الجماهير / بقلم الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
الحمدُ أحيا بقلبي الحبَّ والأملا…
وزادني بالرضا خيراً كذا عملا
بالحمد يرقى إلى العلياء واقعنا …
وبالتذمّرِ نلقى البؤسَ والفشلا
رغم كل ما تمر به البلاد من أزمات وجدتُني أُردد “الحمد لله” لئن ضاقت علينا بعض آفاق الحياة فقد أتسعت آفاق أُخرى ولئن تعثرنا من حيث الموارد فلطالما نعمنا بالصحة والعافية رغم كل الظروف ومع كل الضائقة فلله الحمد.
نقرأ في السيرة النبوية الشريفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل أحد أصحابه: كيف أصبحت؟ فقال: بخيرٍ يا رسول الله، فعاود عليه السؤال مرةً أُخرى فأجاب بالإجابة نفسها فعاود عليه السؤال مرةً ثالثة فقال الصحابيُّ: بخير والحمد لله يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: هذا ما أردته منك. أي أنه صلى الله عليه وسلم أراده أن يحمد الله تعالى ليُنبي عما في نفسه من رضا.
وما ذلك إلا إرادةً للخير منه صلى الله عليه وسلم إذ أن بالحمد تدوم النعم، وتُشرقُ الحياة أمناً وعافيةً، حبّاً وسعادةً، ولقد كان السلف الصالح يسأل بعضهم بعضاً عن أحوالهم ليستخرجوا الحمد والشكر لله تعالى لما في الحمد والشكر من معاني عظيمة ذات أثر على حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.
لذلك فقد صنَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يحمدون الله تعالى بأنهم أفضل عباده حيث قال: (إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمَّادون) رواه الطبري. والحمَّادون مفردها حمَّاد وهي صيغة مبالغة لاسم الفاعل الحامد وهو الذي يحمد الله تعالى كثيراً في سرائه وضرَّائه، ولذلك حُقَّ لهم أن يكونوا كما بشّر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أول من يُدعى إلى الجنة الحمَّادون الذين يحمدون الله بالسراء والضراء) رواه الطبراني.
وإذا تأملنا في أوّل كلمات الصلاة التي هي صلة بين العبد وربِّه نقول: {الحمد لله رب العالمين} [الفاتحة:1]، وهذا الحمد لا يُراد منه مجرد تحريك اللسان بل الرضا والقناعة بما أولاه الله تعالى وأعطاه وقسمه لنا بعد السعي وعدم التكاسل والأخذ بالأسباب، وهذا التذكير اللفظي المتكرر في كل ركعات الصلاة إنما هو لترسيخ هذا المعنى في الحياة العملية وغمرة الانشغال بمكاسبها المادية البحتة، فيكون الإنسان بعد انشغاله وجهده قانعاً راضياً بما وصل إليه من نتيجة، شاكراً لما أولاه الله من نعمة، طامحاً إلى ما عند الله تعالى من عطاء على كافة الأصعدة ومختلف المستويات.
إن الشعور بالضيق في الحياة والعتب النفسي على الواقع وعدم القناعة هو السبب الرئيسي لتفشي الطمع في النفوس؛ وهذا الشعور في حقيقة أمره هو عدم الرضا عن الله في تصرفاته، وليس لأحدٍ كائناً ما كان أن يستسيغ ذلك الشعور، لأن الله تعالى يُسيّر الكون بحكمته الدقيقة التي لا يمكن أن تختل أبداً، يسيّره كيف شاء، ثم إنه سبحانه {لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون}[الأنبياء:23]
لذلك كله فقد وجدتُ أنه من الضروري أن نذكّر بمعاني عبارة {الحمد لله} بأولى مراحلها وهي المرحلة اللفظية والتي إن أُهملت لا يمكن أن نضمن ثمرتها في مراحلها القلبية من رضاً وقناعةً والتي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها هي ثمرة الحمد والشكر لله تعالى في الحديث الذي قال فيه: (كن قانعاً تكن أشكر الناس) رواه ابن ماجة.
أَما قال ربنا سبحانه في القرآن الكريم: {وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنَّكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}[إبراهيم:7] فبالحمد تزداد العطايا وبالكفران والجحود للنعمة والتذمّر يضيق الأفق وتُغلّقُ الأبواب وتصبح الحياة مقيتة.
وختاماً نقول للذين يحمدون الله على كل حال هنيئاً لكم، ونذكّر الذين نسوا الحمد والشكر للذي بثَّ فيهم الروح وأوجدهم في الحياة نقول لهم: أحمدوا الله لتخرجوا مما أنتم فيه من الضيق، ولنستمع إلى نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرفة النِّعمة حين قال: ( انظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك فانه أجدر أن لا تحتقر نعمة الله عندك) رواه الطبراني.
رقم العدد ١٦٢٨٣