بقلم ناجي الناجي
العداء الأساس للنظام الأمريكي.. والصراع الجوهري هو مع المعسكر لا مع الأشخاص فإن تبدلوا هم فإن المركز ثابت..
روزفلت آخر الرؤساء الأميريكيين الذي لعب السياسة الدولية بمساحة أوسع من المساحة التي أتيحت لمن تعقبه من رؤساء، على أساس أن نتائج الحرب العالمية الثانية وتنامي دور المعسكر الاشتراكي فرض على الولايات المتحدة إنتاج نظام أكثر تماسكا، فبدأ انكماش دور الرئيس في المسائل الأكثر استراتيجية المرتبطة أساسا بضمان مصالح النظام الرأسمالي منذ اللحظة التي أشعل فيها ترومان وتيرة التنافر مع الاتحاد السوفييتي خلافا لروزفلت الذي حرص كثيرا على محاباة الأخيرة انطلاقا من رؤية شاملة تقوم على فض التناقضات من أجل مشهد أكثر استقرارا.
ومنذ اللحظة التي ساهم فيها هنري كيسنجر بتحركاته المكوكية الشهيرة في ١٩٧٤ من خلال انزياحه نحو العائلات النفطية وفي مقدمتها روكفلر في مواجهة العائلات الذهبية وفي مقدمتها روتشيلد إنتاج نظام اقتصادي أميركي استبدل فيه مفهوم الذهب – دولار بمعادلة البترودولار، أخذ شكل النظام انعطافة كبيرة أسس من خلالها معادلة دولية معقدة مرتبطة بعدة معادلات ومفاهيم فرعية هي النفط والدولار والقروض والمصارف .. إلخ المنبثقة أساسا من استراتيجية شاملة للهيمنة الاقتصادية والاستيلاء والتمدد المالي.
هذا النظام الذي فرض شكلا جديدا من العلاقة بين المركز والأطراف (الدول النامية) ، التي انعكست بموضوعيتها على ذاتية التناقضات الداخلية الأميركية ،
ومنه أصبحت سلطة النظام الاقتصادي تقوض بشكل آخر نفوذ الرئيس الفيدرالي بل وتفرض نواظم محددة ترسم معالم مستقبلية استشرافية مرتبطة بإستراتيجية ثابتة لطبيعة الحكم وشكله لأي رئيس قادم بحيث تمنحه مساحة في كل الصلاحيات الدستورية شريطة أن ينضبط بكل ما يضمن مصالح النظام الاقتصادي، ولا يهم ذلك النظام في لحظة كل تقوقع إيديولوجي سواء أكان ديمقراطيا أم جمهوريا فهي ضرورة للترويج الانتخابي للسياسات الرئاسية المقوضة أساسا، أما عن الحروب فإنها حروب الضرورة تصوغها الشركات على أساس الفائدة وينفذها الرئيس على أساس الدور وهي الحروب التي وصفتها الأدبيات الشيوعية بأنها الضامن الحقيقي لانتزاع النظام الرأسمالي فوائده ومكاسبه السياسية، والحروب نقيض الاستقرار وغياب الأخير مناخ رأسمالي ملائم وإذا عرجنا للحديث عن (إسرائيل).. فهي المفرزة التي تؤمن ذلك المناخ وتخلق الاضطرابات اللازمة التي تزيد أرباح النظام في أميركا ،وهكذا فإنها أيضا مفرزة الضرورة وأداة النظام الضاربة بوجودها ودورها وشكلها هذا بالمعنى الربحي، بعيدا عن كل المعاني المرتبطة بالهوية والدين والإيديولوجيا التي تؤجج الصراع الفكري في المنطقة ،وهي التي وصفها بايدن ” بأنها لو لم تكن موجودة لكان على أميركا أن تخلقها ” وهذا ما يدفعنا لاستقراء أن الرؤساء الأميركيين مهما تعددوا هم لا يحابون الإسرائيليين بدوافع عاطفية بل يرعونها لأسباب موضوعية مرتبطة بمصالح النظام وتعقيدات معادلاته ..فوجودها وأمنها ضمن استراتيجية النظام المركزية التي هي في موضع يفوق صلاحيات شخص الرئيس، كما شرحنا أعلاه .
ختاما.. فإن الأمة العربية كشعوب عانت من ويلات الإمبريالية بوحشيتها وضراوة فعلها.. ليس من المجدي أن تبتدع رهانا مشوها تعول فيه على إشراق في سياسات أي رئيس أميركي جديد، لأن الأزمة العربية بجانب كبير ذاتية وحلولها كذلك، ولأن الصراع مع رأس الأفعى كما تصفها أدبيات الثورة الفلسطينية ، هو صراع مع المعسكر لا مع الأشخاص، وإن علت أصوات مستحدثة اليوم لتراهن على المعسكر نفسه كما فعل حفيد أبو يوسف النجار فلا مناص من استحضار ما ختم به الشهيد ماجد أبو شرار حياته من قول : “علينا أن نفرز بوعي معسكر الأعداء عن معسكر الأصدقاء”.
رقم العدد ١٦٢٤٦