في ذكرى تحرير حلب … توثيق اللحظات الاستشهادية للجنود الأبطال، وحوار مع الكاتب والسيناريست وليم عبد الله !

الجماهير- بيانكا ماضيّة

تمضي السنون، ويمضي الزمن على ذكرى تحرير حلب، وما بين المآسي ولحظات الفرح، هناك حكايات تروى بألم وغصّة، تعجز اللغة عن الإحاطة بكل ما في الحكايات من مواقف وأحداث وتفاصيل لم تكن لتحدث إلا دفاعاً عن هذه الأرض، ودفاعاً عن الوجود السوري بكل مقوماته.
من منّا لا يتذكر قصة الشهيد باسل قرفول الذي حمى بجسده وروحه مدينة حلب في أثناء تحرير منطقة الزهراء من رجس الإرهاب، والتي تجاوزت حكاية المفخخات الأربع وحماية حلب؛ لتكون حكاية إفشال عملية إعلامية تركية.
تفاصيل الهجوم وكيفية الدفاع عن المدينة كتب بسطور قليلة في مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونيّة، وفي الإعلام الرسمي، لكن الحدث المهم يحتاج لتوثيق أكبر، وهذا التوثيق يحتاج لباحث عن الحقيقة.
تصدى لهذه المهمة الباحث التوثيقي والكاتب وليم عبد الله، وهو المعروف بتوثيقه قصص الشهداء والبطولات التي قدمها أفراد الجيش العربي السوري عبر الحرب على سورية، فعبر مشروعه (العناقيد الأخيرة) الذي وصل فيه إلى الحلقة السابعة والعشرين، وثق الكثير من قصص الشهادة والكثير من اللحظات التي لا يمكن معرفتها إلا بعد بحث وتدقيق وسبر.
وليم عبدالله كاتب قصة قصيرة وسيناريو سينمائي وإذاعي، يحمل ماجستير في الآداب قسم اللغة الفرنسية عن رسالة بعنوان ” البُعد السينمائي في رواية العطر لباتريك زوسكيند: مقاربة سيميائية”، يحضّر حالياً دكتوراه في الآداب، قسم اللغة الفرنسية جامعة دمشق عن رسالة بعنوان “الاقتباس من الخطاب السردي إلى السينما ودوره في إعادة بناء المعنى”، وهو حائز على جوائز في القصة القصيرة على مستوى سورية والوطن العربي مهتم بتوثيق قصص اجتماعية وإنسانية عن حالات فردية وجماعية حدثت في الحرب السورية، وهو معد ومخرج الفيلم الوثائقي “الحب والحرب” ومؤلف ومخرج بعض الأفلام القصيرة، وكاتب المسلسل الإذاعي ” العناقيد الأخيرة” الذي يوثق القصص التي حدثت في الحرب السورية بشكل درامي.
ونحن نستذكر قصص البطولات التي قدمها الجيش العربي السوري في أثناء الحرب على حلب، نتوقف عند قصة الشهيد باسل قرفول مرة أخرى، ونتوقف أيضاً مع الكاتب وليم للحديث عن بحثه عن التفاصيل..
– عملية البحث عن الحقيقة
“تداولت مواقع التواصل الاجتماعي حكاية جندي فجّر ثلاث مفخخات دون أي تفاصيل للخبر”، هكذا يبدأ وليم بالحديث عن عملية بحثه عن لحظات استشهاد باسل قرفول لتوثيق الحقائق، ويتابع “وكالعادة يبدأ النسخ واللصق والاحتفالات الافتراضية بالنصر دون التفكير بمعرفة ما حدث حقاً في تلك المعركة؟ طرحت على نفسي عدّة أسئلة، أهمها، من هو باسل قرفول؟ كيف فجّر المفخخات؟ ما هو السلاح الذي كان يحمله؟ هل كان وحيداً في تلك المعركة أم كان معه رفاق؟ من هنا بدأت عملية البحث عن الحقيقة…
لم تتوقف اتصالاتي لمدة ثلاثة أيام، وأنا أحاول أن أصل إلى شخص يقودني للحصول على المعلومات، وبعد جهد كبير تمكّنت من الوصول إلى عائلته ولكن لم يكن لديهم المعلومات عن المعركة فاكتفيت من شقيقه بمعرفة بعض الصفات الشخصية لباسل ومواقف محددة من حياته، واتجهت أنظاري إلى جبهة حلب للبحث عن التفاصيل، وعادت مشقة البحث للوصول إلى مكان المعركة والتعرف إلى أشخاص كانوا في تلك المعركة.
وصلت إلى بعض من رفاقه، واستمعت إلى القصة بحذر شديد، فأكثر ما يجب الانتباه عليه أثناء التوثيق هو فرز الكلام الشاعري عن الكلام الموضوعي، ففي أغلب الأحيان تكون المعلومات التي يقدّمها الشخص محكومة بانفعالاته وهذا ما يجعل المعلومة شائكة نوعاً ما.
فرز العاطفي عن الموضوعي
ولكن دورك هنا يكمن في تحليل الخطاب وفرز العاطفي عن الموضوعي لتكون عملية التوثيق مستندة إلى المعلومات لا إلى العواطف، فكيف يتم هذا؟! أسأله هذا السؤال فيقول وليم:
“بالتأكيد وهنا سأسوق بعضاً من الأسئلة السريعة التي أسألها وأنا أحصل على المعلومات:
ما هو السلاح الذي استخدمه باسل لتفجير المفخخات؟ إنها صواريخ ميتس وليس قاذف آر بي جيه كما كان يعتقد الناس، إذاً صواريخ ميتس تحتاج لاثنين، فمن هو الجندي الذي كان مع باسل؟ ومن هم الجنود الذي قاموا بالتغطية؟ مهلاً هناك مفخخة رابعة لم تكن مذكورة بالخبر العاجل الذي عمّ وسائل التواصل الاجتماعي، كيف وصلت؟ كيف تمكن باسل من تفجير الثلاثة ولم يجد الوقت ليفجر الرابعة؟ إلخ.
كل هذه الأسئلة أقوم بطرحها بشكل مفاجئ وأنا أسأل الشخص المقابل لي، فمن عادتي أن لا أتعامل مع الأرقام في توثيقاتي، وأقصد بالأرقام عدد الجنود، يعني أنني لا أقول استشهد فلان ورفيقه بل أبحث فوراً عن هذا الرفيق وما هو اسمه وما هو دوره في المعركة، فهو أيضاً بطل ولديه عائلة قد فُجِعَتْ به.
وليس هذا الدافع فحسب، بل تسليط الضوء على المعركة بشكل عام كان له حيّز مهم في مخيلتي، فأنا أقوم بعملية عكسية بالتوثيق، وهي أنني أقوم بسرد القصة الإنسانية ومن خلال هذه القصة أوضح بشكل غير مباشر آلية سير المعركة وأحداثها والسياسة العالمية والإقليمية التي تُدار في تلك المناطق وأكون بهذه الطريقة قد سردت الخبر السياسي دون أن أؤثر على إنسانية الحكاية.

بطولة أسطورية
بعد أن عرفت أغلب التفاصيل الخاصة بالشهيد باسل، كيف تنظر إلى هذه الشخصية البطولية؟!: يجيب الكاتب وليم:
“كان صمود باسل قرفول أسطوري في وجه المفخخات، ويمكن أن نتخيل قوة هذا الإنسان عندما ناداه رفاقه بالخطوط الخلفية وطلبوا منه الانسحاب بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة، إلاّ أنّ باسل بدل أن ينسحب قام بالزحف إلى منصة صواريخ الميتس وأزاح رفيقه الشهيد، وجلس مكانه وأطلق الصاروخ الأول وفجر المفخخة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة، ولكن لم يسعفه الوقت لتفجير الرابعة، فانفجرت الأخيرة وبسبب ضغط الانفجار طار باسل عن سطح البناء وسقط على “خيمة قرميد” في أحد الطوابق الأرضية مما تسبب له بكسور أضلاعه وقدميه، وبقي بعض الوقت على قيد الحياة مما سمح له خلال ذلك الوقت القصير أن يسحب موبايله من جيبه ويجيب على اتصال رفيقه ليخبره أنه مرمي على خيمة قرميد وأنّ رفيقه الثاني كان قد سقط في مكان آخر بالقرب من نافذة إحدى المنازل التي خرجت منها فتاة حلبية، حاولت سحب الجندي الجريح إلى داخل المنزل لكن وزنه الثقيل منعها من ذلك، فعمدت إلى تضميد جراحه وإخفائه كي لا يراه المسلحون، أمّا باسل فقد بقي على قيد الحياة حتى لمحه أحد المسلحين أثناء انسحابهم، فاقترب منه وأطلق عليه رصاصتين أودتا بحياته”.
– حكاية الأقزام في ريف اللاذقية
ومن قصص التوثيق التي تناولها وليم حكاية الأقزام (الإيغور) الذين ظهروا في ريف اللاذقية، عن هؤلاء نسأله، فيقول:
” بدأت حكاية الأقزام في عام 2014 وبقيت علامات الاستفهام تغطي هذه الحكاية مدة ست سنوات، فمنذ اللحظة الأولى التي روى بها أحد الجنود أنّ مجموعة من الأقزام هاجموهم في نقطتهم، علقت الفكرة برأسي في حين أنها لم تأخذ أي تفاعل من قبل الناس لأنهم اعتقدوا أنّ الجنود يبالغون أو يتوهمون ما رأوه فعلاً.
منذ ذلك الوقت وأنا أتساءل، أحقاً رأى الجنود أقزاماً؟! بقيت هذه الفكرة عالقة بذاكرتي حتى عام 2020، عندما كنت أقوم بتوثيق إحدى قصص الجنود في ريف إدلب، اكتشفت أنّ أخطر التنظيمات المسلحة المتواجدة هناك كانت “الإيغور”، وهم قوم قادمون من غرب الصين ومدعومون من تركيا، ويعتبرون ورقة لعب في يد أميركا تلوّح فيها ضد الصين دائماً.
بدأت بدراسة هذا التنظيم وعرفت فيهم أشكالهم وقاماتهم القصيرة، وهنا لمعت في ذاكرتي فكرة الأقزام الذين ظهروا منذ ستة أعوام في ريف اللاذقية، وبعد البحث اكتشفت اللعبة التي لعبتها تركيا في تلك المعركة، فقد اختارت الأشخاص الأكثر قصراً بين هؤلاء القوم ودربتهم بشكل جيد ثم أطلقتهم بتلك المعركة ليحققوا هدفاً إعلامياً أكثر منه ميدانياً، فمن جهة سيرتعب الجنود عندما يرون هؤلاء الأقزام ومن جهة ثانية لن يصدقهم أحد عندما يقولون أن ما رأوه هم أقزام”.
مارآه جنودنا الأشاوس في معركتنا الوجودية يتعدى الخيال والأساطير، وما حكاية الأقزام تلك إلا واحدة من حكايات كثيرة، ولكل واحد من هؤلاء الجنود ذكرياته المؤلمة عن هذه الحرب الشرسة التي خاضوها ليل نهار، لا يعرفون متى يطلع صبح عليهم، أو متى يظهر قمر في سمائهم، هم الملائكة القديسون الذين حاربوا بكل ما أوتوا من قوة وبسالة وصمود وقتال تاريخي. رحم الله شهداء سورية الأبرار الذين كتب المجد أسماءهم بحروف من ذهب ونحن نخوض أعتى المعارك التي لم ير العالم لها مثيلاً في تاريخ الإنسانية.
رقم العدد ١٦٢٥٦

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
احتفالاً بيوم الطفل العالمي.... فعالية ثقافية توعوية  لجمعية سور الثقافية  جلسة حوارية ثانية: مقترحات لتعديل البيئة التشريعية للقطاع الاقتصادي ودعوة لتخفيف العقوبات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية الشاب محمد شحادة .... موهبه واعدة مسكونة بالتجارب الفنية تهدف لإنجاز لوحة لاتنتهي عند حدود الإطار ال... حلب تستعد لدورة 2025: انطلاق اختبارات الترشح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة بصفة دراسة حرة خسارة صعبة لرجال سلتنا أمام البحرين في النافذة الثانية.. وصورة الانـ.ـقلاب الدراماتيكي لم تكتمل مساجد وبيوت وبيمارستان حلب... تشكل تجسيداً لجماليات الأوابد الأثرية على طريقة أيام زمان ... معرض 1500 كيلو واط يعود إلى عصر" النملية " في عرض منتجات الطاهية السورية تعبير نبيل عن التضامن : شحنة مساعدات إنسانية من حلب إلى اللاذقية دعماً للمتضررين من الحرائق مؤسسة الأعلاف تحدد سعر شراء الذرة الصفراء من الفلاحين وموعد البدء بالتسويق