بقلم: الدكتور ربيع حسن كوكة
الصبرُ في يوم عاشوراء مشهورُ …
والخيرُ فيه مدى الأزمان مأجورُ
فاعمل لمرضاة ربِّ العرشِ مجتهداً …
تعودُ في حلَّة الإنعامِ مسرورُ
لكلِّ أمةٍ من الأمم أوقاتاً تعتقد بفضلها وقيمتها وتحتفي بمرورها كل عام لأن الإنسان تحمِلُه الذكرى وتحفِّزه على بذل الجهد للوصول إلى غاياته.
وفي أمتنا الإسلامية لا يكادُ يخلو شهرٌ من الشهور من يومٍ يحملُ في طياتِه الفضل في العمل أو الذكرى الباعثة للأمل وأفضل تلك الشهور أربعة أشهر كما ذكرها ربّنا سبحانه في القرآن الكريم: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة : 36]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم : ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان ). رواه البخاري
وإنَّ من عظيم فضل الله تعالى ونعمه الجليلة على عباده أن هيأ لهم المواسمَ العظيمة والأيامَ الفاضلة لتكون مغنماً للطائعين وميداناً لتنافس المتنافسين، ومن أعظم هذه المواسمِ وأجلِها ما شهد النبيُ صلى الله عليه وسلم بفضله وفضل العمل فيه من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) رواه مسلم
ونحن اليوم في شهر محرم الذي نستذكرُ فضلَهُ ونسعى لنحظى بنفحته وأجرَه؛ هذا الشهر الذي يحوي فيه يوم عاشوراء والتي ورد في فضلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: ( ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجَى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال : فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه) رواه البخاري. وورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعنى شهر رمضان) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم : ( صيام يوم عاشوراء ، إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله).رواه مسلم.
وعاشوراء: اسم إسلامي لا يعرفه أهل الجاهلية ومعناه العاشر من شهر محرم ويُستحب صيام تاسوعاء مع عاشوراء لما روى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع. قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه مسلم.
والأمر المشروع المُرَغَّب به صيام عاشوراء، اليوم العاشر من شهر المحرم مع اليوم التاسع أو الحادي عشر وإذا حُثَّ الناس على ذلك فهو خير كبير، وفيه أجرٌ عظيم.
وبعد هذا فقد توالى عبر السنين في الكثير من الأيام المباركة وفاة أو إصابة شخصيات عظيمة، وقامات باسقة في سماء الأمة، كاستشهاد سيدنا الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء؛ فلا وقوع هذه الحادثة الأليمة العظيمة في يوم عاشوراء المبارك قللت من ألم المصاب، وفجاعة الموقف، ولا ألم المصاب ألغى فضل عاشورء، إذ كل له قيمته واعتباره ومكانته في قلوب المسلمين.
لنستثمر هذا اليوم المبارك ولنتعرض لنفحات ربنا فيه ولنذكر ذلك الحدث الجلل في كربلاء؛ علّ الله تعالى يزيل ما بأمتنا من تشرذمٍ وفرقة، ويبدل ضعفنا بقوة وسيادة وفلاح. فيا ربنا ارفع الظلم عن كل مظلوم وأعد علينا عوائد الإحسان من فضلك وجودك، أعنّا على الإخلاص في القول والعمل واتباع سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتقبّل أعمالنا يا ذا الجلال والإكرام.