النحات منافيخي: أتمنى تأمين مراسم ومشاغل للفنانين عوضاً عن التي دمرها الإرهاب

الجماهير- بيانكا ماضيّة

إن تابعنا مسيرة حياة كل مبدع قدم للبشرية علماً أو فناً أو اختراعاً ما، نجد أن الأغلبية ظهرت بوادر فنهم وإبداعهم منذ طفولتهم، فهي نقطة البداية، ومنها ينطلق في مسيرة حياته.
عشق الفن منذ طفولته، وحينها بدأ بممارسته بشكل بدائي، ولكن من يمتلك بذور الفن سيعمل على تطوير تجربته.. هذا ما حصل مع الفنان النحات عبد القادر منافيخي، إذ صقل موهبته الذي ظهرت في طفولته، ليدخل عالم الفن بإبداعاته في مجال النحت. “أنا نحات بالفطرة وهاو ولست محترفاً” هكذا يقول عن نفسه وهو ينحت في الصخر والمرمر والخشب أشكالاً تجريدية وأخرى مثلت تجربته مع الحرف العربي، ومن ثم تناوله معاناة الإنسان خلال الحرب وخاصة في حلب، ولذا يغلب على أعماله جمعه ما بين الأصالة والمعاصرة.
تتلمذ على يدي الفنان حيدر يازجي، ثم انتسب إلى مركز الفنون التشكيلية بحلب، وتخرج فيه عام 1970، وفي العام 1972 تتلمذ على يدي الفنان إسماعيل حسني، وفي العام 1976 افتتح مرسماً خاصاً به في حي الكلاسة، وأنجز لوحات زيتية بالتعاون مع زميله الفنان إسماعيل حسني. تربطه بالفنان وحيد اسطنبولي علاقة التلمذة. عن هذه العلاقة يقول الفنان منافيخي: اشتغلنا معاً في تمثال الشيخ محمد بن سنان البتاني العالم الفلكي الذي عاش في الرقة سنة 300 هجرية، ونحتنا أعمالاً عديدة في مرسمي ضمن مراسم جمعية أصدقاء فتحي محمد للفنون التشكيلية بحلب في ريف حلب الغربي.


يشغل حالياً نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية المتحدة، ونائب رئيس جمعية أصدقاء فتحي محمد للفنون التشكيلية بحلب، وهو عضو في جمعية العاديات، وفي العام 1990 كان عضواً في مجلس المدينة، لجنة الثقافة والآثار والسياحة مع المهندس عبدالله حجار، وساهم في بناء مقر نقابة الفنون الجميلة، وكان أول رئيس مجلس إدارة للجمعية التعاونية السكنية للعاملين في الفنون الجميلة.. كرّم من قبل مديرية الثقافة بحلب، بمناسبة الذكرى التاسعة والخمسين لتأسيس الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون على مدرج دار الكتب الوطنية, تقديراً لمشواره الفني الطويل، ولمساهماته التأسيسية والإدارية والتنظيمية للعديد من المراكز والجمعيات الثقافية والمراسم الفنية، إضافة لدوره في التدريس الفني، في مركز الفنون التشكيلية في مطلع التسعينيات.‏
استطاع منافيخي الوصول بسهولة إلى المتلقي فهو فنان قادر على أن يجذب الأنظار بتلك المنحوتات التي تعاطف فيها مع الإنسان، إحساسه المرهف وإتقانه العمل بدقة يجعلك تدرك أي هدف يبتغي الوصول إليه .. فيما تنوعت منحوتاته التي تناول فيها الحرف العربي فكان لها دلالاتها الروحية والجمالية أيضاً.
تكويناته الإبداعية تمتلئ بالمعنى الروحي وبالرمز الديني، فيده التي تعمل بالإزميل والمطرقة تبتعد عما هو كلاسيكي، إذ هو اتجه نحو مصدر الروح، مهتماً بالمعنى، مركزاً أيضاً على روح الحرف ليعطيه تشكيلات لاعدد لها بطريقة فنية تشكيلية جديدة ومعاصرة.
في أعماله نجد تلك المهارة في الأسلوب، والاستثمار المميز للتراث عبر طريقة استخدام الخامات، فالحجر والخشب والمرمر تتحول إلى أعمال جميلة يطلقها منافيخي في الفضاء لتحاكي الفراغ.
عن معاناته في الحرب ومتابعته النحت رغم تلك المعاناة يقول بحرقة: منذ تسع سنوات نزحنا من مشغلنا، إذ قطعت المجموعات الإرهابية الأشجار، وكسرت المنحوتات.. في بداية الأحداث حين لم يكن هناك كهرباء وﻻ وسائل للتدفئة جلبت أخشاباً لأحرقها، فلم أستطع، إذ تربطني بالخشب علاقة ود، فبدأت بنحته، بينما أحرقت النشارة لنستدفئ.
ويتابع: كنت أنحت المرمر الإيطالي والصخر السوري الحلبي ولكن لعدم وجود الكهرباء والمنحت اتجهت للخشب فنحت أسماء الله الحسنى وجسدت جمالية الحرف والخط العربي بتلك المواد.
لم أترك حلب يوماً، وحالياً أنحت في الملجأ، والحمد لله عدت إلى النحت على المرمر بعد تأمين الكهرباء لحلب، وقد أقمت معارض عديدة في حلب.
عن اتجاهه للنحت من خلال الخشب يقول الفنان بشار برازي: منافيخي هو النحات الوحيد الذي يستخدم هذا النوع من النحت بخشب شجر الزيتون فمنحوتاته تعبر عن حالة تراكم جمالي وتعد جزءاً من امتدادات بصرية متوازنة ومدروسة من كل الجهات بأكثر من بعد.
إذن من خلال نحته أسماء الله الحسنى نجد تلك القيمة الجمالية والبصرية والوظيفية التي هدفها الحق والخير والجمال، هذه القيم هي التي أظهرتها منحوتاته تلك بالطريقة الإبداعية التي لامس بها المادة الخام.
ومن خلال الخبرة المكتسبة والممارسة المكثفة في البحث والتجريب، والتراكم المعرفي والعملي امتلك مفاصل لغة النحت التشكيلية وتقنياتها، مما أعطاه قدرة كبيرة على تنفيذ الأعمال وفرضها على المادة.
قال عن تجربته الناقد محمود مكي: دخل الفنان عبد القادر منافيخي عالم الفن بدم الشباب وبتجربة ذاتية وبطموح كبير. وبنظرة شاملة على مجموعة أعماله النحتية نجد أن تجربته اعتمدت على قيم إنسانية وأفكار اجتماعية وقومية أسستها التقاليد والعادات الشعبية، والحياة العصرية، وهموم الإنسان، وبالنسبة للمواضيع التي اختارها فهي مواضيع غنية شكلاً ومضموناً استطاع منافيخي تقديمها بقوالب فنية تتوازن فيها الكتلة مع الفراغ، فأعطاها سهولة الخط وليونته وانسياباته العارية التي لا تحدها نهاية أو بداية في تجاعيد الجسد الإنساني أثناء المؤثرات النفسية الداخلية والخارجية المضطربة والمستقرة…إن شخصيات الفنان منافيخي التي يقدمها كشرائح إنسانية تعيش ذروة انفعالاتها الإنسانية وصراعها الداخلي ولكنه يحافظ بمهارة على جمالها الشكلي وتناسقها في الحركة والكتلة المتشكلة.
الفنانون اليوم يعانون من مشكلات عديدة، منها ما يتعلق بالمادة الخام، ومنها ما يتعلق بالتسويق، وببيع نتاجاتهم الإبداعية، نسأل الفنان منافيخي السؤال الآتي: هل ترى اليوم اهتماماً بالفن والفنانين مما يساعدهم في تجاوز الصعوبات التي يعانوا منها حالياً؟!
يجيب: حلب ليس لها ممثل في اتحاد الفنانين التشكيليين في دمشق، وأرجو من الاتحاد دعم الراتب التقاعدي للفنان، أغلب الزملاء ترك الفن فهو برأيه لم يعد يطعم خبزاً، فذهب وعمل كمهندس ديكور، وهناك عدد قليل من الفنانين مارسوا وتابعوا وأغلبهم ترك البلد، كما أتمنى على مجلس المدينة بحلب تأسيس لجنة النصب التذكارية لكي ﻻ يكون النصب عشوائياً. ونتمنى على مجلس المحافظة ومجلس المدينة أيضاً إقامة ملتقى لفناني حلب فقط ليوفروا عليهم المصاريف، كما أتمنى تأمين مراسم ومشاغل للفنانين كخان الشونة للسياحة مثلاً.
رقم العدد 15911

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار