بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
لِلّهِ دَرُّ فَتىً أَنسابُهُ كَرَمٌ
يا حَبَّذا كَرَمٌ أَضحى لَهُ نَسَبا
هَلِ المُروءَةُ إِلّا ما تَقومُ بِهِ
مِنَ الذِمامِ وَحِفظِ الجارِ إِن عَتَبا.
المروءة خُلُق عظيم وأدب رفيع تميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات، تحمله على تجنب الرذائل والتخلّق بمحاسن الأخلاق وجميل العادات.
إنها مجموعة القيم النبيلة التي يجدر بالإنسان أن يتحلى بها.
وما أشد حاجتنا في واقعنا الذي نعيشه إلى خُلق المروءة لنبني ما تهدم من جسورٍ بين البشر، لنُرمم تلك العلاقات الإنسانية مع الآخرين، ولطالما وصف مجتمعنا الشخص المسيء بكونه عديم المروءة،
وفي تراثنا الكثير من قصص المروءة وقضاياها المُتشعبة في مختلف مناحي الحياة، والتي تُروى لتأكيد أهمية هذا الخلق العظيم من ذلك ما نقرأ في التاريخ عن تحالف بعضاً من بطون العرب على نصر المظلوم والوقوف في وجه الظالم وهذا الحلف سُمي بحلف الفضول وقد أثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لقد شهِدتُ مع عمومتي حِلفًا في دار عبد الله بن جُدْعان، ما أُحب أن لي به حُمْر النَّعَم، ولو دُعِيت به في الإسلام لأجبتُ).
ومما يُروى في تراثنا أنه أُتيَ بثمامة بن أثال أسيراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما عندك يا ثمامة؟) فقال: عندي خيرٌ يا محمد، إن تقتلْني تقتلْ ذا دمٍ – أي سيثأر له قومه-وإن تُنْعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسَلْ منه ما شئت، فأطلقه من غير مقابل مما ذكر، وانطلق ثمامة إلى نخلٍ قريب من المسجد، فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
لقد دخل ثمامة الإسلام بمروءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنها قِمّة المروءة والإنسانيةُ، فهي أعظم صفات الرجولة فمن كانت رجولته كاملة كانت مروءته حاضرة.
قال الإمام الشافعي ” والله لو كان الماء البارد يُنقص من مروءتي لشربته حاراً “
وفي ناحيةٍ أخرى من نواحي المروءة نقرأ عن مروءة عنترة العبسي في الجاهلية المتمثلة في غض البصر والعفاف فيقول:
وأغضُّ طرفي إن بدت لي جارتي..
حتى تواري جارتي مأواها
وإنّهُ لنُبلٌ ومروءة يفتقر إليها البعض.
المروءة هي فعل الخير بكافة مناحيه فإن انعدمت فسد المجتمع وضاع الناس وقديماً قالت العرب: لا مروءة لكذوب. ولا مكانة لمن لا مروءة له.
ونقرأ في تاريخنا أن فارسًا عربيًا كان في الصحراء على فرسه، فوجد رجلاً تائهًا يعاني العطش، فطلب الرجل من الفارس أن يسقيه الماء، فسقاه، ثم قال له:
“هل تركب معي إلى حيث تجد المسكن والمأوى؟”
وافق الرجل وحال الركوب خلف الفارس فلم يستطع فاضطر الفارس أن ينزل كي يستطيع مساعدة الرجل على ركوب الفرس، وما إن صعد الرجل على الفرس حتى نكزها وهرب بها كأنه فارس محترف، في حينها علم الفارس أنه قد تعرض لسرقة فنادى باللص أن يسمعه، فتوقف اللص بعيداً وأصغى، فقال الفارس: “أرجوك ألا تخبر أحدًا بما فعلت. فقال له اللص “أتخاف على سمعتك وأنت تموت؟” فرد الفارس “لا.. لكنني أخشى أن تنقطع المروءة عند العرب وأن ينقطع الخير بين الناس”.
إننا بحاجة إلى المروءة في صدر المسؤول ليفي بما يعد، بحاجة للمروءة في فكر المواطن ليلتزم بالأنظمة، بحاجة للمروءة في ضمير التاجر لكي لا يستغل الناس؛ بحاجة إليها لنتخلص من الفساد، بحاجة للمروءة لنبني البلاد.
فيا ربنا زد في المروءة في حياتنا وأصرف عنا الخَبَثَ والفسادَ وأهله يا رب العالمين.