•• محمود جنيد..
مناشدات الهجري المارق على القانون والانتماء الوطني وزبانيته، الذي دعا إلى إعلان مدينة السويداء منطقة منكوبة، وفتح ممر إنساني مع مناطق سيطرة “قسد”، أعادت إحياء حلم مشروع “ممر داوود” الإسرائيلي.
بعد سقوط النظام البائد في سوريا نهاية عام 2024، برز الحديث حول “ممر داوود” بشكل واضح، عندما استغلت إسرائيل الظروف القائمة آنذاك لدفع أهدافها الاستراتيجية. وتصاعدت الأعمال العسكرية الإسرائيلية في المنطقة، حيث شرعت بالتصعيد العسكري الفوري والاستيلاء على أراضٍ خارج المنطقة العازلة، وفي ريف القنيطرة وصولًا إلى مشارف ريف دمشق.
يرتبط مشروع “ممر داوود” بفكرة “إسرائيل الكبرى”، وهو مفهوم يتجاوز الأبعاد التاريخية والدينية، إذ يسعى إلى توسيع السيطرة الإسرائيلية جغرافيًا. يعتمد المشروع على سردية توراتية تتعلق بحكم الملك داوود لتبرير الطموحات الإسرائيلية في التوسع الإقليمي. ويهدف المشروع إلى إنشاء ممر يمتد من مرتفعات الجولان عبر جنوب سوريا وصولًا إلى نهر الفرات، مما يعزز السيطرة الإسرائيلية.
يسعى المشروع إلى تحقيق مصالح إسرائيل عبر تأمين موارد مائية ونفطية لتحقيق أهداف جيوسياسية، مستهدفًا وحدة سوريا وسيادتها. كما يهدف هذا التوجه الاستراتيجي نحو التفتيت إلى خلق مناطق نفوذ إسرائيلية على امتداد الإقليم.
ويأتي التحول إلى مركز اقتصادي إقليمي ضمن أهداف المشروع، مما قد يسهم في تعزيز دور إسرائيل في المبادرات التجارية العالمية. وتكشف هذه الأبعاد السياسية والاقتصادية أن تأسيس “ممر داوود” قد تكون له تداعيات كبيرة على جغرافية المنطقة وسياساتها.
وعليه، فإن سيناريو “ممر داوود” يحمل في طياته تحديات كبيرة لسوريا، التي ستكون الخاسر الأكبر في حال تحقق المشروع عبر أراضيها، إذ يسعى إلى إعادة تشكيل سوريا عبر تقسيمها وإضعاف الحكومة المركزية في دمشق، ومنعها من استعادة السيطرة الكاملة على أراضيها الجنوبية والشرقية، مما يزيد من تعقيد الأوضاع السياسية في المنطقة. كما يُعتبر التركيز على حماية الأقليات غطاءً لتمرير الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية.
التحديات التي تواجهها سوريا، ومن بينها مشاريع الفتنة والتقسيم، تؤكد أن طريق الاستقرار والتعافي والازدهار ليس مفروشًا بالورود. وعلى الجميع التعقل والتنبه للأخطار المحدقة بالبلد، الذي لم تمضِ على ولادة عهده الجديد سوى أشهر قليلة. إلا أن المشوار طويل، ويجب أن نسير فيه معًا كسوريين بمختلف أطيافنا ومكوناتنا، حتى نصل إلى شاطئ الأمان.