خيرات رمضان

الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

*إنَّ البخيل وإن تَنَسّكَ مُذنبٌ*
*أما السخيُّ فذاكَ أعطى فاتّقى*
*رمضانُ يا شهر العبادةِ قل لهم:*
*أنا للسخاء كذاكَ يا أهلَ التُّقى*

مرت الأيام الأولى من رمضان على مجتمعنا والناس يبسطون أكف الدعاء ويرفعون أصوات الرجاء لرفع ما حلّ من غلاءٍ وبلاء.
وكان لزاماً علينا أن نُذكر كل ذي سعة بأن شهر رمضان ليس شهر الصيام فحسب بل هو شهر الجود والكرم والصدقات وبذلُ المال في البر والإحسان، وما أحوج الصائمين ذوي الحاجة إلى من يعينهم بسخائه ليكملوا عدة رمضان وقد حمدوا نزوله عليهم، فأقبلوا على الطاعات وقد خُفف عنهم همّ المعيشة، وأُعينوا على التفرغ للطاعة.
وقد بشر الله تعالى بالتعويض على المنفقين فقال سبحانه: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 261].
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله -تعالى- جواد يحب الجود، و يحب معالي الأخلاق، و يكره سفسافها” (رواه البيهقي). كيف لا والسخي ذو يدٍ نديّةٍ لجسورِ الودِّ بانية، ونفسٍ رضيّةٍ بالخيرات حانية. يقوم بأعظم أنواع الإحسان، ويقدم إيثاراً لا يحتاجٌ لبُرهان.
وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة”.
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله عز و جل لمن أطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام”.
فأهل الصدقات ينالون الثواب في الآخرة وينالون الحفظ والتوفيق في الدنيا وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (صنائع المعروف تقي ميتة السوء) رواه ….
وقد أورد الإمام الشوكاني رحمه الله في كتابه: “البدر الطالع” قصة حول هذه الفحوى فقال: “كان رجل فلاحاً وكان ذا دين وصدقة، فاتفق أنه بنى مسجدا يصلى فيه وجعل يأتي ذلك المسجد كل ليلة بالسراج وبعشائه؛ فإن وجد في المسجد من يتصدق عليه أعطاه ذلك العشاء، وإلا أكله وصلى صلاته، واستمر على ذلك الحال، ثم إنها اتفقت شدة ونضب ماء الآبار، وكانت له بئر فلما قل ماؤها أخذ يحتفرها هو وأولاده، فخربت تلك البئر والرجل في أسفلها خرابا عظيما، حتى إنه سقط ما حولها من الأرض إليها فأيس منه أولاده، ولم يحفروا له، وقالوا: قد صار هذا قبره، وكان ذلك الرجل عند خراب البئر في كهف فيها فوقعت إلى بابه خشبة منعت الحجارة من أن تصيبه فأقام في ظلمة عظيمة، ثم إنه بعد ذلك جاءه السراج الذى كان يحمله الى المسجد وذلك الطعام الذى كان يحمله كل ليلة، وكان به يفرق ما بين الليل والنهار، واستمر له ذلك مدة ست سنين والرجل مقيم في ذلك المكان على تلك الحال، ثم إنه بدا لأولاده أن يحفروا البئر لإعادة عمارتها فحفروها، حتى انتهوا إلى أسفلها فوجدوا أباهم حياً، فسألوه عن حاله فقال لهم: ذلك السراج والطعام الذى كنت أحمل الى المسجد يأتيني على ما كنت أحمله تلك المدة”.
فما أحوجنا في هذه الأيام لأمثال هذا الرجل ليعمّ التكافل والتعاضد في مجتمعنا وتمر هذه الأزمة والحصار الاقتصادي الجائر عن وطننا الحبيب سورية.
رقم العدد ١٦٣٨٠

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار