الفنان والمخرج المسرحي عبد الحق ” للجماهير ” : المسرح الجامعي جيد ويمر بحالة استقرار .. نقدر كثيراً من لا ينظر للمسرح نظرة تجارية

الجماهير – أسماء خيرو

حياته رحلةٌ من العطاء، والشغف، والعمل المسرحي، لم يبخل فيها بنص يكتبه ،أو بشخصية يؤديها، أو عرض يخرجه، فنان متعدد المواهب، استطاع أن يجذب الجمهور بحضوره المتميز على خشبة المسرح ، هو رجل مبادئ عُرف بطيبةِ قلبهِ وتعاطفهِ مع أولئك الذين يحتاجون الدعم في حياتهم، ولقد انعكست إنسانيته هذه على نصوصه ،وأعمالهِ المسرحية، ينقد المجتمع ، بسلاحِ الفكاهة ، تعددت الموضوعات التي كتب فيها، حتى يمكن أن نقول عن أعماله أنها صدى للواقع في حلب، ولأن العطاء ميزة تحلى بها الفنان والمخرج المسرحي “سعيد عبد الحق “حين طلبت الجماهير الحوار معه لم يمتنع بل على العكس كان كريماً بوقته، وهذا ما جاء في نص الحوار معه …

*”خير الكلام ماقل ودل ” تلك كلمات وجدت كي نختزل بها مشواراً من العمر بأتراحهِ وأفراحهِ ، حبذا لو في كلمات تختزل مشوارك في العمل المسرحي .
مشواري في العمل المسرحي بدأ من على خشبة المسرح المدرسي ، عندما كنت طالباً في الصف السابع الإعدادي، في ثانوية سعد الله الجابري ،في تلك الأيام انضممت إلى فرقة الأحلام المسرحية لليافعين ،وأديت دوراً صغيراً في مسرحية ( لا للنفوس الضعيفة ) وهكذا توالت عليّ الأدوار مع هذه الفرقة إلى أن انتسبت إلى جامعة حلب ،وهناك عملت مع فرق مسرحية عديدة أذكر منها ( فرقة الأحلام الوردية – وفرقة النجم – وفرقة من هنا نبدأ) ثم بعد ذلك أسست فرقة الأحلام المسرحية من طلاب وطالبات جامعة حلب، وقدمنا العديد من العروض المسرحية منها ( باي باي يا ضمير – واضحك أنت عربي – وأنفلونزا الحب) وغيرها ، حتى أضحى لدي ذخيرة لايستهان بها من الأعمال المسرحية، ذات المضمون الكوميدي الاجتماعي وغيرها، وإضافة إلى أعمالي في المسرح اشتركت في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية وكانت البداية، دور في فيلم ( تراب الغرباء)، وبالمناسبة النصوص المسرحية ،التي أخذت صدى كبير على المستوى الثقافي، والمحلي هي من تأليفي وإخراجي ومن تمثيل طلاب وطالبات جامعة حلب .

*نحن كبشر مسؤولون عن خياراتنا في الحياة سواء كانت سلبية أم إيجابية ، لماذا اخترت المسرح والتمثيل، وأنت كما أخبرتني تعمل في مجال التدريس أي أن مهنة التمثيل هواية بالنسبة لك ؟ وهل أنت راضٍ اليوم عن خيارك هذا ؟
نعم صدقتِ نحن مسؤولون عن خياراتنا ،حتى أننا نتحمل النتيجة مهما كانت دون أن نعترض أو نتأفف ، لأنها جاءت عن قناعة من داخلنا، واختياري للمسرح لأني أعتبره منارة ثقافية، لا تنطفئ عبر الأزمنة ،فأنا من خلاله يمكن أن أقدم ما أحس به، وأن أوجه رسائل مختلفة، إنسانية ،وسياسية، واقتصادية واجتماعية، وتوعوية للجمهور، وأسلط على قضايا قابعة في الظلام ، واليوم بعد هذا المشوار الطويل على خشبة المسرح أنا راض كل الرضا عن خياري هذا ، لأني أنجزت ما أحب ، فالشغف والعشق الذي بداخلي لخشبة المسرح، جعلني أُبدع، وهذا لا يعني أني لم أواجه أية عقبة ،لأني سلكت هذا الطريق، لقد واجهت معارضة كبيرة من عائلتي في بداية عملي ولكني لم أستسلم ، وقررت أن أتحمل مسؤولية قراري كي أحقق ما أحبه ، وبالفعل حققت ما أصبو إليه، وبعد هذا المشوار الطويل، أعتقد أن خياري كان صائباً .

*ذكرت في بداية حديثك أنك عملت في التلفاز في العديد من الأعمال أُذكر لي بعضاً منها ؟ وما الذي جعلك تتجه نحو الأعمال التلفزيونية وأنت عاشق للمسرح ؟
من المسلسلات التي شاركت بها في التلفاز هم ( خان الحرير – والفراري -وعرس حلبي – والوردة الأخيرة – التغريبة الفلسطينية – باب المقام – زمن البرغوت – يوميات مدير عام. ) وأدواري في هذه الأعمال التلفزيونية كانت أغلبها ثانوية ، وماجعلني أرغب بالعمل في التلفاز هو جمالية الانتشار، والمعرفة الواسعة، فالتلفاز إضافة لبريق الشهرة الذي يحققه هو يصل إلى أكبر شريحة في المجتمع، ويحقق انتشاراً واسعاً للفنان ، وبالرغم من أني اتجهت نحوه ولكني مازلت أعمل في المسرح لأن العمل على خشبة المسرح فيه متعة لا يحسها إلا من خاض التجربة.

*في الحياة لابد من وجود” عراب ” كي يدلنا على الطريق ويأخذ بيدنا من هو عرابك ؟ ولماذا تقدم المسرح الشعبي الذي تطغى عليه اللغة العامية ؟ وأين المسرح الجاد اليوم لماذا لا يحظى بالمتابعة كالمسرح الشعبي ؟
حقيقة كنت عراب حالي ومازلت -وبكلامي هذا أنا لا أنكر فضل أي إنسان، كان عونا لي في مرحلة ما، ولكن إنها الحقيقة فلو كان هناك إنسان دعمني في بداية حياتي، أنا اليوم كنت قد وصلت إلى مستويات عالية ، يمكن أن أقول أن الاجتهاد الشخصي هو عرابي ، فبه طورت ثقافتي وأدائي المسرحي والإخراجي . كنت أراقب كل ممثل مبدع وأتابعه ، سواء كان في التلفزيون، أو المسرح، أو السينما ، دأبت على حضور كل المسرحيات الناجحة والفاشلة كي أتعلم من السلبيات، والإيجابيات وكنت أدرس رد فعل الجمهور مدى رضاهم عن الأعمال كي أستطيع أن أقدم لهم أعمالا تليق بهم .
وأقدم المسرح الشعبي لأن الشريحة الأكبر من الناس هي الشريحة الشعبية ،إضافة إلى أن هناك إقبالا على المسرحيات ذات الطابع الشعبي التي تتكلم العامية أكثر من المسرحيات الجادة، لأنها تعالج مواضيع قريبة من نمط حياتهم اليومية ، وعندما أقدم لهم عملا ً بالعامية ، يصل إليهم بشكل أسرع لأنه قريب من بيئتهم الاجتماعية ، يتحدث لغتهم المحلية ، أما بالنسبة للمسرح الجاد فمازال موجودا وله متابعون من النخبة المثقفة، وكونه لايحظى بالمتابعة كالمسرح الشعبي، لأن الجمهور اختلف ذوقه ، يرفض متابعة النصوص الجادة، و يرغب بأن يشاهد أعمالا قريبة لبيئته، تمس واقعه الذي يعيش فيه .

* أخبرتني أنك شاركت في العديد من الأعمال المسرحية مع الأطفال، ومؤخراً كان لك مشاركة في العرض المسرحي ( وجهات نظر ) للمخرج مصطفى آغا مع المكفوفين حدثني عن هاتين التجربتين ؟
عملي مع الأطفال كان فيه الكثير من المتعة ، جعلني أكتشف أن مسرح الأطفال من أصعب المسارح في العالم ، لأن التعامل مع الطفل له معايير على الإنسان أن يراعيها عند مخاطبة الطفل كي لا يفشل ، عليه أن يقترب من تفكير الطفل حتى يستطيع أن يستحوذ على تفكيره ويجذبه إلى ما يريد ، وعلينا ألا نستهين بقدرات الطفل فهو حساس وذكي جداً يمتلك كاميرا عقلية، يراقب ويخزن فيها أدق التفاصيل ويحفظها ويثبتها.
أما بالنسبة لتجربتي مع المكفوفين كانت رائعة جدا لأنها أثبت لي أن الكفيف ليس كفيف البصر، بل كفيف العقل والفكر ، عرّفتني إلى أناس مميزين وأذكياء جداً وأضافت لي الخبرة، فلقد أصبحت أعرف كيفية التعامل مع المكفوف ، من هو؟ مم يخاف ؟ما الذي يتضايق منه ؟ وبمعنى آخر منحتني الفهم الكامل لطريقة تفكيره .. هم أناس جديرون بأن يحظوا باهتمام أكبر من المجتمع، إنهم باختصار عباقرة .

*كونك مؤسس فرقة الأحلام المسرحية ما هو رأيك بالمسرح الجامعي وماهي الصعوبات التي تواجهه؟
المسرح الجامعي برأيي جيد ويمر بحالة استقرار نوعاً ما ، ولكن للأسف الجهات المعنية لاتحاول النهوض بالمسرح، لذلك هو في مرحلة خمول ، ما يحتاجه المسرح اليوم، أن يكون هناك المزيد من العروض ، و المزيد من التسويق للأعمال المسرحية في خارج الحرم الجامعي ، وهذه الخطوة قمت بها باجتهاد شخصي، ففي كل عمل مسرحي أقوم بوضع إعلانات عن العمل في داخل الجامعة، وخارجها ، كي أجذب شريحة واسعة من المجتمع بمختلف فئاته العمرية، لأن هدف أعمالي تقديم فكرة وعبرة، ليس فقط الفكاهة، وأكثر الصعوبات التي تواجه المسرح هو عدم الاهتمام ، والافتقاد للتشجيع ، والتدخل بالعمل ، وضعف الإمكانات والتي يمكن أن أصفها بأنها شبه معدومة .

* أعمالك جلها كوميدية هل صحيح أن الضحكة تنبع من قلب حزين ؟ وكيف للحزن أن يتحول إلى فكاهة ومواقف ضاحكة ؟ ومتى تتملكك التراجيديا ؟
نعم صحيح الإنسان القادر على أن يضحك الناس هو إنسان يحمل في داخله قلبا حزيناً ، وحزينا جداً ، ولكنه بالرغم من ذلك يصنع من الدمعة فرحة عن طريق تحويل الألم الذي بداخله إلى مشاهد ضاحكة، كي يدور في فلك النسيان، ويتحول الحزن إلى فكاهة ومواقف ضاحكة عندما يقرر الإنسان أن من واجبه أن يستمر في الحياة وأن ينتصر على الآلام، والأحزان ، بالفرح والسعادة ، حتى وإن كانت ليست نابعة من داخله ، والتراجيديا تتملكني عندما أتحدث عن الوطن ، فسورية عندما أتكلم عنها أحس بأني أتكلم عن أمي، وأتحدى أي إنسان في العالم، حين تقولين له حدثني عن والدتك، إلا وتتملكه التراجيديا ، ويذرف الدمع لأن الأم – خط أحمر – لا يجب لأي أحد أيا كان أن يمسه أو يتسبب له بالأذى ..

*والآن لنبتعد عن التراجيديا والحزن ، هل صحيح أن لك مقولات خاصة بك تختتم بها كل عرض مسرحي تشارك به ؟ اختم لي حوارنا هذا بأحد مقولاتك وبأعمالك التي هي قيد الإنجاز وبكلمات ترغب أن تقولها ..
كان هناك عمل من المقرر عرضه في ١٥ / ٣ ولكنه تأجل بسبب كورونا، وإن شاء الله ، سيتم عرضه في المستقبل ، حين تسمح الظروف، هو مسرحية بعنوان ( كورونا ) من تأليف الشاب ليث زيني .. أيضا هناك أعمال تلفزيونية سأشارك فيها في المستقبل القريب وآمل أن تنال إعجاب الجمهور ..
نعم بالفعل ، أنا لدي الكثير من المقولات الوطنية الخاصة بي ، أختم بها كل عمل مسرحي ، وهذه إحداها ، وهي موجهة لكل إنسان حاول أن يدمر سورية. ( روحو قولوا لكل إنسان تآمر على سورية، لكل إنسان ضرب سورية بسيف الغدر، لكل إنسان راهن على سورية وعلى سقوط سورية، روحو جنوا نطوا، لسه سورية بخير ) ..
وما أرغب أن أختم به حواري هذا، أولا ً أن أقدم الشكر الجزيل لجريدة الجماهير وكل وسيلة إعلامية تسلط الضوء وتهتم بالفن والفنانين ، لأن الاهتمام سيولد لديّ ولدى كل فنان ، وأديب ، ومثقف ، دافعاً للاستمرار بالعطاء ، كما أريد أن أشكر كل إنسان يدعم المسرح ولا ينظر إليه نظرة تجارية، لأن المسرح هو أبو الفنون وهو منارة علم وثقافة ، يجب أن نعمل على تطويره وتحديثه، من خلال الاهتمام بالمبدعين والمفكرين، وتقديم النصوص الراقية والهادفة.
رقم العدد ١٦١٤١

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار