بقلم الدكتور ربيع حسن كوكة
البذلُ في الإنسانِ يرفعُ قَدرَهُ…
بين الأنامِ ويُبهِجُ الأياما
ويزيدُ عندَ اللهِ حقاً أجرَهُ…
يحظى السرورَ بدايةً وخِتاما
عندما يوجد السخاء في المجتمع تنتفي عنه الفاقة، وأمام نهر الإنفاق لن يبقَ من أدران الحاجة شيئاً، لذلك كان هذا الخلق العظيم من أهمِّ القيم العربية والإسلامية، فقد كان العرب يفتخرون بسخاء رجالاتهم وكرمهم، وجاء الإسلام ليؤكد أن خلق السخاء محبوب والانفاق مطلوب، وقد حثّ ربنا تبارك وتعالى على ذلك واعداً بمضاعفة الأجر فقال جل جلاله: { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مئة حبَّةٍ واللهُ يضاعف لمن يشاء واللهُ واسعٌ عليمٌ }[سورة البقرة:261]، وما ذلك إلا لأنه سبحانه أراد للمسلمين أن يكونوا إخوةً متكاتفين، ومتكافلين، قال تعالى: { إنما المؤمنون إخوة}[سورة الحجرات:10].
ونحن في هذه الأيام العصيبة لا بدَّ لنا أن نذكر بخلق السخاء ففي هذا الوقت يكون مضاعف الأجر وهو مطلوب على التأكيد في أوقات زيادة حاجات الناس، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحبُّ السخاء، فقال: ( خلقان يحبُّهما الله عزَّ وجل و خلقان يبغضهما، فأما اللذان يحبهما الله تعالى، فحسن الخلق والسخاء، وأما اللذان يبغضهما الله تعالى، فسوء الخلق، والبخل، وإذا أراد الله بعبدٍ خيراً، استعمله في قضاء حوائج الناس.) رواه البيهقي في الشعب
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها) رواه الحاكم في المستدرك
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضُّ المسلمين على الإنفاق بقوله فقط، وإنما كان سبَّاقاً إلى الإنفاق يعلمهم بفعله قبل قوله، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين فأتى قومه فقال: أي قوم أسلموا فو الله إن محمداً ليعطي عطاء من لا يخاف الفاقة، وإن كان الرجل ليجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد إلا الدنيا فما يمسي حتى يكون دينه أحب إليه أو أعز عليه من الدنيا بما فيها .) رواه أحمد في المسند
وقال صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قوله تعالى: { ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لتروُنَّ الجحيم ثم لتَرَوُنَّها عين اليقين ثم لتُسْألُنَّ يومئذٍ عن النعيم }،ثم قال: يقول ابن آدم مالي، مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلتَ فأفنيت، أو لبستَ فأبليت، أو تصدَّقتَ فأمضيت – فأبقيت – . ) رواه مسلم
ولقد بلغ مقدارُ الحض الإلهي للناس على الإنفاق أن جعله سبحانه بمثابة القرض لذاته العَلية رغم أنه مالك الملك فقال تعالى مُرغِّباً بالانفاق: { من ذا الذي يقرضُ اللهَ قرضاً حسناً فيضاعفهُ لهُ أضعافاً كثيرةً واللهُ يقبضُ ويبصُطُ وإليهِ ترجعونَ}[سورة البقرة:244].
فالحمد لله الذي من فضله علينا أن خلق ونسب إلينا، إذ لمن المال، ولمن المآل، لهُ وحدهُ تبارك وتعالى، فالمالُ ماله، والنوالُ نوالهُ، والحلالُ حلالهُ، والعيالُ عيالهُ، فما المال إلا زينة في الحياة الدنيا وضعه الله تعالى في أيدي العباد لينظر ماذا يفعلون، قال تعالى: { فأما من أعطى واتقى وصدَّق بالحُسنى فسنيسِّرُهُ لليُسرى، وأما من بخل واستغنى وكذّب بالحُسنى فسنُيسِّره للعُسرى وما يغني عنهُ مالهُ إذا تردَّى } [سورة الليل: 6]
هكذا فلنفهم معنى السخاء، ولنجتهد في تربية نفوسنا على هذا الخلق العظيم، ولنقتحم عزلة الفقراء والمحتاجين، ولنعطهم من غير منٍّ أو أذى، بذلك يزيد المال، ويُبَارك فيه الرحمن، ولا يلتفتنَّ مسلمٌ إلى وسوسة الشياطين من إنسٍ أو جن، إذ يقول له لا تنفق، قال تعالى: { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرةً منه وفضلاً واللهُ واسعٌ عليمٌ } [سورة البقرة:268]
======
بإمكانكم متابعة آخر الأخبار و التطورات على قناتنا في تلغرام