المسرح…هل يعيش زمن تراجعه العقاد : العرض المسرحي فيه من الابتسامة بقدر مافيه من الفكر .. الداية : النشاط المسرحي موجات سريعة تتضمن عروضاً متفرقة

 

الجماهير – عتاب ضويحي

قال الفيلسوف اليوناني أرسطو (أراهن على بقاء المسرح للأبد لأنه يرتبط برغبة إنسانية أساسية ألا وهي التعبير عن المشاعر وتشخيصها وهذا مايفعله المسرح).
في يومنا هذا كيف هي حال أبو الفنون ؟ هل بقي أم أنه يعيش زمن تراجعه؟ وماهي نقاط الضعف وماهي مشكلاته التي يعانيها؟ وماهي الحلول الواجبة لتعيد للمسرح حياته وحيويته؟
أسئلة طرحتها” الجماهير “على أهل الخبرة والاختصاص ممن لهم باع طويل في العمل المسرحي كتابة وإخراجا ونقداً.
وبداية الكلام نستهله مع المخرج والكاتب المسرحي نادر عقاد الذي عشق المسرح ويعتبره وخشبته أمراً مهما لاتجاوز فيه ولا مجاملة.
هل يعيش المسرح اليوم زمن التراجع؟!
لا نستطيع القول بأنه يعيش زمن التراجع، فالمسرح خاصة في السنوات العشر الأخيرة قدم عروضا كثيرة لكنها تفتقد للتطور والتقنيات الحديثة، صحيح هناك كم لكن على حساب النوع، ربما تسببت الأزمة بعدم تطور المسرح الذي لايمكن أن يتطور إلا بتطور الممثل الدارس لكل المدارس المسرحية والتمثيلية والمخرج المتابع لآخر المستجدات والتقنيات العالمية.
ماهي نقاط الضعف التي يعانيها المسرح؟!
مسرحنا بحاجة لبيئة حاضنة وهمة قوية من شباب مطلع ومثقف ومتابع، لدينا مواهب كثيرة متعددة ومميزة، لكن مع الأسف الشديد تحتاج إلى الرعاية وإلى دفعة من الثقافة والتوعية لينهض معها المسرح من جديد، فالموهبة وحدها غير كافية لأن الممثل عندئذ سيكون مجرد مؤد أكثر من كونه ممثلاً.
ماهي عناصر المسرح الأساسية التي كلما زاد معرفة المخرج بها أصبح مبدعا؟
لاحدود للمخرج، يجب أن يعرف شيئاً من كل شيء، وعليه ألا يحصر نفسه في اتجاه واحد، وأن يتعرف على التقنيات الحديثة والإضاءة والصوت.
الممثل وخشبة المسرح وسيلتا إخراج.. ماهو واقع الاهتمام بهما؟
عندما يلتقي المخرج والممثل المبدعان يتولد بينهما حوارا بحاجة للاستمرار والغوص في فهم الشخصية ليرتقي بالنص والعرض المسرحيين. أما بالنسبة لخشبة المسرح فهي مطواعة وللمخرج الحرية بأن يتعامل معها كما يريد “سريالية، كلاسيكية، شرطية ورمزية” ماعليه سوى عمل سينوغرافيا تتلاءم مع العرض بالتعاون مع مهندس الديكور.
وبعد أن ألغى “بريخت” التقاليد الكلاسيكية القديمة التي كانت تقيد الممثل على المسرح أصبح كل شيء ممكناً، شرط تحقيق الإقناع من خلال صدق الأفعال.
مارأيك بتلفزة العمل المسرحي؟
التلفزة تفقد العرض المسرحي روحه الأساسية، وهي الربط الحي مابين المتفرج والممثل وتقتل استمتاع الممثل بردات فعل جمهوره. صحيح أن التلفزة تزيد من انتشاره لكنها تفقده المباشرة مع المتلقي.
نرى الآن مخرجاً وممثلاً وكاتباً بشخصية واحدة ماتعليقك؟
أنا واحد من الأشخاص ممن يكتب ويخرج لكني لم أجرؤ على الكتابة إلا بعد 15 عاما من الإخراج، ويضطر المخرج للكتابة؛ لإعطاء أفق إخراجي جديد، فالنص المسرحي بمثابة لوحة تشكيلية فيه من الابتسامة بقدر مافيه من الفكر، وأنا ضد فكرة أن يكون المخرج مؤلفاً ثانياً للنص.
المسرح مرتبط بالكوميديا ما الفرق بين التهريج والإضحاك؟
الفرق مابين التهريج والإضحاك قيد شعرة، التهريج فن صعب قائم بذاته، ويجب استخدامه في الزمان المناسب، والكوميديا الحقيقية هي من تخرج تلقائيا من داخل شخصية الممثل بعكس الإسفاف الذي يكون دخيلاً على الشخصية.
مارأيك بالمواهب الشبابية الحالية تمثيلا وإخراجا؟
في الحقيقة ضم مهرجانا المونودراما الأول والثاني العديد من المواهب الشابة المميزة إخراجا وتمثيلا لكنها بحاجة للدعم والمتابعة من خلال إعادة تفعيل دور مختبر الإخراج الذي خرج مجموعة مميزة من الشباب الموهوبين واستغلال مواهبهم بإعادة روح المسرح وتجديد طاقته.
لابد من حلول لنعيد للمسرح نبضه ماهي الحلول برأيك؟
الحل الأول متابعة الشباب وتطوير قدراتهم بشكل مستمر من قبل مديرية ثقافة حلب ومسرح حلب القومي، ومتابعة المخرجين والممثلين واطلاعهم على أهم التطورات المسرحية الفكرية والتقنية وتشجيعهم على القراءة، وعلى المخرج أن يستلم النص من البداية للنهاية، ولايمكن للمسرح أن يتعافى من وباء الاستسهال والسطحية إلا عن طريق الثقافة والإخلاص للمهنة والمسرح.
لابد للنقد المسرحي أن يقول كلمته!.


الدكتور فايز الداية الناقد المسرحي حدثنا عن المسرح في حلب قائلاً: شجون كثيرة تتداعى عند حديثنا عن المسرح في حلب، وقد عايشتُه في مراحله الحديثة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين (1971) أيام مسرح الشعب وما وراءها، رغم أسفاري وارتحالي المتعدد لسنوات في القاهرة وصنعاء والكويت، وأجدني في هذه اﻵونة القريبة أمام تسارع صوره وأصداء عروضه تخرج من قاعات في حلب على وجوه شاهدت، وفي شفاه ترسم ما رأته العيون، وهنا أسجل واقعاً اليوم يشتمل على كثرة في عروض على خشبات المسارح، وقد أتاح المسرح القومي بحلب بإدارة اﻷستاذ جابر الساجور فرصاً عديدة، أغلبها للشباب في أعمال مفردة، وفي مهرجانين للمونودراما بجوار عروض أخرجها رواد المسرح من الكهول والشيوخ، وأسهمت مشاريع نقابة الفنانين بإعطاء فرص للعاملين في المسرح، وهناك من غامروا بعروض خاصة.
لو تحدثنا عن تاريخ المسرح في حلب؟
تأخذ نشوة الماضي بعضاً منا ليقول إن تاريخ المسرح في حلب قديم ولا يبتعد عما عُرف في دمشق، فقد عُرضت مسرحية (بريجيت) في المدرسة المارونية بحلب لمؤلفها يوسف نعمة الله جد سنة 1872، وهذا قريب من تاريخ إنشاء مسرح أبي خليل القباني الرائد الكبير في الوطن العربي في دمشق سنة 1865، ويزداد إيقاع الحديث حرارة ليسرد أسماء عشرات الفرق التي قدمت عروضاً في المدارس أو في صالات السينما أو على منصات في متنزهات صيفية عبر عقود تتابعت حتى أواخر ستينيات القرن العشرين، وقد نجد صوراً تذكارية تؤكد تلك العروض هنا وهناك، وتعاودنا اﻷسئلة المتأملة: كم دامت هذه الفرقة أو تلك؟ وكم موسماً تابعت فيه نشاطها؟ ومن هو المؤلف الذي قدَّم نصوصاً متتابعة؟، ومن هو الفنان الذي أخلص جهده وحياته للمسرح؟ إننا لا نجد ديمومة للنشاط المسرحي ولا تبلور بيئة مسرحية بفنانيها ومؤلفيها وبخبرات مميزة واتجاهات فنية، لقد كان النشاط المسرحي موجات سريعة تتضمن بعض العروض المتفرقة، ثم ينفضُّ الجمع من غير تراكم فكري ولا فني يجعل هذا الفن في جديلة ممتدة تزداد نوعياً لدى (أهل المسرح)، فرغم الحماسة والبهجة المصاحبة يغادر كل إلى شأنه في مسارات الحياة اليومية في وظائف وأعمال متنوعة، فلا فرقة مؤسسية رسمية تضمهم بأبعاد اقتصادية وفنية ولا فرقة أهلية تعمل برؤية إيجابية لاستمرار العطاء المسرحي، وكذلك لا نجد الجمهور المسرحي الدائم، ولا تغلغل الثقافة المسرحية جزءاً من اﻹحساس الفني الجمعي كالذي نراه من الاهتمام بالموسيقا التراثية من الموشحات والقدود والتواشيح وتداولها، بكلمة موجزة لم يأخذ المسرح موقعاً ليكون حاجة في البنية الحضارية المجتمعية، وفوق ذلك كلِّه لا نجد خلال مئة وخمسين عاماً مسرحاً بُني ليضم هيئة متكاملة للإبداع المسرحي في حلب، وإنما هي صالات في مدارس أو جوانب في المقاهي أو بعض النوادي ثم في بعض المقاصف الصيفية أو صالات السينما، وهذه كلها لا تعطي فرصة عروض فنية حقيقية بما يجعل الناس تكتسب الجمال والفكر، وينمو كيان جمهور المسرح الحاضن له والمتابع بما يضمن بقاءه أجيالاً متتابعة.( وحتى عندما أنشئ مسرح نقابة الفنانين في الثمانينيات بحلب كان تحويلاً لصالة سينمائية في حي الجميلية).
وكانت المحاولة الجادة في نهاية ستينيات القرن العشرين ﻹنشاء فرقة مسرح الشعب بحلب، وذلك برعاية البلدية، فقدمت عروضاً لمواسم معدودة ثم ألغت البلدية دعمها ولم يلتئم الشمل إلا مع تشكيل فرقة المسرح القومي التابعة لمديرية المسارح والموسيقا بدمشق في مطلع الثمانينيات، وشهدت حلب عروضاً جيدة، وبرزت أسماء في اﻹخراج والتمثيل، وكانت مصاحبة لكتابة مسرحية متتابعة لدى ثلاثة مؤلفين: ( وليد إخلاصي وعبد الفتاح قلعجي ومحمد أبو معتوق) ثم تباعدت تلك العروض وتضاءل عددها، وملأ الفراغ نوع من المسرح اﻻستهلاكي (التجاري) الصاخب، وبرزت جاذبية اﻷعمال الدرامية في التلفاز مادياً وإعلامياً التي التحق بها عدد من فناني المسرح.
نحاول اليوم أن نصحب معنا تفاؤلاً بما نراه من حماسة تبدو في نشاط ومواعيد كثيرة للعروض، وانشغال بأكثر من عمل في وقت واحد حتى إنه يشكل إرباكاً لحركة من يقومون بالإخراج.
نطرح السؤال المؤرِّق لماذا لم نشكِّل جمهوراً مسرحياً لا على المستوى العام في المجتمع، ولا على مستوى المثقفين وجيل الشباب؟
بنظرة إيجابية نعيد التساؤل بطريقة أخرى لا تتجاهل الحقيقة ولكنها تحاول الوصول إلى الخيط اﻷبيض لنهار قادم للمسرح في حلب: كيف نشكِّل جمهوراً يشاهد العروض ويدفع ثمن التذكرة لكل أنواع المسرحيات سواء ما كان منها قديماً أو حديثاً، ومن المسرح العالمي أو العربي، وما كان من كوميديا أو ما جاء في إطار درامي مركَّب؟! ونتجاوز جمهور الحفلة الواحدة المجانية وفيها أصدقاء وأقارب ومتفرجون استعراضيون كما يحدث في المهرجانات أو في حفلات طلابية خاصة مع حالات الكوميديا، فما يبدو إقبالاً على المسرح يتلاشى، فلا نرى هؤلاء يحضرون في اﻷعمال المعروضة خارج المهرجان سواء كانت العروض مجانية أو تتطلب دفع ثمن التذكرة؟
هل هناك من إشارات لمستقبل المسرح في حلب ؟
لا أرغب اﻵن في تناول نقدي تفصيلي لما يقدَّم من عروض على الخشبات في حلب وما حولها، وكنت كتبت حول النشاط المسرحي وعن الكتاب في مقالات في الصحف والمجلات وفي برامجي التي قدمتها في إذاعتي دمشق وحلب منذ 1971 بدأت بجريدة الجماهير وجريدة الثورة ومجلة الموقف اﻷدبي حتى ٢٠١٨ مع مجلة الشهباء الثقافية بحلب، وأفضل فتح حوار ومكاشفة يتناولان 🙁 كيف تتحول العروض المقدمة في حلب اليوم على كثرتها، وجهود حشد الشباب العاملين فيها إلى حركة مسرحية لها قوامها ومعالمها المميزة، وقادرة على اﻻستمرار والتطور، واجتذاب الجمهور الدائم دافع ثمن التذكرة؟) وهنا نكون أمام محاور في ندوات عملية ومبرمجة:
1 – المواسم المسرحية المستمرة والمتكاملة بأنواع درامية، والموسم يبدأ من تشرين اﻷول حتى حزيران، ويتضمن عروضاً من حلب والمدن السورية وبعض الفرق العربية أو اﻷجنبية، وهذا الامتداد يتيح المعايشة لشرائح الجمهور المتنوعة، ويرسخ قيمة الدراما المسرحية في الذوق والفكر، وللمقارنة نذكر تغلغل دراما المسلسل التلفازي بعد تدفق اﻷعمال في المحطات اﻷرضية والفضائية لسنوات متتالية مع متابعة إعلامية مهدَّفة وموظفة للترويج.
2 – يتصل بالمواسم شرط تهيئة أماكن العرض وبنيتها التحتية من تجهيزات الصوت واﻹضاءة ، ومجالات التدريبات لعدد من الفرق في أوقات كافية وغير متضاربة، وفيها مناخ إيجابي للعمل.
3 – تأصيل المعرفة والثقافة المسرحية (مع التطبيق) في التعليم من المرحلة الأساسية إلى الجامعة بعناية متخصصين مؤهلين، ولا بدَّ من مراجعة التجارب السابقة واﻹجابة عن سؤال لماذا لم ترسِّخ أجواء المسرح لدى اﻷجيال، ولم تشكل منهم جمهوراً وبيئة تحتضن اﻷعمال التي تقدم في المدينة؟
4 – مراجعة واقع المعرفة والثقافة المسرحية في ساحة العمل والعروض، ونحن نعلم أن المدينة ليس فيها معهد أو كلية للمسرح أو للسينما، وما يجري؛ وهو إيجابي في المبدأ؛ لا يتجاوز دورات إعداد الممثل والمخرج في أسابيع تطول أو تقصر، وهذه ليست بديلاً عن سنوات الدراسة في المعهد المتخصص، أي لا بدَّ من معادل معرفي ثقافي ينتقل بالشباب من صيغة الحرَفي إلى مصاف الفنان المبدع، وهذا أمر ممكن إذا استطعنا أن نتأمل أنفسنا في المرآة بموضوعية !! لا أن تكون المرايا محدبة أو مقعَّرة.
5 – مناقشة متأنية لمسألة التأليف المسرحي، فهذا جانب لا يُعَلَّم في دورات ولا يأتي بتكرار التجارب، وإنما يعتمد على قراءات مسرحية في النصوص والدراسات الدرامية والثقافة المفتوحة ومشاهدات، مع وجود موهبة التأليف في اﻷصل، وإنَّ إعداد النص عن اﻷعمال المؤلفة العربية والمترجمة يحتاج إلى خبرة فنية وفكرية، وليس أمراً يتيحه لنا سلطان رغبتنا أو تكليفنا بالعمل فقط .
6 – تصور اﻷسرة المسرحية المتعاونة بين أهل المسرح، وهي تتبادل الخبرة وتدفع نحو التكامل، واﻷيدي المتشابكة إيجاباً، وإدراك الفرق بين مفهوم المنافسة والمسابقة وحالة التربُّص وتصيد اﻷخطاء أو اختراعها في ريح أنانية لا ترى إلا خيالها يتسيد اﻷمكنة!!
إلى أن نلتقي في تلك الحوارات نتأمل صورتين واحدة تعرض أعشاباً تزهو ألوانها تمتد على مساحات لا تلبث بعد شيء من سطوع الشمس أن تتغير وتغيب عن اﻷنظار، وفي الصورة الأخرى نرى الأشجار الباسقة تترسخ جذورها بعيداً في الأرض، وتزيدها الشمس نضارة ووفرة في ثمراتها.
رقم العدد 16153

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار