لماذا يكتب البعض بأسماء مستعارة في موقع التواصل الاجتماعي؟! (سيزيف السوري Sizeef Syrian) أنموذجاً!.

 

الجماهير – بيانكا ماضيّة

هل يختلف الهدف من الكتابة بأسماء مستعارة في الصحف، كما شاع وانتشر في أزمنة الصحف الورقيّة، عما هو في موقع التواصل الاجتماعي؟! ما الداعي لأن ينشئ البعض صفحات في هذا الموقع باسم مستعار؟! وخاصة ممن يكتبون المقالات والدراسات والأبحاث، ولديهم أفكارهم التنويرية التي يبتغون نشرها بين الملأ!.
ورغم أن الكتابة بالأسماء المستعارة تقليد صحفي قديم، إلا أن الدوافع والعوامل التي تجعل البعض ينشئ صفحة أو أكثر في موقع التواصل الاجتماعي، بدون ذكر الاسم الصريح، تختلف باختلاف الهدف الذي يسعى إليه هذا البعض، وفي مقالتنا هذه لن أتطرق إلى الأهداف الخسيسة التي تجعل البعض ينشئون صفحات لأهداف غير نبيلة وغير أخلاقية، فليس هذا هدف المقالة هذه، وإنما هدفها من أشرت إليهم سابقاً، ألا وهم المفكرون والكتّاب التنويريون.
كما لن أتطرق إلى الأدباء والشعراء والصحفيين الذين كتبوا عبر التاريخ بأسماء مستعارة، ولكل واحد منهم سبب خاص به مردّه إلى ذلك التخفّي الذي يعشقه الكاتب لتدوينه كل ما يخطر على باله دون مساءلة أو محاكمة من أحد، فهذا الموضوع قد نتناوله في مقال آخر.
مايهمني في هذا المقال أن هناك أسماء اشتهرت في موقع التواصل الاجتماعي، اشتهرت للأسلوب الذي تكتب به، ونوعية المواضيع التي تتناولها، ومنها سيزيف السوري Sizeef Syrian وهو اسم لافت سعى منذ بداية الحرب إلى نشر الفكر السوري، و يقدم في كل مناسبة الأصل السوري لها، ليؤكد أن سورية مهد الحضارات والأبجدية والتاريخ. أساس موضوعاته هو التاريخ السوري، والسوريون في التاريخ، وحركة سورية عبر التاريخ بكل مافيها من فكر وسياسة واقتصاد وغيرها، فيربط مواضيعه بالتغيرات السياسية والاقتصادية، كل ذلك لغرض واحد وهو التطرق لحركة الفكر السوري عبر التاريخ، وما طرأ عليه، وعوامل تغيره، ووصولنا إلى هذه المرحلة .
سيزيف السوري يعد عبر هذا الفكر السوري الذي ينشره منارة تستضيء بها السفن الضالة عن طريقها، تستضيء بها العقول السورية التي تعي جيداً أي حضارة وأي تاريخ تتعشق بالتراب السوري.
“الجماهير” التقت سيزيف إلكترونيّاً، من دون معرفة هويته الحقيقية، لأن الفكر الذي ينشره وينثره في طيّات صفحته يشي بهويته السورية الحقيقية، فماذا يفيدنا مثلاً لو عرفنا من هو صاحب الصفحة في نهاية المطاف، ولم نستفد من طروحاته وأفكاره؟! ولأن الفكر هو الأساس كان السؤال عن بداية نشره هذا الفكر، يقول سيزيف:
في الأساس تورطت في إنشاء صفحة الفيس الخاصة بي بناء على دعوة من أصدقاء، وكان ذلك في بداية الحرب على سورية. كانت هناك هجمة في عدة مواقع خارج الفيس على وطننا، هجمة تاريخية دينية أخلاقية معرفية، وكان (مثقفونا) بمعظمهم صامتين كما رأيت ، أو واقفين على التلة ليروا إلى أين تميل الكفة، لذلك دعاني بعض من يثق بي للتصدي لهذه الحرب، لأنهم لم يقدروا على التصدي الكافي لها رغم محاولاتهم.. كنت في البداية ضد فكرة الفيسبوك؛ لأنني أعرف أن الفيس وجد لتوجيه الناس والتحكم بالرأي العام، مع مظهر خارجي هو التواصل الاجتماعي ، و قد رأينا دوره الكبير فيما سمي (الربيع العربي)، ولأنني رأيت عنف الهجمة وكثافتها، وبسبب إلحاح الأصدقاء، فتحت صفحة فيس في 2011، وبدأت بتوضيح الهوية السورية الأساسية ( بدلاً من الهويات الجزئية التي كانت تُطرَح في الهجمة المذكورة ) ، والفكر السوري، وكيف كنا، و ما الذي طرأ علينا ، و لماذا ، وكيف نخرج مما نحن فيه. وأحضرت أمثلة من ثقافة اليونان، وكيف كانوا ينظرون للسوريين، أحضرتها حتى لا يقال إننا شوفينيون وننسب كل شيء لنا كرواد للحضارة ، وركزت على طبيعة الصراع الحالي، الذي هو برأيي استمرارية لصراع قديم مستمر: بين الفكر السوري المنفتح الحضاري العمراني ، وبين الفكر المنغلق العنصري الوهابي، وتركز هذا الصراع في سورية رغم أنه صراع عالمي بين الخير والشر، بين الاستعمار بكل أشكاله القديمة و الحديثة ، و بين التحرر و الحرية ، وكذلك كتبت عن حقيقة المناسبات السورية من رأس سنة وعيد أم الخ، وحقيقة اللغة السورية الأم. بالإضافة إلى الألواح السيزيفية والتي هي من تأليفي، وقد أخفيتها بسبب السرقة والتشويه، وهي مكتوبة بأسلوب أجدادنا الملحمي، وتتكلم على المستقبل بصيغة الماضي، بعنوان سفر الأسفار السيزيفية.
*لماذا الاسم المستعار إذاً؟!
هناك أسباب عدة منها هو أني لا أحب الأضواء، وأرغب في أن يكون التواصل فكرياً فقط، لا أقارب ولا أصدقاء ولا مجاملات أو محاباة و لا شيئً آخر. لا يهمني عدد (اللايكات)، ما يهمني هو العقول التي تفكر، والتي تود تبادل المعرفة، وتحب المعرفة، وتحب سورية، لذلك أبقيت على (بروفايلي) ولم أعتمد صفحة شخصية مثلاً..
وقد ورد في أحد منشوراته القول الآتي: أرحب بالنقاش الجدلي البناء، الذي يقبل الآخر ولا يسيء له ولا يشهر به، وآمل الحفاظ على الأدبيات العامة، وعدم استخدام كلام نابٍ، أو جارح مهما كان موضوع النقاش أو درجة الخلاف أو الاختلاف.
ويتابع القول: وفي كل مناسبة سورية أذكّر بأساسها، حتى البربارة مثلاً، وعيد الرابع، ورأس السنة والنيروز إلخ، كلها أعياد سورية، وما تحويه لهجتنا المحلية من مفردات بالآلاف من لغتنا السورية الأم، لهجتنا خزان معرفي كامل، طبعاً مع هذه الحرب المعرفية، وحرب الهوية والوجود، يوجد كما تحدثنا حرب ميدانية خفية، حرب مع الصهاينة فكرياً و وجودياً .
ولكن في السنوات الأخيرة توقفت قليلاً عن نشر المقالات التاريخية لعدة أسباب، ومنها أنني رأيت الناس ينصرفون لاهتمامات عديدة منها الشخصي ومنها المصلحي ومنها ال (أنا)، فخففت من الكتابة في التاريخ، وركزت على المعرفة بشكل عام وعلى قيم المحبة والجمال نثراً أو شعراً، وأنه لا يوجد مقدس إلا العقل، العقل الذي يفكر.
*ولكنك مازلت متابعاً، هل ترى أن حربك هذه أتت أكلها بالنسبة للشعب السوري؟ هل وصلتهم أفكارك؟
ويجيب: كان تأثير أفكاري نسبياً طبعاً، ولأني أعرف ذلك مسبقاً، كنت سيزيف منذ البداية ، بما يحتويه هذا الاسم من مدلولات.
*لماذا تم اختيار اسم سيزيف السوري؟!
يقول في أحد منشوراته: سيزيف كان ملكاً لكورنثا اليونانية، استطاع أن يخدع ثاناتوس “إله الموت” بل وأن يقيده بالسلاسل، ليشله عن القيام بوظيفته، فكان أن غضب زيوس كبير الآلهة، فأمر بأن يرفع سيزيف صخرة ضخمة من أسفل التل/ الجبل إلى القمة، فلمّا رفعها أسقطها زيوس إلى الأسفل آمراً سيزيف أن يعود لرفعها، وكلما فعل ذلك هوت الصخرة إلى القاع، وهكذا إلى الأبد.
إنه التكرار العبثي المؤبد، اللاجدوى ، الدوران الكوني وتكرار الأحداث وتكرار الفرح والحزن والمعاناة و الألم، و قد يكون بعض ذلك دافعاً لانتحار بعض البشر، بسبب عبثية الحياة ، وعبثية الوجود، ورغم أنّ سيزيف يعرف ذلك، ويعرف النتيجة قبل أن يبدأ في كل مرة، إلا أنه كان لا يكفّ عن المحاولة وعن التحدي. لم يطلب رحمةً ولا عفواً، ربما ملّ زيوس هذا التكرار العبثيّ، وانصرف إلى باقي شؤونه ولهوه ونزواته، لكن سيزيف لم، ولن يتوقف، ولن يرتاح صعوداً أو نزولاً، ربما لأن ذلك قد أصبح ماهية وغاية وجوده، وربما هو مصمم على تحدي المقدسات أو القوانين الطبيعية، وربما حتى يتوازن الكون، والأشياء والعناصر وتكتمل دورة زمنية مقدرة..هنا، في هذا الدوران والتكرار والاكتمال، يلتقي ويتساوق، العَوْدُ الأبديّ لنيتشه، والمجال أو الحقل الموحد لآينشتاين، هي نظرية علمية لي، ولا مجال للتوسع في هذه النقطة الآن.
هذا عن سيزيف، الاسم والمدلول، بنظرة سيزيف السوري، أما لماذا (السوري) فلأن سورية، حسبما رأيت وما حصل لها عبر التاريخ حتى اليوم، هي برأيي السيزيف الأكبر، وأيضاً (السوري)، لأنني من روحها، روحها الكلية، وأتواصل معها بطريقتي وبطريقتها.
ماجعل مني سيزيفاً هو الكتابة للسوريين بغرض التنوير والمعرفة وليس لأهداف شخصية أو لأهداف جهة ما، وربما كانت الحرب، ومنشوراتي، كلها عبثية سيزيفية ، لكنه واجبي تجاه سورية، وسورية تعرف، وهي برأيي قد اختزنت فينا شيفرات عابرة للزمان، وقد جاء الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى ما خزنته فينا، ماجعلني سيزيفاً هو عدم الكلل والملل من الإجابة على سؤال ماذا بقي منك كسوري، و ماذا بقي من سوريتك؟! هذه قصة سيزيف.
*ألا تفكر في نشر ماكتبته على صفحتك ضمن كتيب صغير، أو في كتاب؟!
خلال السنوات الماضية وخاصة في عام 2014 تواصل معي عدة ناشرين وأدباء وشعراء من سورية ومن خارجها؛ لنشر بعض المقالات أو الألواح، أو كتيب أو كتاب، وتواصل منظمو نشاطات من أجل محاضرات أو أمسيات، لكنني اعتذرت كل مرة؛ لأنني لا أحب الأضواء من جهة، ولست كاتباً ولا شاعراً ، ولم يكن غرضي يوماً هو الظهور والشهرة أو المجد الشخصي، هذه أول مرة أتحدث لصديقة وأخت، وبشكل عام نادراً ما أرد على الخاص، قلت، هذه المرة، عسى أن يعرف السوريون شيئاً عن الحرب الخفية وإن برؤوس أقلام، وكذلك عن أنفسهم التي تم تغييبهم عنها، وعن حقيقتهم وهويتهم، وعن قدراتهم المخفية التي يمكن أن تقلب التاريخ والزمن إن أرادوا، وعملوا، لكن (ما أشطرنا) بالكلام، لمجرد الكلام، وسرقة الأفكار و المقالات جزئياً أو كلياً من بعضنا (وهذا موضوع ذو شجون)، وما أشطرنا بالسخرية على أنفسنا وعلى بلدنا، والانقسام والخلاف في كل شيء وعلى كل شيء للأسف، والأمثلة كثيرة على الفيسبوك خاصة في السنوات الأخيرة .
بعض أصدقاء صفحتي القدامى، يعرفون عن الكثير مما أتحدث عنه، حتى لا يأتي من يقول، السرية يمكن أن تخفي الكثير، وضمنه البطولات الوهمية، والتنظير وغيره، لكنني أترك الرد على ذلك للزمن، ولما تحتويه صفحتي من مقالات خلال سنوات، ولبعض الوقائع (الغامضة) خلال الحرب التي لم يجد أحد لها تفسيراً .
رقم العدد 16123

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار