بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
لنسعى في بناءِ المكرماتِ…
بجُهدٍ دائمٍ طولَ الحياةِ
فلن نرقى لمجدٍ دون سعيٍ…
وإن السعيَ روحُ المعجزاتِ
هلمّوا يا بني قومي لنبني…
شآمَ العزِّ مكتملَ الصفاتِ
من المجدي في هذه الأيام أن نتذاكر أهمية العمل في حياة الإنسان؛ ذاك الجهد الذي يقوم به الناس ملء إرادتهم ليحصلوا على ما يكفيهم ويفي بحاجتهم، ذلك العمل الذي يمنحُ الراحة النفسية رغم التعب الجسدي؛ يُلبّي ضرورات الحياة البشرية بتنوّعها، وهو فعل لا يتعارض مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله تعالى الناس عليها.
والأصل في العمل أنه عبادةٌ يتقرَّب بها العبد من ربّه بنية تحصيل رزقه من ماله وقوت عياله وتأمينهم بما يلزمهم، فيحصُل العبدُ على محبة الله تعالى حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله يُحبُّ العبدَ المُحتَرِف) رواه الطبراني في الأوسط. وينال بعمله مغفرةً إذ قال صلوات ربي وسلامه عليه: ( من الذنوب لا يكفرها إلا السعي في طلب الرِّزق) رواه ابن عساكر.
وفي الحض على العمل وعدم الركون للكسل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليهِ السلامُ كان يأكلُ من عملِ يدِه) رواه البخاري. إن هذا الحديث يشير إضافةً إلى أهمية العمل إلى أن خير ما يأكله المرء ما يكون من نتاج يده وكدِّه، بل وأكثر من ذلك أن المرء إن عمل فتعب يحصل على خيرٍ أُخروي إضافة إلى الخير الدنيوي حيث قال صلى الله عليه وسلم: (من أمسى كالاً – تعباً – من عمل يده أمسى مغفوراً له) رواه الطبراني في الأوسط. وأيُّ خيرٍ أعظم من المغفرة التي ينالها العبد من الله سبحانه وتعالى.
وكذلك نجدُ ما ورد عن الصحابي عُرْفُطَةُ بن نَهِيكٍ التَّمِيمِيُّ، حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَهْلَ بَيْتِي مُرْزَقُونَ مِنْ هَذَا الصَّيْدِ، وَلَنَا فِيهِ قَسَمٌ وَبَرَكَةٌ، وَهُوَ مَشْغَلَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَعَنِ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ، وَبِنَا إِلَيْهِ حَاجَةٌ أَفَتَحِلُّهُ، أَمْ تُحَرِّمُهُ؟ فَقَالَ:”أُحِلُّهُ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَحَلَّهُ، نَعَمِ الْعَمَلُ، وَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ، قَدْ كَانَتْ لِلَّهِ قَبْلِي رُسُلٌ كُلُّهُمْ يَصْطَادُ، أَوْ يَطْلُبُ الصَّيْدَ، وَيَكْفِيكَ مِنَ الصَّلاةِ فِي جَمَاعَةٍ إِذَا غِبْتَ عَنْهَا فِي طَلَبِ الرِّزْقِ حُبُّكُ الْجَمَاعَةَ وَأَهْلَهَا، وَحُبُّكَ ذِكْرَ اللَّهِ وَأَهْلَهُ، وَابْتَغِ عَلَى نَفْسِكَ وَعِيَالِكَ حَلالا، فَإِنَّ ذَلِكَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ عَوْنَ اللَّهِ فِي صَالِحِ التِّجَارَةِ) رواه الطبراني في المعجم الكبير. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على العمل الذي يستنفذُ معظم الوقت ويُخبرُ بأجره الكبير، وأن صاحب العمل معذور إن غاب عن الجماعة في عمله. ونتلو في القرآن الكريم ما يحضُّ على العمل حتى في يوم الجمعة بقوله تعالى: {{فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[سورة الجمعة: 10]
ويُعتبر العمل أحد أهمِّ معايير التقييم المجتمعي للأفراد وكذلك للمجتمعات؛ فإن كان الفرد أو المجتمع عاملاً مُنتجاً دلَّ ذلك على ثقافته ووعيه وسعيه الحضاري، وإن كان متعطلاً عاجزاً دلَّ على قلة وعيه وتخلفه، قال تعالى: { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [سورة التوبة: 105] وكذلك ورد ( أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رأى غلاماً فأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل: لا، قال: سقط من عيني).
ولقد كان الأنبياءُ يعملون رغم أنهم البشر الذين اصطفاهم الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) رواه الترمذي.
ونحن في هذه الأيام في أمسِّ الحاجة لنُذكر بعضنا بهذه القيمة العظيمة (العمل) لننهض ببلادنا بعد ما مرَّ به من دمار خلّفته يد الظلام الآثمة.
فليكن العملُ خيارنا لبناء ديننا ودُنيانا، لبناء وطننا ومواطننا، ليكون الأثر الذي نتركه بعدنا صالحاً محموداً من قِبل القريب والبعيد من قِبل الخلق والخالق.
======
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام