رحيل الباحث الأثري الأستاذ قاسم طوير(1936 – 2021)

الجماهير / عبد الله حجار

نقلت إلينا وسائل التواصل الاجتماعي من دمشق نبأ رحيل الأستاذ قاسم طوير يوم الاثنين 10/5/2021 عن هذه الدنيا الفانية، بعد حياة غنية بالعطاء في مجال البحث الأثري والتعريف بعطائنا الحضاري في العالم.
ولد في دير الزور بتاريخ 23 أيلول 1936 وأوفد إلى ألمانيا الديمقراطية لدراسة الآثار وقد نال الماجستير في التاريخ العام 19 في الدراسات الإسلامية وكان موضوعه الكسوة الخشبية للغرفة الحلبية في برلين ( المنقولة من دار وكيل بحلب العام 1912).
عمل في المديرية العامة للآثار والمتاحف في الفترة (1975 – 1994) وكان مديراً للتدريب والبحث العلمي، كما رافق العديد من البعثات الأثرية الأجنبية، وقام بدوره بإدارة بعثات تنقيب أثرية وطنية ضمن اختصاصه في مدينة دمشق، وفي موقع هرقلة القريب من مدينة الرقة وفي قصر البنات القائم ضمن أسوار الرقة التاريخية، بالإضافة إلى ترميم السور والمداخل ما جعله يحصل على جائزة منظمة المدن العربية العام 1986.

مارس تدريس مادة الآثار الإسلامية في جامعة دمشق؛ كلية الفنون الجميلة وكلية العمارة وقسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وحصل على منحة فولبرايت للتدريس في جامعة لوس أنجلوس العام 1981، ودرّس مادة الآثار الإسلامية في جامعة الملك سعود في الرياض (1982 – 1983) وحاضر وشارك في عدة مؤتمرات دولية علمية حول الآثار الشرقية في ألمانيا(1979، 1981، 1986)وهنغاريا(1979) وفرنسا(1983) وفي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وألقى المحاضرات في جامعاتها (1979 و1986).
كان أمين السر والمحرك الديناميكي لعدة ندوات أثرية دولية أقامتها المديرية العامة للآثار والمتاحف في محافظات اللاذقية (1979) والرقة (1981) ودير الزور (1983) وإدلب (1989).
كان يتقن عدة لغات أجنبية منها الألمانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية ما ساعده على التوسّع في البحث والترجمة من مصادر مختلفة. ترك 14 كتابا مطبوعاً والعديد من الأبحاث الأثرية المترجمة. وكان عضوا مراسلاً في معهد الآثار الألماني. وبقي بعد تقاعده من العمل في المديرية العامة للآثار العام 1994 على تواصل مع البحث يواظب في الدوام على معهد الآثار الألماني بدمشق وعلى مكتبته العامرة حتى العام 2011، وينشر المقالات والأبحاث المفيدة. وأصابه مؤخراً وباء الكورونا، عانى منه فترة، كما ذكر في وسيلة التواصل الفيس بوك، وللأسف لم ينج منه حيث توفّي الاثنين 10 أيار 2021، رحمه الله وألهم أحباءه الصبر والسلوان.
مع الذكريات:
تعود معرفتي بالأستاذ قاسم طوير إلى أيام عملي في مشروع تنفيذ تحسين طريق حلب – الرقة، حيث كنت أزور البعثات الأثرية الأجنبية العاملة في التنقيب في تلال سد الفرات وإنقاذ الآثار قبل غمرها في مياه بحيرة السد الممتدة على طول 80 كم وبعرض وسطي 8 كم شمال سد الطبقة. وقد استمر عمل معظم هذه البعثات حتى إنجاز السد وتدشينه العام 1974. وخلال إيفادي إلى ألمانيا الديمقراطية العام 1972 مدة سنة أمضيت نصفها في برلين، تعرفتُ على متاحفها بما في ذلك على الكسوة الخشبية الرائعة المسماة “الغرفة الحلبية” Aleppo Zimmer المأخوذة من دار وكيل في حي الجديدة بحلب، والتي كانت موضوع دراسة الماجستير للصديق قاسم طوير. تعرفت في برلين إلى عالم الآثار هورستكلنجل وزوجته إيفلين. وكان أخو قاسم ويدعى سمير طوير يعمل مع البعثة الألمانية في تل حبوبة، تمّ عن طريقه التعرّف إلى الأستاذ قاسم، وعندما أقام في الرقّة للتنقيب في “قصر البنات” كنتُ أقوم بزيارته، من خلال إشرافي على أعمال صيانة طريق حلب – الرقة.

وعندما جاء الدكتور إندرلاينمدير جناح الآثار الإسلامية في متحف برغامون لزيارة سورية رافقته في زيارة بيت وكيل والدور الحلبية الأخرى. وكان قد جلب معه سلايدات (شرائح مصورة) للغرفة الحلبية وزّعها مناصفة بيني وبين الأستاذ قاسم.
ومن خلال نشاطي في لجنة التراث في نقابة المهندسين السوريين واهتمامي بالآثار، شاركتُ في معظم الندوات الأثرية الدولية التي أقيمت في محافظات القطر سواء بتقديم بحث أو بالحضور، وهكذا تعرّفتُ، وعن كثب، إلى الصديق الأستاذ قاسم الذي كان المحرّك الديناميكي لهذه الندوات التي كان بعضها عن آثار محافظة اللاذقية (1979) ومحافظة الرقة(1981) ومحافظة دير الزور(1983) ومحافظة إدلب(1989). وكنت أزوره خلال عمله في كشف “قصر البنات” في مدينة الرقة وضمن سورها الأثري وأتابع تقدّم الأعمال في أعمال الترميم في السور العظيم ومداخله، ذلك المشروع الذي حصل على جائزة منظمة المدن العربية في العام 1986. ذكرتُ الصديق قاسم في كتابي” أصدقائي علماء الآثار” بمرور عابر، ولم أكرّس له فصلاً خاصاً أسوة بالعلماء السوريين الثمانية المتوفين الذين ذكرتهم. وبقيت على تواصل مع الأستاذ قاسم في فترة المؤامرة على سورية في السنوات العشر الأخيرة، وكان يوافيني ببعض أبحاثه عن طريق الواتس آب، إلى أن وافاه الأجل رحمه الله.

كان الباحث قاسم طوير قامة سامقة من الجيل الثاني الفاعل في مديرية الآثار، كما ذكر الدكتور عبدالرزّاق معاذ، من أمثال د. عدنان البني ونسيب صليبي، أعطى بسخاء في فترة الثمانينيات من القرن العشرين وترك بصمة مميّزة. نرجو له الرحمة من الباري تعالى والعزاء لمحبيه وزملائه في مديرية الآثار والمتاحف في أنحاء القطر والخارج. وذكر الطيبين يدوم.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار