دين الحب ورسالة السلام

 

بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة

خلق الله تعالى أبانا آدم ليكون خليفةً له في الأرض وخلق أمنا حواء لتكون له سكناً، ومنهما جاءت البشرية جمعاء

الناس جميعاً إخوة، يعيشون على هذا الكوكب وسيموتون عليه، أجيال خلف أجيال
وأرسل الله سبحانه الرسل لكي تسير الحياة بالشكل الأمثل الذي يرتضيه
جميع الرسل جاءوا بدينٍ واحدٍ ولكن الشرائع كانت توافق العصر الذي بُعِثوا فيه، الدين واحد والشرائع مختلفة، بحسب الزمان والمكان،
وخُتمت الشرائع بالإسلام ديناً وشرعاً ومنهجاً ارتضاه الله لجميع الخلق، قال سبحانه: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نَعمتي، ورضيتُ لكم الإسلام ديناً)
هذا الدين وهذا النهج ليس كما أظهرهُ بعض من تستروا خلفه، حيث جعلوا من أنفسهم أوصياء على الدين وصوروه بأنه الإرهاب والانغلاق ورفض الآخر، وهو – أي الإسلام- بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف
أولئك الذين اختزالوا الدين بمجرد تقديمه على أنه مجموعة من القوانين الصارمة المطلوب اتباعها. مما جعل صورة العلاقة بين الإله والإنسان على أنها صورة قانونية، وهذا خلافاً لحقيقة العلاقة بين الله والإنسان تلك النظرة الناقصة للدين ترتفع على حساب علاقة الله بالإنسان كعلاقة حب ورحمة وعلاقة ثقة وهذا هو المفهوم التربوي للإيمان.

إنها علاقة الحب والرحمة ليست علاقة الخوف والتسلّط والإرهاب
إن الدين الذي ارتضاه الله سبحانه للناس هو دين الحب والرحمة، هو الذي جعل من رحمته أمراً ثابتاً لا يتغيّر في علاقته مع الإنسان، بينما جعل عذابه نسبياً إذ قال سبحانه: (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ).
لقد بيّن الله تعالى أن علاقته بالإنسان هي علاقة حب فقال: (يحبهم ويحبونه) وبدأ هو الحب وبادر به بنفسه سبحانه لأنه خلقنا وكرّمنا، نعم أحبنا فأوجدنا ورفعنا على كل المخلوقات فكانت الخطوة الأولى للحب، وكأنه سبحانه ينتظر منّ الإنسان جواباً على ذلك الحب، وهل يكون الجواب على الحب إلا حباً.
وترجمة محبتنا لله تعالى تكون في السير على الهدي الذي بيّنه رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك الهدي الذي يتكون في جُملته وتفصيله من الحب والخير والرحمة، وفي تأملٍ لحديث قدسيٍ نستشف ذلك المعنى فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ” (رواه مسلم).
فسبحانه من إلهٍ عظيم يُرسي قواعد الحب بين خلقه، يعلمنا أن روح الدين وجوهر التدين هو تحقيق الخير للناس، هو بذل المحبة والرحمة للآخر، وكلما كان الإنسان حريصاً على إيصال ذلك الحب وتلك الرحمة للبشرية جمعاء كان بذلك أكثر إلتزاماً بدينه.
ولقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله: (أحب الناس إلى الله أنفعهم لِلنَّاسِ) أخرجه الطبراني.
إن الرحمة التي هي بذلُ الإحسان بإحسان، والحب الذي يُقيم للآخر كياناً محترماً في الذات، كلاهما معاً معياراً للخير، يتحقق من خلاله مرادات الله عز وجل للإنسانية وِفٔقَ ذلك المنهج القويم الذي ضبط وضمن عدم الإفراط أو التفريط في تجليات المحبة والرحمة على الإنسان الذي هو خليفة الله في الأرض.
إننا لن ننال الحياة المأمولة في الدنيا ولا في الآخرة إلا من خلال طريق الحب، ومصداق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السّلام بينكم . (متفق عليه) .
فيا ربنا أعد عوائد الحب والسلام والرحمة والوئام إلى ربوعنا يا خير مسؤول.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار