الجماهير / نبوغ أسعد
يعد الجاحظ مؤسس البيان العربي وشيخ الأدب ولسان العرب، والمفكر الأديب والناقد الفيلسوف، اجتمعت في أدبه عوامل التفكير العلمي والحاسة الأدبية الرفيعة فغدت الكتابة عنده ممارسة إبداعية تستوعب كل معطيات العصر وتعي تاريخه .
وعدت مؤلفاته صورة صادقة لثقافة عصره بسبب اقترابه من الحياة العامة وتفاصيلها اليومية وتنقله بين مجالس العلم والسمر والقصص والمواعظ وإن كان قد خالط العامة.. إلا أن أدبه عبر عن روح العلم بما انطوت عليه من شك وجدل واستقصاء وبرغم أن الفترة التي جمع فيها الأشعار والأخبار كانت فترة اضطراب واختلاط في حياة المسلمين فكثر فيها الفساد والاضطراب العقلي والسياسي .
يعد عصر الجاحظ من أغنى عصور الحضارة العربية الإسلامية وأشدها تبيانا وتنوعا على مختلف الحياة وأصعدتها الأدبية والعلمية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية .
ولد الجاحظ عمر بن بحر الكناني البصري المكنى بأبي عثمان إبان خلافة المنصور ولقب بالجاحظ بسبب جحوظ في عينيه، وكانت صلته مع المأمون المعروف بأنه من أثار الحركة الفكرية في الحضارة العربية من خلال تشجيعه لنقل تراث الشعوب الأخرى إلى اللغة العربية وهذا ماجعل الجاحظ غني بالثراء والتنوع الفكري .وقد تتلمذ على يد أبي الهذيل العلاف والنظام ومويس بن عمران وحزار بن عمر والكندي وبشر بن معتمر الهلالي وثمامة بن أشرس النميري وأحمد بن حنبل الشيباني، أما في ميدان علوم اللغة والأدب والشعر والرواية فقد تابع مع الأصمعي وأبي زيد بن أوس الأنصاري ومحمد بن زياد الإعرابي وخلف الأحمر وغيرهم، وفي ميدان الفقه والحديث أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم القاضي ويزيد بن هارون والسري بن عبد ربه والحجاج بن محمد بن سلمة، وظل الجاحظ ملازما ثمامة الأشرس في بغداد متابعا لحلقات الشعر والأدب ومجالس المساجد التي تهتم بتأويل القرآن وشرحه وبين علم الكلام والأخبار وأيام العرب والعربية ..حتى قال عنه ابن يزداد (هو نسيج وحده في جميع العلوم ).
الجاحظ منذ نعومة أظفاره شغوف بالقراءة وحب العلم ولشدة حبه بالقراءة ضجرت منه أمه وسئمته وكان نهما للقراءة لدرجة كان يرتاد دكاكين الوراقين ويتبين فيها القراءة والنظر .وقد شهد في ذلك خصمه أبو هفاف فقال: لم أر قط ولا سمعت من أحب الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ ولم يقع في يده كتاب من أي جنس أدبي إلا وقرأه.
حبه للقراءة والعلم وذكاؤه الحاد جعلاه يرتاد حلقات المعتزلة ليحضر المناقشات الأكثر بريقا والمهتمة بكل المشكلات التي تواجه المسلمين ..وهذه الثقافات الموسوعية لعبت دورا حاسما في تكوين شخصيته الثقافية المتفردة .
وهذا الموروث الأدبي والإخباري الهائل الذي انتهى إليه الجاحظ والتقط طرائفه واستقصى مصادره من فنون اللهو والتسلية والتمثيل الهزلي وألعاب الخفة والغناء ومجالس الفقهاء والأدباء والشعراء في عصر الحاضرة العباسية جعلت منه مفكرا وناقدا وشاعرا وفيلسوفا ومحللا للشخصيات التي تفعل كل ذلك، فيقارنها بالعقل والمنطق ويعمل على مقوماتها وإن كانت هذه الظواهر طبيعية أم علمية وهل تمت بصلة للسحر الخارق للطبيعة .
وللجاحظ مؤلفات لاتعد ولا تحصى ونذكر منها ..كتاب البيان والتبيين ..والبخلاء ..والحيوان والمحاسن والأضداد وأيضا التربيع والتدوير وفخر السودان على البيضان والدلائل والاعتبار على الخلق والتدبير ..إضافة إلى كتمان السر وحفظ اللسان والنبل والتنبيل وذم الكبر ورسائل الجاحظ ونوادره والعديد من الكتب التي تركت لنا إرثا مهما في تاريخ الأدب العربي .