مهرجان شكيب الجابري للإبداع الروائي يختتم فعالياته بندوة حول رواية السيرة الذاتية

 

الجماهير -عتاب ضويحي

اليوم الثالث والأخير لمهرجان شكيب الجابري للإبداع الروائي “دورة صباح محيي الدين” شمل ندوة بعنوان “رواية السيرة الذاتية دراسات وشهادات”
بمشاركة محمد أبو معتوق، فيصل خرتش، بيانكا ماضية، ونسرين صالح.
بداية تناول أبو معتوق محور الصراع بين السيرة الذاتية للمؤلف والسيرة الإبداعية لبطل الرواية قال فيه إن السيرة الذاتية أو الشخصية لمبدع العمل الروائي هي بدء الكتابة ومغامرته الأولى، إذ لايجد الروائي موضوعاً يهيمن عليه ويخلصه من بؤس خبرته الأولى في الكتابة سوى سيرته الذاتية المفعمة بتضخيم أناه التي توهمه أن العالم ممتلئ به، لذلك فإن تحويل السيرة الذاتية لرواية أمر بالغ الصعوبة.
وأورد أبو معتوق مثالا على عدم تورط الأديب بمأزق الكتابة فيما يسمى رواية السيرة الذاتية من خلال شخصية الأديب والكاتب فيصل خرتش فرغم امتلاكه الفرصة لذلك إلا أنه تجنب كتابة رواية السيرة الذاتية لأنه بحث عن البطل الإيجابي القابع في سيرته لتسليمه القيادة.
وعن تجربته ذكر أبو معتوق أنه في رواياته الثلاث” جبل الهتافات الحزين، شجرة الكلام، والقمقم والجني” كانت أمشاجا لسيرته الذاتية ولبلده وأصدقائه، وحاول أن يسخر فيها من أبطاله الذين هم صورة عن ذاته وعالمه محاولا رد الاعتبار لذاته ليجد شيئاً من التوازن مرة في حياته ومرة بين الصفحات، وعن محاولات النقاد الواقعيين والشكلانيين والبنيويين في إماتة بطل السيرة الذاتية واستلال المؤلف من نصّه قال المحاضر إنه ليس من الممكن إماتة مؤلف العمل لأن كل كلمة بعض من ذاته ونبضه.


الأديب فيصل خرتش تناول في محوره الذي حمل عنوان “صباح محيي الدين.. كأنه علم في رأسه نار” رأي محيي الدين في القصة، إذ يعتبر العقدة أقل شيئا في القصة قصيرة كانت أم طويلة والمهم عرض الشخصية الرئيسة، هذا من ناحية الجوهر أما فيما يخص الشكل فثمة عاملان أساسيان الأول التشويق إذ على الكاتب أن يقبض على انتباه القارئ والثاني الطبيعية.
كما تطرق خرتش لحياة الراحل محيي الدين فعندما ذهب إلى أوروبا دارساً وعاملاً اكتسب خبرة في الحياة ساعدته على فهم العالم وإنتاج مشروع أدبي أقل ما يقال فيه إنه ينتمي إلى تيار الحداثة، فلم تعد القصة لديه تكتفي بالوصف الخارجي بل تعيد تكوين وسرد الوقائع بصورة يغلب عليها التكنيك والصنعة، والقصة عنده مفتوحة النهاية وغير متفائلة عموماً، لكن السوداوية والتشاؤم سمتان للتحريض والتنوير، أما شخصيات صباح محيي الدين الحلبية فإنها مدروسة بعناية نابعة من معرفته للواقع الحلبي إلى جانب معرفته بالواقع الأوروبي، إضافة لروايته التي تعبر عن الإنسان المغترب الذي ترك وطناً غارقاً في الجهل والتخلف إلى مكان منفتح يضج بالحيوية كما يحب أن تكون حياته وماستكون عليه والتي عاشها قدم نفسه في قصصه.
في سياق متصل تحدثت نسرين صالح طالبة دكتوراه في جامعة حلب عن مفهوم رواية السيرة الذاتية ودلالاته، من حيث تعريف السيرة الذاتية تتألف من كلمتين الأولى تحيلنا على الطريقة والمسار والهيئة، والثانية على هوية المحكي، فتكون رواية السيرة الذاتية كلاما سرديا في سيرة شخص ما يسترجع ذكرياته وأهم حوادث حياته، ويكتب السيرة الذاتية صاحبها، وأحيانا يكتبها غيره وليس من الضرورة أن يتطابق صاحب السيرة مع المؤلف أو السارد.
كما تقلص السيرة الذاتية دائرة الخصوصية وممكن أن تعد رواية السيرة الذاتية ضمن نطاق الرواية وهي نوع من أنواعها لكن لايمكن أن تعد السيرة الذاتية رواية دائما، وأوردت صالح أمثلة على بعض الروايات التي تداخلت مع سير ذاتية، ولو كانت على نحو تخيلي منها “عزازيل، جسر بنات يعقوب” ومن أمثلة تداخل السيرة الذاتية مع الرواية روايات “قدر يلهو، السيمفونية الناقصة وخمر الشباب” لصباح محيي الدين، وتحت سقف واطئ لنذير جعفر.


كما ذكرت الصالح الفوارق مع الأنواع المتشابهة مع رواية السيرة الذاتية التي تتقاطع وتتشابه أحيانا مع كل من الرواية التاريخية والمذكرات مع الاختلافات والفوارق بينها، وخلصت بالقول إلى أنه لا يمكن أن تعد السيرة نوعاً نشأ وانتهى، إنما هي نوع من الأنواع التي أسهمت الرواية في إفرازها وليس من الضرورة مقارنتها ببقية الأنواع.
الزميلة بيانكا ماضية أمين تحرير الشؤون الثقافية بجريدة الجماهير تركز محور حديثها حول روايتها “هو في الذاكرة” فأشارت إلى أن الكاتب قد يكتب روايته من أجل كلمة أو جملة، يتناول فيها جزءاً من حياته أو كلها، ليوصل للمتلقي رسالة، أو يقدم له خبرة أو تجربة ما.
ورواية السيرة الذاتية والكلام لماضية كالحلم فهل بإمكان الحالم أن يستذكر جميع تفاصيل حلمه كذلك الرواية فالراوي حين يتحدث عن حياته أو عن جزء منها لايتحدث بصدق محض بل يقدم ويؤخر، يضيف ويحذف، ينتقي المواقف والشخصيات التي أثرت في حياته، ليقول شيئاً ما، فإما أن يكون مباشرا وإما أن يكون مضمراً،
وفي رواية “هو في الذاكرة” كتبت ماضي

ة لأجل أن تكشف بعض الحقائق لتقول بأنها” لم تكذب” رغم الكذب الفني الذي تحتويه الرواية، ففيها جزء من سيرتها الصحفية والذاتية بفترة زمنية من حياتها “سفرها لباريس لحضور احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية” وماتخلل تلك الرحلة من مشاهد ومواقف ومشاهد،
وقد استخدمت هذا الشكل الروائي ليكون قناعاً لكتابة سيرة ذاتية لا رغبة في الهروب من الرقابة وإنما لأجل إظهار حقائق وإخفاء أخرى، إذ أن الرواية أتاحت لها فرصة البوح والحديث عن علاقتها ببعض الشخصيات.
ولاتعتبر ماضية أن روايتها سيرة ذاتية بأكملها، ففيها شطح من الخيال وصنعة الفن، والقارئ الذي يقرأ ماجاء على لسان شخصية” كارمن “يستطيع أن يؤكد بعض الأحداث من خلال مانشرته من مقالات بخصوص الاحتفالية إلا أنه لايستطيع تأكيد معظمها، خلا القارئ الوحيد” غسان” أحد شخصيات الرواية والمعني بالعنوان نفسه هو من يعرف الحدث الحقيقي من الخيالي.
وتتابع ماضية القول :إن الرواية الأولى لكل كاتب ليست سوى سيرة ذاتية يكتبها الكاتب وهو مطمئن إلى واقعية أحداثها، وإلى تتابع مشاهدها في ذهنه، وصدق مشاعره فيها، يدوّنها كما حصلت معه إضافة إلى بعض من التخييل الذي لا بد منه في الكتابة، فمعظم الروايات الأولى “هي سيرة ذاتية مقنّعة والكتابة عن الذات ممارسة يسيرة يتحسّس الروائي من خلالها عالم الكتابة من خلال مرجعيته الذاتية وحياته وتاريخه الشخصي وعلاقته بالذوات الأخرى، كما يقول كليف جيمس.
وفي حياة الكاتب كما ترى ماضية أشياء ومواقف وأحداث يعرفها وبقيت راسخة في الذاكرة ولايجد انفكاكاً من الكتابة عنها، لكن ليس شرطا أن يكون كل ما تحمله الرواية من أحداث هي وقائع أو حقائق. وقد قرأت مقاطع من روايتها كمثال على ماورد في محور حديثها.
تخلل الندوة مداخلات ومناقشات من الحضور أغنتها وأضافت عليها.
وقد حضرها مدير الثقافة جابر الساجور وعدد من المهتمين بالشأن الأدبي وأدارها الأديب والناقد نذير جعفر.
ت: هايك أورفليان
رقم العدد ١٦١٥٤

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار