كيف تكتب مراجعةً لكتابٍ أدبي؟

 

الجماهير – حسين قاطرجي

أدركُ صعوبة أن يكتب الإنسان مراجعةً عن كتابٍ أدبيّ، لأنّه بهذه الطريقة يضع نفسه في منطقةٍ وسط بين المؤلف والقارئ، وإن اكتفى المتلقي بالقراءة، أو مارس حريّته المنضبطة بكتابة مراجعةٍ عن كتابٍ ما فهو بذلك لايخرج عن كونه -كما يراه الدكتور مرشد أحمد- “طرفاً أساسيّاً في العملية الإبداعيّة، أو طرفاً مُشاركاً في انتاج النص”.
ويتجلى دور كاتب المراجعة الواعي بوظيفته بوضع ما يمكن اعتباره هوامش وتذييلاتٍ على متن النص بعد أن يُخضع هذا المتن وشخصيّاته لوجهة نظره وتجربته وخصائصه الإنفعالية على مجريات الأحداث؛ ومن هنا فإنّي أعتبر أنّ كتابة المراجعة عملاً إبداعيّاً غير حياديٍّ وما عداه فهو دراسةٌ أو عرضٌ للكتاب لا أكثر؛ ذلك أن القارئ مرتهنٌ بسماته النفسية وذائقته الجمالية، والكتب مرايا تُعكَس عليها دواخل الإنسان سلباً كانت أم إيجاباً.
وقد بدأ عهدي بكتابة المراجعات وأنا طفلٌ في المرحلة الإبتدائية عندما رأتني إحدى قريباتي أقرأ كتاباً فطلبتْ أن تناقشني فيه بعد انتهائي منه؛ وقد كان لطلبها هذا وقعٌ كارثيّ إذ أنّني نسيتُ وأنا قرب خاتمة الكتاب ما جاء في فصوله الأولى، فعمدتُ إلى إعادة القراءة؛ قراءةً متأنيّة متعمّقة، وتسجيل ملاحظاتي التي كانت في أحسن الأحوال تلخيصاً مشوباً بالكثير من الحشو والركاكة. ثم صقلتُ موهبتي هذه بالدراسة الجامعية، وقراءة الكثير من الكتب المتخصّصة. وكنتُ ولا زلتُ أعتبر نفسي تلميذاً أمام كل قارئٍ وكاتبٍ للمراجعات مهما دنا أو علا كعبه في هذا المجال.
ثمّ صارت كتابة المراجعات عادتي وديدني مع كل كتابٍ يقع في يدي؛ إذ أكتب عنه مراجعةً أضمّها صفحاته لتفيدني عند العودة إليها أو يسترشد بها مُستعير الكتاب من أصحابي الذين خسرتهم كنتيجةٍ حتميةٍ لتلك الاستعارات التي لا ترجع إلى أصحابها.
في هذا المقال أعاين بعضاً من الأفكار التي تعين كاتب المراجعة في عمله، كما تفيد القارئ المحض الذي يكتفي بالقراءة دون كتابة المراجعة في استجلاء خبايا النصّ الأدبي وتجعله -ربّما- أكثر انفتاحاً على النصوص الأخرى التي ينوي قراءتها. ولكن من الجدير قبل البدء بالتذكير بما يقوله دوماً شيخ النقاد أستاذي الدكتور نضال الصالح: “إنّه من الزعم القول بكفاءة أي عملٍ نقديّ في درس مكونات النصّ كلها أو كيفية تجليها داخل العمل الإبداعي”
إذن هي محاولة خجلى أتحرّى من خلالها رضا الأصدقاء غير المتخصّصين الذين يطلبون مني مساعدتهم في هذا الفن الذي أتشارك محبته معهم، وأتمنى منها أن تعينهم وتغني تجربتهم.
إنّ أسوأ ما يقع فيه كتّاب المراجعات هو الاعتقاد أنّ مهمتهم تنحصر بتلخيص العمل الأدبي! إن الأدب يا صديقي لا يُختزل، وإنّ المواقف والإشارات الواردة في النصّ لا تُقتطعُ من سياقها، لكن بإمكانك عرض المادة الحكائية وتحلّل موضوعها وتضع قرّاءك في تسلسل الأحداث دوناً عن كشف دقائق التفاصيل والمواقف الرئيسة والثانوية التي تربط الشخصيات والأحداث وتشعل عقدة الحبكة.
من الذوق الأدبي ألا تُفسد على قرّائك متعة الولوج إلى خبايا العمل من خلال كشف الخاتمة وفضح النهاية التي تركها الكاتب ليختم بها عمله، لأنك بهذه الطريقة تخون الأمانة الأدبية أمام الكاتب والقارئ على السواء، وإذا نويتَ تحليل الفصل الأخير فعليك التنويه بذلك عند افتتاح المراجعة.
الشخصيات هي محرّك العمل وأساسه، لذا يُتوقع من كاتب المراجعة تفنيد الشخصيات بأدوارها وتفاعلها ومدى إقناع الكاتب برسم شخصياته وتقريبهم من ذهنية المتلقي. شخصياً ومن خلال احتكاكي بشريحةٍ واسعة من القرّاء المخضرمين وجدتُ أنّ حبهم لعملٍ أدبيٍّ مرتهنٌ باقتناعهم بالشخصيات أو تعلقهم بشخصيةٍ واحدةٍ من العمل على الأقل. كما ينبغي على كاتب المراجعة تحديد سارد النص؛ إن كاتب الكاتب نفسه أو كان ذلك على لسان إحدى شخصيات العمل.
اللغة هي مطيّة الكاتب للوصول إلى عقل القارئ وقلبه، وكاتب المراجعة سيُطلع القرّاء على مخزون الكاتب اللغوي وقاموسه الذي استمدّ منه مفردات النص إن كان فصيحاً أو عامياً أو مختلطاً بين هذا وذاك. بعض كتّاب المراجعات يعجبهم المتن العامي فيكيلون المديح للعمل وصاحبه، وآخرون -وأنا منهم- أميل إلى جزيل اللغة وفصاحتها فأمدح العمل إن جاء على هوى نفسي، إذن الأمر نسبيّ ويبقى على كاتب المراجعة أن يلتمس جانب الوسطيّة والتروّي في حال سخطه فلا يسيء إلى العمل الإبداعي برمّته لمجرد أنّه لم يأتِ بلغةٍ تعجبه.
أسلوب الكاتب في عرض موضوع عمله الأدبي (الثيمة) شيءٌ لا يمكن تدريسه الطلاب في الجامعات، وهو أمرٌ لا تعلّمه المقالات والشروح بل هو متروكٌ للأيام والزمن الذي يقضيه القارئ بين الكتب، وبالتالي فإنّ (هذا الأسلوب) من أصعب ما يمرّ بكاتب المراجعة عند شرحه للقرّاء. ولكن يمكن التذكير بنقاطٍ يتحدّد بها أسلوب الكاتب ومهارته في عرض موضوعه وتماسك بنية عمله وهي: استخدامه لغةً متحركةً أو جامدة من خلال انتقائه المفردات وتقطيعه للجُمَل.
افتتاحياته لأبواب الكتاب وفصوله؛ فربما ابتدأ كاتبٌ ما روايته من وسط الأحداث أو آخرها ثم عاد بقرّائه بتقنية الاسترجاع (فلاش باك) إلى البدايات وأسقط أحداث الخواتيم على مبتداها. الربط بين محاور العمل وابتكار محرّكاتٍ ثانوية ناشبة تزيد الأحداث ترابطاً دون أن يتورط الكاتب بتفاصيل لا داعٍ لها تُخرجه عن مُراده وتُخرج القارئ عن تركيزه واقتناعه بالعمل.
رسالة العمل: إن مهمّة الأدب واسعة، أولها المتعة والفائدة، وإنّ ضعيف الرأي من القرّاء من يظنّ أنّه سينال معلومةً مفيدةً من عملٍ أدبي، فائدة قراءة الأدب أكبر وأعمق، يمكن تبسيطها باعتبارها إثراءً للتفكير والتحليل وتجربةً وجدانيةً أعمق في الحياة. وعلى كاتب المراجعة تحديد من خلال عرضه التحليلي ما إن نالته هذه الفائدة والمتعة خلال مطالعته الكتاب.
ينبغي استعراض حياة الكاتب وبيئته وظروفه وتجربته، فالكاتب الذي يروي قصة مهاجرٍ بناءً عن تجربة نزوحٍ وهجرة عاشها هو نفسه أو قصّها عليه صديقٌ حميم ستكون أكثر واقعيةً من الكاتب الذي يسرد وقائع مشابهة وهو في سريره الدافئ تتمسّح قطته الأليفة بقدميه المسترخية وهو يستمدّ مادته من نشرات الأخبار، وقد قالوا قديماً (النائحة الثكلى ليست كالنائحة المُستأجرة) فما أبلغه من قول!
من المهم أخيراً أن يُطلع كاتب المراجعة قرّاءه على معلوماتٍ تهمّهم قبل شرائهم الكتاب وهي:
– ناشر الكتاب؛ ذلك أنّ بعض دور النشر تُخرج انتاجها بطبعاتٍ ضعيفةٍ سيئة التنضيد والاخراج فيعافها القارئ بعد الصفحة الأولى لسوء ما تقع عينه عليه وما تتكبده من إرهاقٍ عند تبحّر بصره بين السطور.
– تحديد النوع الأدبي للعمل (تاريخي، بوليسي، فلسفي، سياسي، موجّه للأطفال أو الفتيان… إلخ).
– تحديد سنة نشر الكتاب ورقم طبعته، لأنّ بعض الكتّاب يتداركون في الطبعات اللاحقة ما فاتهم في الطبعة الأولى، ولأنّ بعض دور النشر تجترئ على الأدب برمّته فتجتزئ بعض الأعمال الأدبيّة العالمية وتُصدر منها كتباً مختصرةً ممسوخة بحجة إيصال الأدب العالمي لكل شرائح القرّاء. إنّ كتابة مراجعةٍ لروايةٍ منقوصة يجعلها أكثر تشوّهاً وخللاً وبُعداً عن هذا الفن، من هنا تأتي أهميّة أن يذكر كاتب المراجعة اسم الدار وتاريخ النشر ورقم الطبعة واسم المترجم إن وجد.
– التعريف بالكتاب إن كان كتاباً متفرّداً أو جزءاً من سلسلة أدبية، وإن كان جزءاً، فهل يمكن قراءته قبل قراءة الأجزاء التي سبقته أم لا.
● نصائح متفرقة:
– فعّل صفحتك الشخصية على Goodreads وانشر مراجعاتك هناك، وأعطي الكتب تقييماً من خمسة يرضيك كقارئٍ يتذوّق الأدب. إنّ تفاعل المتابعين وتعليقاتهم على مراجعتك ستدفعك للمزيد من القراءة والكتابة.
– حاول ألا تقرأ مراجعات غيرك عن كتابٍ نويتَ فعلاً قراءته، فربما تضع تعليقاتهم السلبية عصيّ الكسل في عجلات قراءتك فتتوقف عنها، تذكّر وهذه الحال أنك تمتلك ذوقاً خاصاً، وتستملح من الأدب ما لا يروق لغيرك، فاقرأ كتابك وامضِ به ثم اكتب عنه ثم قارن بين رأيك ورأي زملائك من محبي كتابة المراجعات ووازن وقتئذٍ بين الآراء كآفة.
– دوّن ملاحظاتك حول الكتاب على دفترٍ صغيرٍ فور عبورها على خاطرك، لأنّها سريعة التفلّت ولا يقيّدها إلا الورقة والقلم.
– لاتستحِ من رأيك ولا تخجل من التصريح به حتى وإن كان ذلك بحقّ أمهّات الكتب وفحول الكتّاب، رأيك حقك ومحاباة أصدقاءك من الكتّاب سيفقدك لاحقاً ثقة القرّاء واهتمامهم بما تكتب.
– يجدر التنويه إلى وجود أخطاءٍ نحويةٍ أو املائيّةٍ، لأنّ وجودها يخلّل الإيقاع الزمني للقراءة فيصيبُ القارئ بالملل حتى وإن أعجبه النص، ولكن احذر أن تتعقّب أخطاء الكاتب أو مدققه اللغوي وأخطاء مراجعتك أنت تستعصي على العد.
هذه محاولة بسيطة لمساعدة كتّاب المراجعات على تحديد القوى الجمالية في النصوص التي يقرؤونها، وإظهار خصائصها النوعية وقيمتها الإبداعية، تلك الخصائص التي تساعد على جذب المزيد من القرّاء واستمالتهم إلى زرع أواصر الصداقة مع خير جليسٍ في الأنام.
رقم العدد ١٦٣٠٨

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار