بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
الرّفق ضد العنْف، وهو لِين الجانب ولَطافةُ الفعل، والتأني والنظر في عواقب الأمور، وإذا تأملنا بحروف الرّفق يمكن أن نستنتج من خلالها صفة المرء الذي يتمتَّع بهذا الخُلق العظيم، فراء الرّفق: رأفة ورحمة، وفاؤه فكر وفهم، وقافه قدرة وقُرب، فمن امتلك قلباً رؤوفاً رحيماً، وعقلاً مفكراً فهيماً، ومَلَكَةَ القربِ مع القُدرة فذلك هوالرّفيق.
ولما للرّفق من أثرٍ عظيم في المجتمع فقد وردت وتكاثرت الأخبار والآثار ثناءً عليه وترغيباً فيه .
وبالمقابل فإن موقفاً يتكرر عبر الأيام عندما نرى شخصاً يُغلظُ على آخر في أمرٍ ما ويُشدّد عليه وهو يظن أنه ناصحاً، نجد ذلك الآخر يزدادُ عناداً وإصراراً على فعله وإن كان مخطئاً.
ومما جرى في هذا السياق أنه جاء واعظ إلى الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد وراح يعِظُهُ وشدَّدَ عليه وعنَّفه فقال المأمون يا رجل ارفق بي فقد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني وأمره بالرّفق، فقد أرسل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون فقال تعالى: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى} [سورة طه:44].
والرّفق المحمود عند العقلاء هو الذي يقوم مقام الوسط بين العنف واللين كما في سائر الأخلاق، وإن كان العنف في محله حسناً كما أن الرّفق في محله حسن، والحاجة إلى العنف قد تقع ولكن على الندرة، وإنما الإنسان العاقل من يميز مواقع الرّفق عن مواقع العنف فيعطي كل أمر حقه فإن كان قاصر البصيرة أو أشكَلَ عليه حكم واقعة من الوقائع فليكن ميله إلى الرّفق أكثر فإن الخير كلّه في الرّفق.
وعندما سؤل سفيان الثوري عن الرّفق قال: أن تضع الأمور من مواضعها: الشدة في مواضعها واللين في موضعه والسيف في موضعه والسوط في موضعه، كما قال الشاعر:
ووضع النّدى في موضع السيف بالعُلا…
مُضِرٌّ كوضع السيفِ في موضع النّدى
فيا كلّ إنسان يقرأ هذه السطور، هي دعوة لنكون رفقاء رحماء فيما بيننا، إذ بهذا الرّفق ننال استحقاق السيادة والكرامة، ونمتلك مفتاح النجاح.
العجول مخطئ وإن مَلَك، والمتأني مصيب وإن هَلَك، لا تستعجل، ولا تحكم على الأشياء بسرعة، ولا تطلب مرادك بتسرّع؛ إذ من تأنّى نال ما تمنى، تأنَّ ولا تتخذ من التأنيب والتعنيف نهجاً في الحياة.
وقد قيلَ أن يد الرّفق تجني ثمرة السلامة، ويد العَجَلة تغرس شجرة النَّدامة، وأنشدوا في ذلك:
قد يُدْرِكُ المتأني بعضَ حاجتِه…
ِوقد يكونُ مع المستعجل الزَّلَل
.
الحياة كتابٌ نكتبه؛ لذلك يجب علينا أن نخطَّ حروفه برفقٍ لنحظى بحياةٍ سعيدة، وأما إن كُتبت تلك الحروف بعنف فالأمر لا يُبشّر بالسّعادة، أختم بقول القائل: ما أحسن الإيمان يُزَيّنه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرّفق.
رقم العدد ١٥٧٣٩