آهين

  •  بقلم عبد الخالق قلعه جي

أكثر من أن تعد أو أن تحصى، صفحات التواصل التي نعت الشاعر الغنائي، شاعر حلب الكبير صفوح شغالة الذي رحل عن عمر ناهز ستة وستين عاماً.

لعل ضجيج المحبة التي كان يملأ المكان حيث حل وتواجد مازال ينبعث كأنه حاضر لدى كل من عرفه في الأوساط الفنية والثقافية الاجتماعية والشعبية.

قامة مديدة وابتسامة توشي سمرة وجه.. وعينان- تحديا وإرادة وثقة وطموحاً وبريقاً-  تشعان.

قبل حوالي خمسة وثلاثين عاماً رأيته أول مرة، أناقة ووسامة، واسر روح جميلة و ود، ولباقة في السلام والكلام وفرح يضفيه .. يكسر حواجز اللقاء الأول ويطوي أزمنة التعارف الرتيبة لتألفه النفس دون استئذان.

 واحدة من علاماته المميزة.. ذلك القرطاس الذي يتأبطه وقد ارتدى معطفه الأسود، رافعا ياقته، لترد عنه برد الشتاء وتكتمل لوحة الأناقة الشخصية التي كان يتمتع بها.

في منطقة الزبدية حيث بيت معلمي الذي تابعت عليه دراستي الموسيقية الأستاذ الراحل كامل بازرباشي عازف العود والملحن .. ساعات كنا نقضيها وساعات بعدما يفتح صفوح قرطاسه وينتقل من صفحة إلى أخرى فيما كان الأستاذ كامل يستمع إلى نصوص تلك الأغاني ليقف عند بعضها ويبدأ معها التلحين.

عدد غير قليل من الأغنيات أنجز لحنها الأستاذ بازرباشي والتي تنوعت لهجتها بين السورية والمصرية فيما جمعها اللون الطربي الكلاسيكي في إطار المشروع الذي كان يطمح إليه الملحن.

صفوح شغالة هذا الشاب النزق الذي كان تواقاً إلى الحضور على الساحة الفنية سريعاً، أدرك أن عليه مجاراة ماهو سائد من الأغاني على صعيد الشكل والمزاج السمعي الذي كان سائداً.. محافظاً في الوقت ذاته على سوية الكلمة.. زاده في ذلك مخزون كبير من الشعر عموماً والشعر الغنائي الذي كان يحفظه لكبار شعراء وكتاب الأغنية العربية.

طموح هذا الرجل كان أكبر منه .. وعينه على حلب التي يولد فيها كل يوم صوت جديد.. يحفظ الموشح ويؤدي الموال و القد والقصيدة والدور.. دون أن يضيف إلى رصيدها أو رصيده جديداً.

هاجس كان يؤرقه وحلم كان يمسك به بأصابعه العارية إلا من حبر الكتابة ومن بقايا خيط صبر أفلت منه ذلك المارد المجنون ليفتح منطقة صناعة الأغنية .. وما بين يديه وفيهما سوى إرادة لم يفلها عائق في يوم ولامستحيل.

سأجعل إسمي على كل لسان .. يتحدث بكل الثقة عما يرومه ويحلم به ويراه حقيقة لا محالة..  ولجميع من راهن على انطفائه قال : لقد خسرتم رهانكم.. لن يبقى التراث كما انتهى إلينا دون أن يكون لنا حضور لائق ومتابعة فيه وإضافات.

مامن وقت للانتظار كان لديه .. حزم مشروع الألف ميل وانطلق بخطوته الأولى إلى دمشق برفقة الأستاذ كامل بازرباشي الملحن والمطرب ماجد عقاد وفي الجعبة أغنيتان.

كان ذلك عام ألف وتسعمئة وستة وثمانين والقصد استديو شمرا للمايسترو أسعد خوري قائد فرقة الربيع الموسيقية الذي قام بالتوزيع الموسيقي للحنين وتسجيلهما، معلنا ولادة هذا القادم إلى ساحة الأغنية.. شاعراً لها ومنتجاً وصانعاً.

عن إنجازه الأول يقول صفوح شغالة “كان ذلك بداية طريقي الفني والذي شكل انطلاقتي الفعلية التي بنيت عليها … لأول مرة يتابع ..  بشوف 35 عازف بقيادته يقصد أسعد خوري .. لا انسى الدهشة التي أصابتني .. تعلمت منه أول دروس القيادة…كانت نتيجة العمل باهرة”.

“غريب يا دنيا و يا موج البحر”… فرح لا يدانيه وهو عائد من دمشق متأبطاً ليس القرطاس هذه المرة إنما شريط الكاسيت الماستر الذي سجل عليه الأغنيتين .. والبصر يرنو إلى كبار النجوم في الوطن العربي ليغنوا كلماته ذات يوم.

سجل حافل وأرشيف ثري وصل إلى أكثر من ألف وستمائة أغنية أبدعها هذا الكبير شاعر حلب صفوح شغالة جرت على حناجر نجوم الغناء في الوطن العربي وذلك عبر مسيرة حياته الفنية الفريدة التي أعلن الثالث عشر من كانون الأول الجاري نهاية الرحلة كما كتب وصار في ذمة الله.. ولنا متابعة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار