الفنان تومان ” للجماهير ” : اللوحة إن لم تخلق إشكالية فارغة المعاني .. وما يعيق الفن التشكيلي اليوم الواقع المعيشي … والمشروع الثقافي بحاجة إلى الداعم الذي يؤمن برسالة الفن السامية ..

 

الجماهير – أسماء خيرو

أعماله إن رأيتها تحس أنك أمام فنان لايصطنع لنفسه أسلوبا فنياً مميزاً فقط بل يتنقل بين أساليب شديدة التباين ومستويات فنية مختلفة تعكس وجهة نظره التي تقول: إن الفن رسالة لنشر الجمال البصري والحسي، يجيد صياغة مضمونه كي ينقل حسه التعبيري، وبمهارة واضحة أبدع في مجال الخط العربي، وديكور المسرح، والرسوم الجدارية، يفرغ مخزونه البصري وخبراته المتراكمة فيشد المتلقي للتأمل الهادئ الأنيق، هاجسه الملح أن يلون الحياة كي تضج بالحيوية بالرغم من رماديتها، وأن يبتعد باللون عن كل ماهو حزين وكئيب، إنه الفنان التشكيلي الحاصل على دبلوم برمجة عصبية ولغوية وعضو في نقابة الفنون التشكيلية وفنانون بلا حدود، عبد السلام تومان .

وصف علاقته بالفن بالخل الوفي الذي لم يفارقه منذ أن كان صغيراً فهو رفيق دربه وأنيس زمانه قبل أن يتحدث عن نشأته وبداياته مع عالم الفن التشكيلي إذ قال : نشأت في حي من أحياء حلب القديمة يسمى” قارلق” عشقت الفن بسبب ” جدي ” الفنان، ووالدتي التي كانت ماهرة في خياطة فساتين السهرة، وبعد أن حصلت على شهادة الثانوية حاولت أن أنتسب إلى كلية الفنون الجميلة في دمشق ولكن لم يحالفني الحظ، فرجعت إلى حلب وكلي إصرار على السير في هذا الطريق مهما واجهتني من صعوبات، وبالفعل دأبت على دراسة كل مايتعلق بالفن التشكيلي وعلومه والاطلاع على المدارس الفنية بمختلف أنواعها إلى أن أصبحت ملماً بكل جوانب هذا العلم . وعمدت إلى دراسة كل مايتعلق بعلم الجمال والفراسة والتشريح والضوء واللون إضافة إلى دراسة كتب التنمية البشرية والبعد النفسي للوجوه وكتب علم الطاقة وتحليل الخطوط، واليوم لدي العديد من المشاركات في المعارض الفنية، وحزت العديد من الجوائز التقديرية والشهادات التكريمية عن أعمالي الفنية، وأصبح لدي أعمالي الخاصة التي أعرف بها، فقاموس حياتي ليس فيه كلمة استسلام..

– الإنسان رهين المغريات، والفن التشكيلي في عالمنا العربي لم يأخذ حقه بعد، أي أن ليس هناك مغريات تذكر من وراء احتراف الفن سوى الجمال نفسه، ما الذي أغراك كي تبحر في عالم الفن التشكيلي ؟

* كلامك صحيح.. الفن التشكيلي لم يأخذ حقه في العالم العربي وخاصة في سورية ولكن في داخل كل إنسان رسالة يريد إيصالها حتى وإن لم يحصل على شيء، ما أغراني هو رسالة الفرح والجمال التي أحملها في داخلي أقول لك: الحياة بمجملها قائمة على ثلاثة مفاهيم، الجمال، والعدل، والأخلاق، وهذه المفاهيم يعمل بها كل من الفنان، والقاضي، ورجل الدين، وهؤلاء يجب أن يعملوا دون أن يلتفتوا إلى المغريات من وراء عملهم كي يحرصوا على بناء مجتمع راق يليق بالإنسان كإنسان لاتحكمه المغريات .

– كل منا يسعى لشيء من وراء عمله ما الذي تسعى إليه من وراء أعمالك الفنية ؟ وبم تصف تجربتك الفنية وما الذي يميزها عن غيرها؟

* باختصار من وراء الفن أسعى لتجميل الواقع الذي للأسف يعيش حالة من التخبط العشوائية ، فإن تجولت في الأزقة والحواري مايثير انتباهك الفوضى وعدم الاهتمام بتجميل المكان. المواطن للأسف لايعرف قيمة المكان الذي يعيش فيه، لذلك أحاول من خلال أعمالي أن ألفت انتباهه إلى قيمة الجمال الموجود في الحياة لعل وعسى يرتقي ويجمل بيئته التي يعيش بها، إضافة إلى أني أسعى لزرع الجمال في داخل قلوب الأطفال . فالطفل عنصر أساسي في المجتمع يجب أن ندرب عينه على اقتناص الجمال كي يصبح متذوقاً له، على الطفل أن يعي ماهو الجمال لأنه يؤثر على اختياراته المستقبلية، عينه يجب أن تتربى على الجمال وتحس به وتتذوقه حتى يكون قادراً على بناء مستقبل لائق به ، وتجربتي الفنية يمكن أن أصفها بالواقعية، هي خاصة بي تعتمد على نقل المواضيع من الواقع كالطبيعة وحارات وبيوت حلب القديمة والشعر العربي وإعادة تشيكلها برؤية فلسفية .ومايميزها أنها تستطيع التكلم مع المتلقي تخبره ماذا أريد ؟ تنقل له شعور ما اعتراني في لحظة من اللحظات ..

– في أعمالك تهتم بالمكان والمرأة، كيف للفنان أن يجسد روح المكان.. يجعله يتحدث ويسمع وهو حجارة صماء بكماء، ومارمزية المرأة في أعمالك ؟

*إن الغاية من رسم المكان ليس المكان نفسه بحجارته الصماء والبكماء ومثال ذلك عندما يرسم الفنان بيتاً من بيوت حلب القديمة فهو لاتعنيه الحجارة بقدر ماتعنيه ضحكة أبيه، صوت أمه، حديث جيرانه، ولعب أصدقائه، حفيف الشجر، نسيم الصباح في تلك الأماكن، فقيمة المكان تنبع من قيمة الأشخاص الذين عاشوا وتربوا داخله، وهذا الكلام يؤكده بيت شعر يقول ( وماحب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا ) وحواء في أعمالي ترمز إلى كل شيء إلى الوجود نفسه، وخاصة في وقتنا الحاضر وبعد أن جعلتها الأزمة السورية تقوم بأدوار عديدة في الحياة فلولا صمودها لم نصمد حتى هذا اليوم ..

– الفن هو نوع من أنواع الخطاب، أعمالك من تخاطب بالدرجة الأولى؟ وهل اعتراك يوما شعور بأنك يجب أن تتوقف عن الخطاب ولماذا ؟

*نعم صدقت الفن نوع من أنواع الخطاب الرمزي، وأنا أحاول بعد خبرة ٣٣ عاما التركيز في الدرجة الأولى على مخاطبة الطفل قبل الراشد؛ لأن الطفل لم تتبلور بعد شخصيته، إنه مازال في طور تشكيل القرارات والقناعات، لذلك هو المعني الأول والأخير بأعمالي الفنية، أما الراشد الذي وصل إلى قناعات جامدة غير متغيرة فبعيد كل البعد عن خطابي، وشعور التوقف عن الخطاب كثيرا مايراودني وخاصة عندما أحس بأن حقي يغبن من أشخاص لايعرفون قيمة الفن والفنان، عندما لا أجد من يقدر فني وأعمالي ورحلتي الفنية التي جاوزت الثلاثين عاما ، ولكن عشقي للفن دائماً يجعلني أتراجع عن قرار التوقف عن الخطاب ..

 

– قلت أن كثيرا مايعتريك التوقف وذكرت سببك الخاص، برأيك ما الذي يعيق الفن التشكيلي بشكل عام في سورية ومتى يمكن أن تقول أن واقع الفن يسير نحو الأفضل؟

*في الحقيقة إن الذي يعيق الفن هو الواقع المعيشي للمواطن، فطالما رغيف الخبز أهم من اللوحة، وهذا شيء طبيعي في ظل الظروف التي تمر بها سورية، سيبقى الفن يعاني من معيقات كثيرة، فالواقع يضع الإنسان في كفتي ميزان بين أن يشتري رغيف خبز ويسد رمقه أو ينمي حسه البصري والفني بشراء لوحة، وبالطبع كفة رغيف الخبز سوف ترجح لأننا في وطن لم ننته بعد من الأولويات على غرار الدول الأوروبية التي وصلت إلى اصطحاب الطفل في رحلات ثقافية للمتاحف كي تغذي وتنمي عقله وروحه وحسه الجمالي، فعندما ننهج نهجهم ولانعتبر الفن من الكماليات، أستطيع أن أقول إن هناك بصيص أمل بأن يتحسن واقع الفن المرتبط بتحسن الواقع العام والمعيشي للمواطن ..

– دائما مايشغلنا الكمال في كل شيء كفنان ماهو العمل الذي تعتبره عملك الكامل ؟ وهل صحيح أن اللوحة أهم من الفنان ؟

*أنا لم أصل حتى اليوم إلى العمل الكامل وعلى ما أظن أن كل الفنانين يوافقوني بهذا الرأي ، مازلت أبحث عن اللوحة التي تخلد اسم عبد السلام تومان، لوحة أضع فيها مجموعة من تجاربي الخاصة، ربما تكون عن الآثار السورية وبقربها وجه المرأة التي تمثل القيم الجمالية وترمز إلى عشتار وزنوبيا وإلى الوجود نفسه، أما أن اللوحة أهم من الفنان فأنا أعتقد أنه كلام خاطئ فأي إنسان عندما يشاهد لوحة “الجوكاندا ” الشهيرة على الفور يتبادر إلى ذهنه الفنان دافنشي، إن من الغباء القول إن العمل أهم من الفنان، لأنه هو من أبدع الفكرة من مخزونه المعرفي فكيف لهم أن يعطوا الأهمية للوحة أكثر ممن أبدعها!.

 

– البعد الفلسفي مايميز لوحاتك الفنية كيف للفلسفة أن تجتمع مع التشكيل ؟ ومامدى تأثير النقد على مسيرتك الفنية ؟

كل شيء في الحياة له بعد فلسفي، والفن إن لم يختلط بالفلسفة من وجهة نظري اعتبره ناقصا لأن اللوحة إن لم تخلق إشكالية تعد لوحة فارغة المعاني ليس فيها جوهر، ينقصها شيء ما، فالعمل الفني يجب أن يحتوي على زخم معرفي فلسفي يعكس فكر صاحبه، تجاربه التي عاشها، مشاعره المتأججة، لمسات قلبه الفياض، فاللوحة ليست فقط لوناً وخطاً، إنها المخزون المعرفي والفلسفي الخاص بكل فنان، أما عن تأثير النقد على مسيرتي الفنية فعلى ما أعتقد أن النقد يضيف لكل إنسان الكثير، وهذا الرأي يجب ألايختلف عليه اثنان، أنا أعتبر النقد أداة لشحذ الهمم لا العكس كي يطور الإنسان عمله أياً كان هذا العمل، فالنقد برأيي دعوة للعمل وللسمو والتجديد والإبداع، وأنا أرحب كثيراً بالنقد أياً كان نوعه لأن من خلال الرأي الناقد استنتج مايجب أن يكون عملي عليه وأصل إلى نتائج مرضية ..

– الحوار معك لايمل ولكنه شارف على الانتهاء ماذا تريد أن تكون كلمتك الختامية ؟ وماهو الطموح الذي يشغل فكرك وعقلك ؟

كلمتي الختامية هي توجيه الشكر لكادر صحيفة الجماهير على هذا الاهتمام بالثقافة والمثقفين، إضافة إلى أني أود أن أوجه رسالة إلى الجهات المعنية بأن المشروع الثقافي مازال بحاجة إلى الداعم الذي يؤمن برسالة الثقافة السامية التي هدفها التجدبد الروحي والإعلاء الذهني، فكما للجسد غذاء أيضا للروح غذاء ألا وهو الفن، ولايمكن أن يولد كل يوم فنان ولكن من الممكن أن يولد كل يوم تاجر، والطموح الذي يشغل تفكيري أن أصل بأعمالي الفنية للعالمية من خلال المحلية.

رقم العدد 16221

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار