الجماهير_ سميه حميدوش
تعد مشكلة صعوبة النطق لدى الأطفال من المشكلات التي تؤرق كثير من الأهالي وتراودهم هواجس وأسباب كثيرة تتمثل بالقلق والحيرة بشأن إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من تلك المشكلات التي تسبب العديد من المشكلات النفسية وغيرها من التأثيرات المستقبلية في حال لم يتم علاجها.
وقالت الباحثة في علم النفس والإرشاد النفسي روان سمان لـ “الجماهير” : بداية مفهوم صعوبات النطق عند الأطفال انطلاقاً من عدم قدرة الطفل على إصدار أصوات اللغة بصورة سليمة نتيجة لمشكلات إما في التناسق العضلي وإما عيب في مخارج أصوات الحروف عند الطفل أو فقر في الكفاءة الصوتية أو خلل عضوي، مرجحة أنها تعود لمشكلات نفسية أو بيئية محيطة بالطفل، ويمكن أن تكون صعوبات النطق مترافقة مع مشكلات أو خلل عضوي أو فيزيولوجي مثل مشكلات (السمع، تخلف عقلي، إعاقة حركية، أو اضطرابات) من أي نوع (ذهنية أو جسدية) وممكن أن تكون بمعزل عنها بمعنى نجد طفلا سليما جسدياً وذهنياً لكن يواجه صعوبة نطق.
وفيما يتعلق بأشكال وأنواع صعوبات النطق اضافت الباحثة أنها تختلف حسب عمر الطفل وحسب شدة الصعوبة وتقييمها، وبالتالي يتم علاجها بحسب نوع الصعوبة وشدتها وبحسب عمر الطفل بالإضافة إلى حسبان مثيرات عدة تدخل فيها عمليتا التقييم والعلاج، مضيفة وجود أنواع مختلفة من الصعوبات ممكن أن تكون بعضها أكثر انتشاراً من بعضها الآخر بين الناس، فنجد التلعثم الذي يتميز بالتكرار والإطالة والتوقف لأصوات ومقاطع وكلمات مما يعيق التدفق الكلامي، مبينة أن التلعثم يعود لأسباب نفسية منها الوضع الاجتماعي للطفل أو الانفعالات بشكل أساسي كالخوف والخجل وتعرض الطفل لصدمة حرمان شعور بعدم تقبل شعور أو انعدام الثقة، فإن مختلف الأشياء الانفعالية التي تؤثر بتلعثم الطفل تؤدي لإصابة الطفل بإعاقة تدفق الكلام وكذلك هناك احتباس الكلام أي فقدان الطفل القدرة على التعبير من خلال الكلام والتأتأة والإبدال والخنف (ينطق الأصوات الأنفيّة كالمزكوم) والعي (العجز عن التعبير بالكلام عما يريد) واللجلجة ( يردد كلامه ولا يبن نطقه) والعديد من الصعوبات التي تتدرج من البسيطة إلى شديدة الصعوبة.
وأكدت الباحثة أنه ليس كل الأطفال على سوية واحدة من ذات شدة التلعثم والحبسة في الكلام ومن الممكن أن تكون أكثر قابلية للعلاج من غيرها نتيجة اكتشافها مبكراً ويمكن أن تكون أقل شدة بحسب الوضع النفسي والاجتماعي والصحي للطفل.
وبالنسبة لمفهوم تأخر النطق عند الأطفال قالت الباحثة سمان إن هذا المصطلح يطلق في الحالة التي يكون فيها تأخر في النمو اللغوي للطفل حيث لا تظهر الكلمة الأولى في العمر الطبيعي لظهورها، وعادة يخلط الأهالي بين مصطلح تأخر النطق وتأخر النمو اللغوي بما يعني أن كثيرا من الأهالي يقارنون أولادهم مع أولاد آخرين ولا يعترفون بتأخر في النطق بل يردون ذلك إلى أنه أمر طبيعي ويتم هنا مقارنة نطق أطفالهم ولا يتم اكتشاف تأخر النطق بشكل سريع ومباشر من قبل الأهالي.
وأوضحت الباحثة أن تأخر النطق عند الأطفال يعود لأسباب كثيرة إما أن تكون مشكلة فيزيولوجية في صعوبات النطق وإما مشكلة في السمع (ضعف السمع) أو أن تكون نتيجة إصابة دماغية تسبب خللا في الإدراك السمعي وبطئا في نمو اللغة المنطوقة عند الطفل، أو أن تكون صعوبة النطق بسبب تأخر ذهني أو عقلي عند الطفل بالإضافة إلى وجود عوامل نفسية وبيئية مثل الحرمان البيئي وغياب المثيرات البيئية التي تساعد في تطور الطفل من الناحية اللغوية وتعيق نمو الطفل اللغوي .
وعن كيفية تعامل الأهل مع تأخر النطق عند الطفل الطبيعي، أشارت الباحثة إلى أن هناك كثيرا من الأساسيات تدخل قبل تعامل الأهل مع الطفل، فهناك الكشف المبكر وانتباه الأهل لنمو الطفل ليس الجسدي والوزن والطول فقط، بل يكمن الاهتمام بالتواصل مع الطفل ومعرفة متى يكون الطفل متأخراً لغوياً وهل يتواصل بشكل جيد أم لا، وعدم مقارنته مع الآخرين والاهتمام بنموه الطبيعي من عدة نواح جسدية واجتماعية ونفسية، لكن في حال كان الطفل يواجه صعوبة في النطق على الأهل التحدث مع الطفل بلغة سليمة الأمر الأساسي المستخدم في علاج الأطفال وإجراء التحاليل الطبية والفحوصات اللازمة للطفل لمعرفة اضطرابات النطق لديه وهذه التحاليل ممكن أن تقود إلى المراحل والمحطات العلاجية اللاحقة وتجنب نقل الطفل ومقارنته بغيره وتجنب تعنيف الطفل وتدعيم ثقته بنفسه وتشجيعه على الكلام بحرية وطلاقة دون خوف أو تهديد وبدون سخرية للطفل أي عندما يتكلم بجملة غير مفهومة أو بكلمة غير صحيحة ينبغي تشجيعه على الكلام في المناسبات المختلفة وعدم كبته وتقييد مهاراته الاجتماعية واللغوية وتوجيهه وتصحيح كلامه بعطف وتفهم بالإضافة إلى توفير مناخ أسري جيد للطفل من حيث الأمن والطمأنينة الأمر الذي يساعد على نموه في النواحي كافة.
وختمت الباحثة أنه يجب عدم نسيان دور الأسرة عموماً في مراحل سواء العلاج أو اكتشاف المشكلة ولكن من ناحية العلاج على أرض الواقع عندما نتعامل مع أطفال لديهم صعوبات في النطق يكون التعامل معهم على محاور عدة، بحيث يبدأ التعامل مع الطفل وتدريبه على مخارج الحروف وعلى كيفية أخذ النفس أثناء التكلم وعلى كيفية حركة اللسان وهذا جزء أساسي من صعوبات النطق قد يكون بسبب عدم القدرة على إصدار الصوت بشكل سليم ويكون جزء منه يعتمد على تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتوفير بيئة آمنة للطفل للتعبير والتدريب وجزء آخر يرتكز على الأسرة من حيث التفهم والتقبل وشرح الحالة الصحية للطفل ودورهم في ذلك وتوفير المناخ والمساعدة بتصحيح الكلام بشكل مناسب وجزء آخر من العلاج يعتمد على دور مؤسسات أخرى (المدرسة، المؤسسات الاجتماعية المختلفة) ودائما تقدم هذه المؤسسات خدمات إما جلسات العلاج وإما جلسات التقييم والتشخيص لصعوبات النطق عند الأطفال، ومن الممكن مشاركة المدرسة من حيث الأخصائية النفسية في المدرسة أو الإدارة أو المعلمة المباشرة للطفل بتفهم مشكلة الطفل والتعامل معها بشكل صحي وسليم.
الجدير بالذكر أنه يوجد سلسلة وشبكة من العلاقات التي تساهم في مواجهة الصعوبات والمشكلات التي قد تنجم عن صعوبات النطق عند الأطفال إذ تتراوح الصعوبات من الخفيفة إلى الشديدة ويتم علاجها والتعامل معها من خلال إشراك أخصائيين مؤهلين ومدربين للتعامل مع صعوبات النطق عند الأطفال.
رقم العدد ١٦٣٠٤