بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
في تأملٍ لما وصل إليه حال الناس في مجتمعنا من أزمةٍ اقتصاديةٍ لا تخفى على أحد، ومع شدّة الغلاء والوباء والبلاء وتكالب الأعداء، لا يسعني وجميع أبناء شعبنا العظيم إلا الدعاء ليكشف الله ما حل بنا،
غير أن واجبات المسؤولين الذين يجلسون في مراكز القرار تزيد عن مجرّد الدعاء إلى إيجاد الحلول لرفع المعاناة.
وإذا أردنا أن نُقلّب صفحات التاريخ سوف نجد الكثير من الأزمات التي مرّت على أمتنا وتمّ تجاوزها بكلّ حكمةٍ وشجاعة وصبرٍ وبراعة، من ذلك ما ننصح بقراءته لأصحاب القرار في مختلف مفاصل المسؤولية في وطننا ليساهموا في رفع ما حل بنا، فلقد كان في تاريخنا المشرق من أساليب إدارة الأزمات قبل أن يعرفه أهل الإدارة في العصر الحديث، ولما قامت الأزمة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيما سُمي بعام الرمادة، وحصل قحطٌ شديد وقلّت الموارد، وضجّ الناس، ودام ذلك أكثر من تسعة أشهر. وسمي عام الرمادة؛ لأن الريح كانت تسفي تراباً كالرماد.
فقام عمر رضي الله عنه باتخاذ هذه التدابير :
أولاً: حث الناس على كثرة الصلاة والدعاء واللجوء إلى الله، وكان يصلي بالناس العشاء، ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي أطراف المدينة فيطوف عليها ويقول في السحر: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي، ويبسط كفيه داعياً اللهم لا تهلكنا بالسنين –يعني القحط- وارفع عنا البلاء.
وكان يعظ الناس وينادي فيهم: أيها الناس، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة.
فلقد كان في علاقةٍ صادقةٍ مع مسبب الأسباب ربنا سبحانه وتعالى، وما أحوجنا لمن يتحلى بهذه الصفة من المسؤولين.
ثانياً: كتب إلى عماله على الأمصار طالباً الإغاثة، وفي رسالته إلى عمرو بن العاص الذي كان والي مصر يقول: “يا غوثاه! يا غوثاه! أنت ومن معك ومن قِبَلَكَ فيما أنت فيه، ونحن فيما نحن فيه” أي نكون في بلاء وتكون في رخاء. فأرسل إليه عمرو بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء. وهكذا أرسل عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص، فأرسل له بثلاثة آلاف بعير تحمل الدقيق، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة. وإلى والي الشام، فأرسل إليه بألفي بعير تحمل الدقيق، ونحو ذلك مما حصل من المواساة، لأن هذه الأمة واحدة. فإذا مسّ بعضها شدّة، تداعى الباقي لها، جسدٌ واحد. وما أحوجنا إلى مسؤول يؤثر مصلحة الوطن على مصالحه الشخصية.
ثالثاً: أحس عمر بمعاناة الناس، فقد ورد أن بطنه كانت تقرقر عام الرمادة، وكان يأكل الزيت، ولا يأكل السمن. فقرقرت بطنه فنقرها بأصبعيه، وقال: تقرقر، إنه ليس لكِ عندنا غيره حتى يُحيا الناس -أي: يأتي الله بالحياة والمطر الذي يغيث به الأرض ويُنبت الزرع. ذلك أن الذي يتولى أمر الناس ينبغي أن يكون أول الشاعرين بهم وبأوجاعهم، فلا يستساغ من أي مسؤول على قوت الشعب عدم الشعور بما يعانيه ذلك الشعب.
نعم لقد ورد عن بعض من عايش عمر بن الخطاب في عام الرمادة قوله: كنا نقول: لو لم يرفع الله المَحْلَ عام الرمادة؛ لظننّا أن عمر يموت هماً بأمر المسلمين.
الصبر من الناس مطلوب، ولكن الحكمة من المسؤولين في إدارة الأزمة أكثر طلباً وإلحاحاً.
فيا ربنا ألهمهم الصواب، وأكرم شعبنا الصابر بالفرج القريب وعظيم الثواب.
رقم العدد ١٦٢٥٠