“اللغة العصفورية”… لغة الأسرار والتسلية والإهمال سبب انقراضها في أحياء حلب القديمة

الجماهير – عتاب ضويحي

الباحث في التراث الحلبي القديم يكتشف في كل مرة شيئا جديدا يسحره، تراث غني بكل ماهو لافت ومدهش وفريد.
تختلف الروايات والأساطير حول أصل لغة كانت سائدة في فترة من الفترات بحارات حلب القديمة، تصيبك الدهشة لدى سماعها، تذهب بك الظنون إلى أنك تسمع لغة قوم أغراب، لغة تسمى بلغة العصافير أو اللغة العصفورية، رواية تقول إنها من أصل حلبي ظهرت أيام الاحتلال الفرنسي لسورية، وانتشرت بين السجناء كلغة سرية للتخاطب فيما بينهم، ورواية أخرى تقول إنها ظهرت في ظروف غامضة في العام 1830 أيام الاحتلال العثماني، فيما رواية اخرى تقول بأنها ظهرت في سورية “جبل الشيخ وسلسلة جبال لبنان”.
تتعدد الروايات وتبقى اللغة العصفورية لغة كان لها صيتها وشعبيتها في حلب في فترة من الفترات توارثها جيل الشباب آنذاك من أجدادهم، وسيطرت فترة ليست بالقليلة على فئات عمرية مختلفة “كبارا وصغارا، ورجالا ونساء”.
ولغة العصافير لغة لها قواعدها وأصولها، يعتمد مبدؤها على تقسيم الكلمة إلى مقاطع لفظية تتكرر نغماً مثل زقزقة العصافير.
ولمعرفة أسرارها أكثر وفك طلاسمها، التقت ” الجماهير ” واحداً من متقنيها وعشاقها، من حارة القصيلة بحلب القديمة يروي لنا صالح جنيد” 55″ عاماً حكاية لغة التخاطب السرية، فكما أوضح جنيد أن اللغة العصفورية كانت منتشرة بحارات حلب القديمة، إذ توارثها الأبناء من أجدادهم، وانتشرت بين طلاب المدارس كثيراً كلغة أسرار بين مجموعة من الأصدقاء، بهدف التحدث بسرية وعدم اطلاع الآخرين على أحاديثهم.
وحسب كلام جنيد فإن مبدأ لغة العصافير سهل بسيط، ورغم سهولته إلا أن تطبيقه ممتنع، ربما يجد البعض صعوبة في التنفيذ، لكن مع التدريب والممارسة تصبح أكثر سهولة وطلاقة.
وعن طريقة التعلم قال جنيد : كل مافي الأمر أننا نقوم بتشفير الكلمات في اللهجة المحكية تشفيراً بسيطاً، وذلك بإضافة مقطع صوتي إضافي يبدأ بحرف الزاي ومثال على ذلك كلمة “أنا “تصبح عصفورياً “أَز نَ زَا” أو جملة “بدي أروح” تلفظ “ب ز د ز ي، أ ز ر و زح”، وليس من الضروري إضافة حرف الزاي على آخر الكلمة بل يبقى الحرف الأخير كما هو.
ويحتاج التعليم كثرة الممارسة لفظاً وكتابة، وخلال شهر واحد يتقن متعلمها اللفظ وتدرج على لسانه.
والسبب وراء اختيار حرف الزاي دون سواه من الأحرف يوضح جنيد أن لحرف الزاي صدى خاص، ويعتبر أسهل وأجمل في النطق، وأقرب إلى زقزقة العصافير، لكن لامانع من إضافة حرف جديد للكلمة في حال تم اكتشاف الشيفرة الخاصة للمجموعة المتحدثة من قبل الآخرين،
أما عن الهدف من استخدامها فحسب كلام جنيد فإنها لغة خفيفة الظل، فإلى جانب السرية التضليل وإضافة شيء من الغموض ، تستخدم أيضاً لغرض المزاح والتسلية بالدرجة الأولى، أو من أجل إيهام الآخرين بأن المتكلم يتقن لغة أخرى فيصاب بحالة دهشة فإنصات فتدقيق، ليتضح لهم بعدها أنه يتكلم العربية بطريقة خاصة يقال لها ” لغة العصافير” “لُ ز و غَ زا تَ ز ل عَ ز ا ص ز ا ف ز ي ر”
ويرى جنيد أن سبب اندثار هذه اللغة ونسيانها يعود لعدم الاهتمام بها من قبل أصحابها، وانعدام التداول بها بعد أن تفرقت المجموعات المتحدثة بها، وعن نفسه يقول جنيد لم أتحدث بلغة العصافير منذ مايقارب ال “35” عاماً لأني لم أجد من أتحدث معه بها، لكنني مازلت أتقنها وأعتبرها لغة الأسرار، كان لها صولجانها في فترة من الفترات.
قصارى القول :مهما كان في ماضينا من عادات وسلوكيات وطقوس كل مايندرج تحت عنوان “التراث اللامادي” يستحق الاهتمام والحفاظ عليه يعني الحفاظ على الهويات الثقافية وبالتالي التنوع الثقافي للبشرية.
رقم العدد 16338

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار