الجماهير_ أنطوان بصمه جي
نظمت مديرية المسارح والموسيقا مسرح حلب القومي الملتقى الحواري المسرحي بعنوان ” ذاكرة.. آفاق ورؤى ” وذلك في منارة حلب القديمة، وتضمن الملتقى الحواري عرضاً بانورامياً يوثق تاريخ مسرح حلب القومي منذ نشأته حتى اليوم مستعرضاً حياة المسرح وشغف الجمهور على الأبواب منتظرين بداية العمل بكل شغف.
وكشفت مديرة مسرح حلب القومي رنا ملكي أن الملتقى الحواري جاء برعاية وزيرة الثقافة لبانة مشوح وهو يعد المبادرة الأولى لجمع أسرة مسرح حلب الذين يعدون حملةَ الرسالة وصناع الإبداع من أدباء وفنانين ومهتمين، وأن الهدف جاء من أن المسرح قضية الحياة والإنسان والهم والاهتمام والتي تحيلنا إلى امتلاك القوة إلى أن نقف على أرضٍ صلبة، عين على ذاكرة وتاريخ نحن بأمس الحاجة إلى دوام حضورهما والعين الأخرى على واقع يمسك بنقاطه وننشرها ببراعة للنهوض والارتقاء بمشهدنا المسرحي إلى مكانة ذلك، وهو بمثابة إعلان برنامج عمل مفتوحة أبوابه لكل من يريد أن يصون بمحبة وحرص وإيجابية بعيداً عن الشخصنة والكيدية والمنفعة والهيمنة، وأضافت أن منصة التواصل الاجتماعي ينبغي أن تكون للبناء وليس معولاً للهدم وتفريغ الشحنات السلبية من يأس وإحباط.
وبالنسبة لاختيار العنوان الرئيسي للملتقى بينت ملكي أنه تم اختيار عنوان الملتقى بعناية فائقة لأن الذاكرة هي الإحداثيات التي من خلالها تدرك ذواتها. هي التي تشكل الوحدة والثبات ومن ثم الهوية، أما بالنسبة لكلمة آفاق فلأننا عندما تداركنا أسئلتنا جعلتنا نشعر بضعفنا وحدود معرفتنا فتدفعنا هذه الأسئلة لنصل إلى نقطة ما، فالآفاق لا نهائية وهي ملك لأولئك الذين لديهم خيال لا حدود له. أما الرؤى التي نريدها فعلينا أن نعمل معاً لتحويلها إلى واقع.
في حين استعرض الأديب محمد أبو معتوق نشأة وتاريخ مسرح حلب القومي وماعاصره من نجاحات وإخفاقات، مبيناً أن مسرح حلب نما في بيئة ليست حاضنة له وخاصة فئة النساء وأن مسرح الشعب شكل نواة يقظة لحماسة المتنورين خصوصاً المتخرجين من دول أوروبية، وهو حالة لن تتكرر ولم يكن اجتهادا محليا فيما بعد قامت وزارة الثقافة باستلامه وتحويله لمسرح قومي وحظي بفترة ذهبية مقارنة بما بعدها، مضيفاً أن الإبداع ضروري مثل العقيدة وأن الحفاوة بالمسرح قريبة من القداسة وخلفه جماعة مؤمنة متمسكة بمقاصدها وأهدافها، وأن مدينة حلب لها أقدار مختلفة عما عداها من المدن، وهي مدينة تختزل العالم في مكان واحد، كيان مؤلف من قوميات وإثنيات متعلقة بحلب ولا شك أن العنصر العربي هو الأكبر والأكثر تأثيراً في هذا المجال. لكن حلب امتلأت بالحضور القيم في التاريخ وصحت قبل الكثير من المدن على أهمية المسرح وضرورته، ومن هنا تبدلت الأمور بوصفها سياقاً تاريخياً يأخذ يده بيد بعض من مسرح الإله حدد في قلعة حلب. حتى الآن يبدو أن هواء التاريخ معدٍ ويؤثر بالآخرين ويدفعهم لأن يتحركوا لتقديم الأفضل.
في حين استعرض الإعلامي والكاتب عبد الخالق قلعه جي محاور الملتقى الحواري انطلاقاً من تقييم الواقع المسرحي وخطه البياني وأسباب تراجعه والعوامل التي ساهمت في ذلك. في حين فند الدكتور محمد الشيخ سبب تراجع المسرح منذ بدء اللجان المختصة بمنح أذونات عمل للمسارح التجارية كذلك عندما بدأ الجمهور بالتردد على تلك المسارح، وأن حلب شهدت خواء فنياً بالجمهور الذي يميل للضحك والاستسهال عكس عندما تكون الأعمال تحمل قيمة مضافة وتحمل قضية معينة، مضيفاً أن المسرح الملتزم يكون بأجور رمزية على عكس المسارح التجارية ذات البطاقات مرتفعة الثمن، وأن المسرح القومي حافظ على رسالته الملتزمة بمزيد من الخسائر المادية وخسارة الجمهور خصوصاً أن بعض العروض يكون فيها عدد الممثلين على الخشبة أكثر من عدد الجمهور.
في حين استغرب الممثل المسرحي محمد فاضل من أن أعمال المسرح القومي تتكون من عدة عروض فيكون العرض الأول بوجود بعض الجمهور في حين يختفي في باقي أيام العرض “فيطغى صوت المكيف على صوت الممثلين”، متسائلاً لماذا لا تتواجد أو يتم إغفال عمليات التسويق الضرورية من قبل شخص مختص لكل عمل مسرحي خصوصاً أن البوستر يحتاج إلى عمليات تصميم تعطيه الجاذبية وتبعده عن التصاميم التقليدية، ولماذا لا يتم دعوة وسائل الإعلام المحلية لتغطية المسرح، وبالتالي تساهم في إثراء المعلومات لدى الجمهور لإخباره بأيام العروض المسرحية، وأن المسرح القومي هو متعة وفائدة في حين يتم إغفال المتعة في عروضه والالتزام بمدرسة مسرحية وحيدة على عكس باقي الأعمال المسرحية في المحافظات السورية.
الفنان غسان مكانسي اشتكى من عدم وجود مختصين والدخلاء على مسرح حلب القومي، وأن مدينة حلب بعظمتها يوجد مخرج وحيد فقط، متسائلاً هل يعقل أن مدينة حلب التي تتصف بالفن يوجد بها مخرج واحد أما البقية من المخرجين فهم يحملون صفة المخرج !! وأن الاختصاصات المختلفة في المسرح مهمة لإنجاح أي عمل مسرحي، مبيناً أن هواة المسرح ليسوا من أبناء مسرح حلب القومي وأن مدينة حلب شهدت فترة ذهبية حين انتقال الأعمال التلفزيونية إليها علماً أن المسرح القومي شهد قفزة نوعية بعد انتقاء مخرجين وممثلين بعد خضوعهم لمسابقة صعبة، وليس من الواجب تحويل المسرح القومي لمسرح شعبي وأن جمهور حلب مثقف رغم ما تشكله الضائقة الاقتصادية، فهو محب للمسرح ويستطيع تمييز العمل الثمين من السخيف، والحل يكمن في ضرورة تفعيل مسرح المنظمات والهواة.
في حين أشارت المخرجة والممثلة المسرحية سندس ماوردي إلى ضرورة زج الفئات الشابة وإعطاء الفرصة لهم في كل المحاور المسرحية والابتعاد عن التحدي الهدام لأن مدينة حلب تعاني من مآزق في نواح عديدة والمسرح متصل بها، وضرورة التمييز بين المسرح الجاد والملتزم والشعبي، وعلى الأسرة المسرحية في حلب بناء منصة حقيقية تعد خطوة أساسية للعمل المسرحي ويكون أحد ضمانات المستقبل من خلال مشاركة الفئات الشابة والتفاعل معها.
وأوضح رئيس مجلس محافظة حلب الأديب محمد حجازي ضرورة وجود المحترفين من فئة الشباب والتعويل عليهم ليكونوا رديفا حقيقيا ومن حق كبار المسرحيين نقل تجاربهم لتكون أقرب للحالة الأكاديمية سواء من ممثلين أو مخرجين، وبالتالي أثبتت بعض التجارب وجود كثير من الهواة انتقلوا لمرحلة احترافية جيدة متمنياً أن تكون مخرجات الملتقى الحواري سنداً لمؤشرات معينة وإدخال الجانب الترفيهي إلى جانب المعلومة.
الفنان غسان الذهبي أكد وجود أزمة نصوص في ظل العولمة وأن النص المطلوب هو الذي يعكس واقع المجتمع وتجاوز العقبات وتفعيل مسرح المنظمات الشعبية، وبالتالي القدرة على النهوض بواقع المجتمع أمام العقبات الكثيرة وضرورة الاطلاع على الأعمال المسرحية السورية التي حصدت جوائز عالمية.
أما عدم وجود مخرج لعشرين سنة قادمة، فهذا ما أكده الناقد السينمائي فاضل كواكبي مبيناً أن الوضع العام للمسرح يعيش حالة صعبة وضرورة البحث عن حلول لاستمرارية المسرح والبحث عن الحلول الآنية لإنعاش المسرح وزج فئة الشباب في الإخراج بسبب الإيفاد حيث يتخرج الشاب الحلبي ولا يعود لينقل علمه وتطوير مقدراتهم الإخراجية من خلال دورات محلية أو من خلال الفرص المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي وتفعيل دور النقد المسرحي في ظل غياب الصحافة الناقدة واستبدالها بندوة نقد مسرحي تلي كل عرض للوقوف على إيجابيات وسلبيات العمل المسرحي.
تصوير: جورج أورفليان