كارثة الغباء الإداري ؛ إلى متى…؟

الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
رغم التطور الذي وصل إليه الإنسان في مختلف مناحي الحياة، وبرغم ثورة المعلومات وتزايد الوعي الإنساني، فلا يزال الغباء الإداري مسيطرًا على المشهد في العديد من المؤسسات.
مع وجود المآسي والأحزان والغلاء والبلاء وتكالب الأعداء، يطلعُ علينا بين الفينة والأخرى من يزيد من الألم والمعاناة في يوميات الإنسان الذي جسّد الصمود واقعاً في وطننا.
عندما قرأتُ قول الفيلسوف والأديب الفرنسي فيكتور هيغو: “جحيمُ عاقلٍ أفضلُ من جنّة غبي”. علمتُ أن الغباء موروث إنساني لدى الكثير من البشر لا يعرف حدود مكانٍ ولا زمان.
وإذا كان الذكيُّ هو الذي يقوم بالمقبول عقلاً فإن الغبي على خلافه، يأتي بما لم يعهده الناس، مما هو خلاف العقل والمنطق.
إن هناك تصرفاتٌ كثيرة تُظهر تعمّق الغباء الإداري في العديد من مفاصل وتفاصيل العمل الإداري، يشعر بها كل إنسانٍ عاقلٍ، يرى ذلك الخروج عن الواقع والتحدّث من مكان يقعُ ما وراء المعقول، ولعل أوضح تجليات الغباء الإداري تكمن في تلك المظاهر السلبية التي تُعيق أي فائدةٍ أو تقدّم منها:
1. الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب: من أعظم الطامات ومن أجلى صور الغباء الإداري وضع الأشخاص غير المختصين ومن ليس لديهم خبرة في أماكن القرار مما يؤدي حتماً إلى عرقلة أي تطوّر أو حتى أي حركة في العمل. إن أولئك يدخلون المؤسسة في حالة من الفوضى اللامتناهية.
2. عدم فهم روح القانون الحاكم للمؤسسة: مما يؤدي إلى التحجر في أداء العمل بدل من تنظيم العمل وسيره بانسيابية ولُطف. وإذا سألت الموظف عن السبب يتعلل بنص القانون، والحقيقة أنه لم يفهمه ولم يعي أن ذلك القانون إنما وجد لتحسين الخدمة لا لإعدامها.
3. العمل الذي يقتصر على التنظير دون النظر في حاجات الناس ومشاكلهم على أرض الواقع: وهذا الأسلوب من الإدارة من شأنه خلق الهوّة وتعميق الفجوة بين أصحاب القرار في أي إدارة وبين المجتمع.
4. إقصاء الكفاءات والخبرات والاكتفاء بآراء مجموعة من الموظفين المحيطين بصاحب القرار “الشلّة” دون الالتفات لأصحاب الخبرة وتلقيح الأفكار معهم والاستفادة من تجارب ذوي الخبرة في المؤسسة، وهذه العملية تُصيب أي عملٍ بانعدام النفع العام والاكتفاء بالمكاسب الشخصية لتلك الشِّلة.
5. تجاوز القانون: من أوضح صور الغباء الإداري أن يقوم من لديه سلطة بمخالفة القانون تحت مُسمى الاجتهاد والهامش المُتاح وذلك لتحقيق غاياتٍ شخصية ومكاسب فردية.
لقد ثقل الغباء على مجتمعاتنا فزادنا عناءً على عناء، وختاماً أذكر قصةً قرأتها في كتاب البيان والتبيين للجاحظ حول ظلمات الغباء تقول أنه: دخل أحدهم رجل يُقال له مالك سجن الكوفة، فجلس إلى رجل من بني مرة، فاتكأ المري عليه يحدثه، حتى أكثر وغمّه، ثم قال: هل تدري كم قتلنا منكم في الجاهلية؟ قال مالك: أما في الجاهلية فلا، ولكني أعرف من قتلتم منا في الإِسلام قال المري: ومن قتلنا منكم في الإِسلام؟ قال: أنا، قد قتلتني غمًاً.
اللهمّ أبعد عنّا وعن مجتمعاتنا الغباء وأهله، وامنن علينا بالخير حيث كان يا رب العالمين.
رقم العدد ١٥٩٣٧

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار