الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
نسي الغني بأن موعد عِزّه
هو فيك يا رمضان حقاً أخفقا
إن الإله مُضاعف أرزاقنا
أتريدُ مالاً سر وكُن متصدقا
الزكاة ركن عظيم من أركان الإسلام، وعبادة مفروضة في كل زمان لأنها صِمام أمان للمجتمعات من الأخطار التي تهددها، ومن أعظمها خطر الحاجة والفقر. والذي ينتج عنه الأخطار الأخرى الاجتماعية والاقتصادية و…؛ فالزكاة إن أُُخذت كما وجبت وصُرفت إلى مستحقيها لتحسّن الوضع الاقتصادي للمجتمعات، وربما لن يوجد حينها فقير.
والزكاة لم تجب على كل فرد، ولا على كل مال، وإنما وجبت على من ملك مالاً زكوياً ملكاً تاماً، وحال عليه الحول، وبلغ النصاب. وهذا من عدل الله سبحانه ورحمته بصاحب المال وبالفقراء أيضاً.
وأما الأصناف التي تجب فيها الزكاة هي: الأنعام: الإبل والبقر والغنم. والخارج من الأرض من الحبوب والثمار. وعروض التجارة. والذهب والفضة وما يقوم مقامها في عصرنا الحاضر من الأوراق النقدية.
ومن ملك نصاب الزكاة وحال عليه الحول فقد وجبت عليه الزكاة وهي ربع العشر أي أثنين ونصف في المئة
ونصاب الذهب خمس وثمانون غراماً، ونصاب الفضة خمسمئة وخمس وتسعون غراماً.
وأما عروض التجارة – وهي كل ما يعرض ويعد للبيع والشراء من مواد غذائية وقطع غيار وعمارات وأراض وغيرها- فنصابها أيضاً نصاب الذهب أو الفضة ومقدار الواجب فيها كذلك.
وطريقة الإخراج أن يقوم التاجر بحساب ما عنده من البضائع المعروضة والمخزنة والتي في البنك أو هي ديون يرجى قضاؤها ثم يقسم ناتجها على أربعين والناتج هو الزكاة، ويكون ذلك عند مرور عام كامل على ملكه للمال المُزكّا عنه.
وفي شهر رمضان يجتهد أهل التقوى في زيادة أرصدتهم من الطاعات لكونه زمن الأجور عند الله تعالى، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشهر الكريم: (من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدّى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه) رواه ابن خزيمة في صحيحه. وكان سيدنا عثمان بن عفان، رضي الله عنه يقول: «هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليقضِ، ثم ليترك ما بقي»
نعم لقد اعتاد الناس أن يزكوا في شهر رمضان؛ لأنه موسم القُرُبات والمواساة، وزمان الخيرات وقضاء الحاجات، فنعِمَّا ما اعتادوه من الخير، وإن كانت الزكاة لا موسم لها محدداً، بل متى حال الحول على ملك النصاب أو حصد المزارع الثمر وجب إخراجها؛ لأنها شْرعت لسد حاجات المجتمع في كل وقت.
ولعله من المحفزات لكل الأغنياء والمُثلجات للصدور رواية وردت في تاريخنا المجيد حيث جيء إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بأموال الزكاة، فقال: أنفقوها على الفقراء، فقالوا: ما عاد في أمة الإسلام فقراء، قال: فجهزوا بها الجيوش، قالوا: جيوش الإسلام تجوب الدنيا، قال: فزوجوا الشباب فقالوا: من كان يريد الزواج فقد زوجناه، فقال: اقضوا الديون على المدينين، فقضوها وبقي مال، فقال: انظروا إلى المسيحيين واليهود من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا ذلك وبقي مال، فقال: أعطوا أهل العلم، فأعطوهم وبقي مال، فقال: اشتروا بها قمحاً وانثروه على رؤوس الجبال لكي لا يُقال جاع طير في عهد عمر.
فيا ربنا أعد على بلادنا وشعبنا العظيم الصابر تلك الخيرات والمسرات، وأرفع عنا ما حل بنا من ضيق يا أكرم مسؤول.
رقم العدد ١٦٣٨٢