بقلم : بيانكا ماضيّة
“كيف يمكن للمرء البناء بشكل يساهم في تخفيف التوتُّرات العرقية والطائفية بين الأهالي؟!” استفزتني هذه الجملة فيما كنت أستطلع بعض المقالات التي كتبت عن إعادة إعمار مدينة حلب، هذه الجملة التي قرأتها في مقال نشر في موقع يعدّ مشروعاً تم إطلاقه من قبل الباحث النيوزيلندي المختص في شؤون الأزمات روبرت تمبلر، مدير مركز أبحاث الأزمات في جامعة أوروبا الوسطى. وهو مشروع متعدِّد التخصُّصات (على حد قول مؤسسه) يتصدَّره مواطنون من أهالي حلب، وخاصة من اللاجئين. إذ يمكنهم أن يعبِّروا فيه عن رغباتهم ورؤاهم حول إعادة إعمار مدينتهم، وذلك من خلال المشاركة في استطلاعات للرأي، والإجابة على أسئلة مطروحة من قبل مهندسين مختصين بتخطيط المدن، وكذلك إرسال تعليقاتهم، بالإضافة إلى مشاركتهم في وضع الصور على خرائط تفاعلية.
الجملة الصادمة التي تطالعك في المقالة التي أشارت إلى هذا الموقع (المشروع) بالإضافة إلى جمل أخرى من هذا القبيل، هي نوع من دسّ السم في العسل، ونوع من الافتراء المتعمّد، في إشارة سلبيّة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وهي أن من أسباب الحرب على سورية الاختلاف الطائفي، هذا الاختلاف الذي يوحي إليه الكثيرون، ممن هم خارج سورية، ولايعلمون بحقيقة الواقع المعيش، أو يعلمون ولكنهم يشيحون بنظرهم، عن عمد وسابق إصرار، عن الأسباب الحقيقية للحرب على سورية، (لا في سورية) وهي أولاً وأخيراً المشروع الصهيوأمريكي الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة الأمريكية لخلق الفوضى في الوطن العربي، والذي نفذته من خلال ثغرة الاختلاف الطائفي الذي لم يكن يوماً ما سبباً في تناحر أو اقتتال أو حرب، كما يصّدر أعداء سورية عنها، بل كان نموذجاً رائعاً للعيش المشترك بين أبناء سورية جميعهم.
حال حلب لايختلف عن حال المدن السورية كلها، فمتى كان الاختلاف الطائفي على مدى تاريخ سورية كله سبباً في حرب فيها؟! ألم يكن هذا الاختلاف الجميل، الذي نتغنى به ومازلنا، شوكة في عيون الغرب ومثار حقد وحسد لتكون الحرب على سورية؟! لنضع النقاط على الحروف ولنسمِّ الأشياء بأسمائها، والأمور بحقائقها، ولاندع أياً كان، مهما كانت مشاريعه تصب في عملية إعادة الإعمار، أن يشير إلى ما ليس بحقيقة الأمر على أرض الواقع.
مادامت النيّة كذلك، فأية نيّة يمكن أن نسميها نيّة ذاك الباحث النيوزيلندي ومن يعمل معه من أبناء حلب، حين يحشر نفسه في عملية إعادة إعمار حلب، إذا كانت نظرته، ونظرتهم، إلى واقع الحرب بناء على مايروه من اختلاف طائفي؟!
أضحكتني جمل أخرى أيضاً من ذاك المقال، ومنها: “لهذا السبب فقد بدأ المرء في بودابست -وبالتوازي مع استطلاعات آراء أهالي حلب- بإنشاء شبكة للربط بين مهندسي تخطيط المدن والمهندسين المعماريين وطلاب العلوم السياسية والباحثين المختصين في الأزمات، الذين يعملون على وضع الأسس الفنية الضرورية لهذا المشروع” وكأن الذي سيقوم بإعادة بناء مدينة حلب موجود في أبعد نقطة عنها، كيف ستعيدون بناء المدينة وأنتم تقبعون خارجها؟! ألا يسعنا في هذا المقام أن نسأل: لمَ لاتعودون إليها، يا أهالي حلب، فتكونوا حقاً من بنّائيها؟!
جملة أخرى متعلقة بذاك الباحث النيوزيلندي إذ يقول: “لا يوجد لدينا في الحقيقة أي ضمان يضمن استخدام بياناتنا حينئذ” وهو لا يبدو سعيداً جداً بهذه الفكرة! وليعلم بأنه من المؤكد أن لن يتم استخدام بياناتهم التي ستنشر في الموقع، لأنها أولاً وأخيراً هي بيانات تقوم على أفكار لا تمت إلى الحقيقة بصلة، ولأن هناك مختصّين من أهل المدينة (مهندسين واستشاريين وفنيين وخبرات) موجودون في المدينة نفسها، ويستطيعون أن يقدموا صورة جميلة جداً، وحقيقية، لإعادة إعمار مدينة كانت أقدم مدينة مأهولة في التاريخ البشري.
رقم العدد 15775