● نبوغ أسعد
وتبقى الحرب هي المحور الأساس لكل روائي يحمل على عاتقه هم الوطن وما يتعرض له من ويلات الحروب، فالمشاعر الوجدانية لديه تكون قد تفاقمت وتعاظمت لتصل إلى جوهر العقلانية المكتنزة بحب الوطن والابتعاد عن حب الشهوات من أجل الوجود والعيش بكرامة وحرية مهما كان حجم هذا الصراع وقوة الخصم .
من يسمع بعنوان رواية سهيل الذيب (زناة) تأخذه أفكاره إلى أبعاد خيالية أخرى ويعتقد بأنه سوف يكون أمام رواية ربما تستهوي المراهق الذي يبحث عن حب الشهوات واللذات، لكن عندما يتغلغل في ثناياها التي عمل الكاتب على بنيانها بهذا التشكيل الدرامي وبحس وطني عالي المستوى يزداد شغفا أكبر لمتابعة مجريات أحداثها التي صورها من خلال المشاهد والوقائع لهذه الحرب.
ومما يجعل الرواية أكثر جمالية وانسيابا في السياق هي تلك اللكنة الجميلة التي تتخلل أحداث الرواية ..هذه اللكنة التي تتمتع بها بعض المناطق السورية والتي يشير بها الكاتب إلى أهمية تراثنا وجمالياته التي يجب المحافظة عليها، فتعطي للرواية مذاقاً آخر لجمالية السياق الروائي إذ يبدأ بنسج خيوط روايته وبناء تشكيلها في إحدى هذه القرى السورية وهي أم الحيات ،التي مازالت تعيش على البساطة والفقر والطيبة والعصبية العائلية والتكاتف الإنساني ..ولايخلو الأمر من وجود بعض الزناة الذين يتلونون بألوان التدين والعهر ويتوارون تحت ستار العفة والشرف
يختار الروائي سهيل الذيب شخوص روايته من هذه القرية البسيطة لتكون الرواية أكثر واقعية وأكثر قرباً إلى فكر المتلقي الذي ينقاد بشغف مع الحدث والذي يبدأ بالصراعات القبلية بين العائلات التي تأبى الانكسار لبعضها ..ليبقى الجهل مسيطرا على عقول أصحابها.
ثم يظهر بطل الرواية إبراهيم مع محبوبته الصغيرة سارية ليكونا قلب الحدث الأجمل وليكونا المعصم المتين للحب الحقيقي الذي تبنى به الأمة بعيداً عن الزنا الذي مارسته كل دول العالم على بلادنا لقتل الطهر والحب فيه .
وتبدأ الحرب بمخلفاتها لتشتت العائلات والأحبة وتسرق منا أجمل أيامنا بالحرمان والتشرد والفقر والقهر فيخوض إبراهيم وأسرته، كغالبية الأسر السورية، أعتى المعارك والصراعات مع أشرس عدو جاء ليقتل فينا إنسانيتنا .
وبرغم ذلك استطاع إبراهيم أن يحقق جزءا من طموحه خلال سنوات الحرب بعيداً عن حب حياته سارية التي تبقى على عهد المحبة والوفاء رغم البعد والهجر والحرمان والحزن الذي بات من قوت الأسر السورية التي تشردت في كل أنحاء الدول العربية والأجنبية بعد أن حصد الموت أرواح الكثير من الأبرياء .وبقي إبراهيم وسارية وأصدقاؤه الشرفاء باقين على العهد في تماسكهم الوطني والإنساني ..
ويرى الكاتب أن الزناة الحقيقين ليسوا من ارتكب الفعل الجنسي بل الذين تآمروا على استباحة شرف الوطن وتقديمه للزناة والمتآمرين والخونة .
تطرح الرواية قضايا اجتماعية وإنسانية وسياسية وتاريخية موثقة لتكون شاهد عيان على الصراع الدموي من أجل اغتصاب شرف الأمة بالتعاون مع كل المتآمرين العرب وسواهم وتسلط الضوء على أهم المجريات السياسية التآمرية وماخلفه هذا التآمر على أوصال الأمة. ويبدو الروائي بهذه المشاعر الإنسانية والوجدانية والمشحونة بالحقد والغضب على من قام بفعل الزنا من خلال المواقف والأحداث التي أوصلت بنا إلى أنياب الحرب وجعلتنا طعاماً لنيران الغرب وحقدهم علينا ..فكانت الخيانات متعددة جعلت الزناة يتكاثرون على أمتنا، وخاصة على سورية .مما أوصلنا إلى الشتات والفكاك الإنساني والأخلاقي ..فوجب علينا أن نجمع شتاتنا وإعادة بناء مافككه التآمر الصيوأمريكي، بصقل الإنسان بالمحبة، وحث الروح الوطنية فيه، والعمل على إقامة وحدة تكاملية في أرواحنا من جديد، وهذا ما كان واضحا في نهاية الرواية فاجتمع إبراهيم وسارية والأصدقاء ليكونوا يداً واحدة على خط النار برغم مامروا به من ضغوطات نفسية وحزن وحرمان وخيانات، لكنهم اجتمعوا على عهد المحبة والوفاء لمحاربة كل زناة التآمر والخلاص منهم؛ أنهم شتتوا الأمة وقضوا على مستقبل الأجيال .
رقم العدد ١٦٣٣٥