عبد الله حجار
نعت إلينا أنباء حلب صباح الاثنين 9/11/2020 انتقال الصديق الدكتور عمر دقاق إلى رحمته تعالى وهو في الرابعة والتسعين من العمر مخلّفاً أطيب الذكر لدى كلّ من عرفه في سيرة حياته الغنية بالعطاء والطيبة المتناهية.
ولد الدكتور عمر بحلب العام 1927 ونال إجازة اللغة العربية من جامعة دمشق والدكتوراه من جامعة عين شمس في مصر. مارس تدريس اللغة العربية في ثانويات حلب ثم أصبح أستاذ الأدب العربي الحديث في جامعة حلب، وشغل عمادة كلية الآداب في الجامعة عدة سنوات وعمل أستاذاً زائراً في عدد من الجامعات العربية. كما شارك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب بدمشق ورأس فرع الاتحاد بحلب وكان عضواً مراسلاً بمجمع اللغة العربية بدمشق وعضواً في جمعية العاديات والجمعية السورية لتاريخ العلوم عند العرب. ونشطت كلية الآداب خلال عمادته لها واستقبلت العديد من الأدباء والشعراء من أمثال نزار قباني ومحمود درويش وسواهما.
له 40 كتاباً في الأدب واللغة والآثار وأكثر من 150 مقالة وبحثاً في الدراسات الأدبية. من أهم مؤلفاته: الاتجاه القومي في الشعر المعاصر، فنون الأدب المعاصر في سورية، ملامح الشعر الأندلسي، شعراء العصبة الأندلسية في المهجر، نقد الشعر القومي، إيبلا منعطف التاريخ، ملامح النثر العبّاسي، موسوعة الأعداد…
مع الذكريات:
تعرّفت إلى الدكتور عمر عن طريق جمعية العاديات حيث كنّا في مجلس الإدارة العام 1972 وبفضله، وكان عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة حلب، تمكنّا العام 1975 من إصدار كتاب “عاديات حلب” بالتعاون مع الجامعة وكان رئيس التحرير فيه. وكان يتابع باهتمام جولات جمعية العاديات الداخلية للتعرف على جميع معالم حلب ومبانيها في الفترات التاريخية المختلفة. كما جعل قاعات كلية الآداب منبراً ثقافياً إضافيا يستقبل، بالإضافة إلى الأدباء والشعراء، العلماء والأثريين العاملين في القطر لإطلاع مثقفي حلب على مستجدّات أعمال التنقيب في التلال التي يعملون فيها من أمثال البروفيسور باولو ماتيِّه المنقّب في تل مرديخ وسواه.
وأذكر دورة اللغات الشرقية التي شاركتُ بها، طيلة أربعة أسابيع من العام 1976، التي أقيمت بالتعاون مع قسم التاريخ والدكتور أحمد ارحيّم هبّو، وأبدى البروفيسور ماتّيه استعداده لإرسال أساتذة زائرين من إيطاليا للتدريس مجّاناً في قسم الآثار بحلب في حال إنشائه، وقد تمّ إنشاء القسم المذكور في جامعة حلب العام 2002أي بعد حوالي ربع قرن.
لم يتوقف الدكتور عمر عن العمل الأدبي رغم تقاعده وتقدّمه في السن، ومُنح جائزة الدولة التقديرية من قبل وزارة الثقافة العام 2001 وكنا نقوم بزيارته من وقت لآخر مع الصديق الأستاذ صلاح الخطيب، وكم كان يسرّ بالزيارة ويقوم بإهدائي نسخة من الكتب التي تصدر له، كما كنتُ أعتزّ بإهدائه كتبي. وذكرني أكثر من مرّة في كتابه “إيبلا منعطف التاريخ” وأهداني قبل حوالي شهرين آخر كتاب صدر له عن وزارة الثقافة بعنوان “الكلب” وفيه الكثير من الطرائف وخاصة حول إصدار مجلة “الكلب” من قبل صدقي إسماعيل وزملائه بدمشق ومجلّة “ابن الكلب” لسليمان العيسى بحلب . قرأتُ الكتاب بسرعة وأعلمته بذكر اسم أحمد شوقي بدل الأخطل الصغير سهواً وتمنيتُ لو أضاف شيئاً من التعريف عن عشائر بني كليب وكلاب التي كان لها دور في حكم حلب وما حولها أيام الحمدانيين وبني مرداس. وأذكر مواظبته على حضور معظم الندوات والمحاضرات التي تقدّمها المنابر الثقافية بحلب قبل اعتكافه في منزله وصعوبة التنقل والحركة بسبب الشيخوخة. وكانت آخر محاضرة قدمها في قاعة جمعية العاديات بتاريخ 2016 بعنوان “أحمد شوقي وحلب”.
رحل الدكتور عمر عن عالمنا لكن ذكراه بتواضعه وبساطته وطيبته المتناهية وأخلاقه العالية ستبقى في ذاكرة حلب على الدوام.
مما قاله الأستاذ الشاعر محمد كمال في وداعه:
ماذا تقول القوافي عنك يا عمرُ ومنك ألحانها، والفكر والصوَرُ
ومنك خمرتها العذراء، ما اعْتُبقت إلاّ من كرمك الريّان تُعتصرُ
نصبو إليك، وأقسى ما نكابده تمحوه بسمتك الغرّاء يا عمر
وودُعه الأستاذ محمد قجّة بقصيدة مؤثرة نقتطف منها:
هي الحياة سرابٌ خادعٌ، أثر تمضي كإيماءة ألقى بها النظرُ “
مضى فغاب ضياء عن مرابعه فالنفس في كربة والقلب منكسرُ
الفارسُ الفذّ، في علم وفي أدبٍ وفي خلاق، به الشهباء تفتخرُ
له يدٌ في رحاب الفكر ناصعة أستاذ جيلٍ به الأجيالُ تفتخرُ
في جنّة الخلدِ والرضوان متّسعٌ لفاضلٍ، ما اشتكى من ظلّه بشرٌ
يا رحمة الله كوني دربَ رحلتهِ فارقدْ، عليك سلامُ الله يا عمرُ
رحم الله فقيدنا الغالي وألهم أهله وأحباءه وعم كثر الصبر والعزاء. وذكر الطيبين تدوم إلى الأبد.
رقم العدد ١٦٢٣٤