرح حلب القومي – نقابة الفنانين – وجهات رسمية عديدة داعمة وقفت أمام الإرهاب بسلاح المسرح لتبقى حلب عاصمة للفن والصمود.

وأتذكر … وأتذكر … لعلنا نرى الصورة كاملة ونتذكرها لا أن نقتطع منها أجزاء ونتذكر أجزاء, فخيانة الذاكرة صعبة للبعض أحياناً .

وأخيراً نحلم بأن نرتقي به جميعنا للأفضل والأجمل دائماً, رغم كل الصعوبات بالفعل والعمل بعيداً عن الأفعال وردودها.

رقم العدد 15619

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار