أقلام مضيئة ..خطوة جادة لدعم المواهب الشابة

الجماهير / حسين قاطرجي

سورية بلدٌ زاخرةٌ بالمواهب، وفي الوقت نفسه فإنّ وسطنا الأدبي لايملك مقوّماتٍ كافية تدعم تلك المواهب، أو على الأقل تعين القرّاء على الالتفات إليها، وإنّ دعم الموهبة وصقلها وتهيئتها عملٌ رديفٌ لاكتشافها وبدونه تغور تلك الكنوز وتفقد بريقها؛ فنخسر بذلك أقلاماً ثرية ومواهب مبدعة تنهض بحرفة القلم وتقدّم لنا مع الأيام ضروباً من المعاني البكر في فنون الأدب كآفة.

ولدعم تلك المواهب أشهرت (دار استانبولي) العام الماضي إعلاناً تتيح فيه الفرصة للأقلام الواعدة بحجز مكانٍ لها ضمن صفحات مجموعةٍ قصصيّةٍ تزمع الدار نشرها؛ إيماناً منها بأحقيّة الموهبة المتمكنة بأن تصل إلى رفوف المكتبات ويتناقلها محبي الكتاب الورقي وفن القصة. وقد أحببت أن أشارككم -بعد انتهائي من قراءتها- النقاط التالية:

– في المجموعة تسع عشرة قصّة، وباستثناء واحدة فقط فإنّ كل القصص كتبتها شاباتٌ واعدات. وعند هذه النقطة تحديداً أتساءل: هل يجوز لي التخمين بأنّ الكاتبات المبتدئات يمتلكن جرأةً في نشر عملهم الأول أكثر من نظرائهنّ الذكور؟! وإلا لِمَ هذا الفارق الشاسع بين جنسي المشاركين!

– يُلاحظ القارئ بأن الحرب (أو الأزمة السورية برمّتها) ألقت بظلالها على نصوص الكتّاب الشباب بشكلٍ واضح، وأنّ أبطال القصص بجملتهم كانت من ضحايا تلك الحرب، أو متأذّين بسببها مادياً أو نفسيّاً أو جسدياً. ولا أدّعي أن تلك القصص أغنت ملفّنا حول الفاجعة لأنّنا تقاسمنا الهمّ معاً، وفي كل بيتٍ قصةٌ حزينةٌ وثكلى ويتيم. ولكنها تبرهن من جديد على أن الكاتب ابن بيئته، وأنّ تجاربه التي عاشها هي مُلهمه، ومعلمه الأول.

– يتجذّر حضور الأسرة في معظم القصص، ونرى أنّ العائلة تلعب دوراً محورياً بكآفة أفرادها، وتغلب على القصص طابع المدينة الحضري، وسيكون لفيروس كورونا شأنٌ في عددٍ من قصص المجموعة، لكنها رغم كل تلك النائبات تنتهي نهاياتٍ إن لم نقل أنها سعيدة؛ إلا أنّها تعزز الفكر الإيجابي وتقدح زناد الأمل والتفاؤل والإيمان بالغد القادم.

– لايقدّم الكتاب لمحة -ولو قصيرة- عن الكتّاب المشاركين: كتحصيلهم العلمي، أو بلدانهم، أو أعمارهم، أو مشاركاتهم الأدبية السابقة؛ هذه المعلومات تعين القارئ المتفحّص على تقييم النص تقييماً أكثر إنصافاً، لكن يمكن القول أنّ صياغة القصص تثبت أنّهم -في المجمل- قرّاءٌ جيدون، فقد حرصوا جميعاً على الأخذ بالفصحى كلغة سردٍ معتمدة حتى في الحوارات الدائرة بين الشخصيات.

– تمنّيت على الناشر عبد القادر استانبولي، والمشرف المدقق الأستاذ عدنان الدربي؛ لو قدّموا لنا استهلالاً بين يدي المجموعة نطّلع من خلاله على عدد الكتّاب الشباب الذين أرسلوا نصوصاً للمشاركة بها، وما هي المعايير المتبعة في اختياراتهم للنصوص؟ وهل كانت الفصحى شرطاً للنشر أم لا؟ وهل مثل هذه المبادرة سياسةٌ جديدة ستنتهجها الدار سنوياً؟ ثمّ هل في نيّة الدار الاحتفاء بالشعر وكتّابه؛ فيطلقون مبادرةٍ مماثلة لديوانٍ يجمع أعمال الشعراء الشباب؟؟ كلها أسئلة جديرةٌ بالطرح لا حبّاً بالفضول ولكن توفيةً للفائدة.

– صدرت المجموعة في 200 صفحة من القطع المتوسط، وتستحق دار استانبولي الشكر والثناء على احترامها الفكر المبدع ورعايته ودفعه للظهور، وهي فرصةٌ كانت صعبة المنال بالنسبة لغالبية الكتّاب الشباب الذين تتساقط أحلامهم على عتبات دور النشر وشروطهم المادية التعجيزية.

رقم العدد 16335

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار