بقلم: الشيخ الدكتور ربيع حسن كوكة
شهر شوال شهرٌ مباركّ، هو العاشر من شهور السنة القمرية “الهجرية”
له مكانةً عالية وقيمةً كبيرةً في الإسلام.
قديماً كان العرب يسمون الأشهر القمرية بأسماء ذات دلالات، إما على حدث أو حال يقع في هذا التوقيت من العام، وكذلك كان شهر شوال الذي سمي بهذا الاسم في عهد كُلاب بن مُرة، الجد الخامس للنبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في عام 412م على وجه التقريب. في بدايات القرن الخامس الميلادي
وإذا بحثنا في سبب تسمية شهر شوال بهذا الاسم وجدنا الكثير من المعاني منها:
إنه يتم فيه “تشويل” لبن الإبل، وهو توليه وإدباره في وقت اشتداد الحر، أي أن الناقة يقل لبنها في ضرعها في هذا الشهر.
وقيل: “بل سُمّي كذلك في موسم كانت الإبل تشول بأذنابها أي ترفعها، فالناقة الشائل هي اللاقح التي ترفع ذنبها للفحل فيكون ذلك علامة على طلبها اللقاح في ذاك الوقت من السنة”.
وقيل: إن اسم “شوال” مأخوذ من “الشّول” بمعنى الارتفاع، ومنه الظّاء المشالة، وفي بلادنا لا نزال نُعَبّر عن رفع الشئ بقولنا: “شاله” أي رفعه، وقد ذكر العلماء سبباً لذلك: وهو أنّ الثّمار والزّروع جفّت في هذا الشهر، فالخير فيه يرتفع.
وقيل أنه سمي بذلك لكثرة ارتحال العرب فيه فقالوا: فيه شَوَّلوا، أي ارتحلو لأنهم كانوا يهربون فيه من الغارات، إذ تكثر فيه الغارات تعويضًا عما بعده من الأشهر الحرم الثلاثة “ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم” فيلجأون إلى أمكنة يتحصّنون فيها.
وقال الجوهري في الصحاح: تَشاوَلَ القومُ: تناول بعضُهم بعضاً في القتال بالرماح.
وقيل أن العرب قبل الإسلام كانوا يعتبرون سبب تسمية شهر شوال بذلك لأن النوق في هذا الشهر تمتنع عن البعير فلا تدعه يطأها، فيقال شالت النّاقة، وكانت العرب قبل الإسلام لذلك كانت تتشاءم من الزّواج فيه.
وعندما جاء الإسلام توجه لشهر شوال بفعلين اثنين:
أولاً: هدم كل العادات الجاهلية فيه
ثانياً: رفع من قيمته بين الشهور.
فهدم تلك العادات الجاهلية حيث حل مكان التشاؤم من الزواج في شهر شوال التفاؤل به بل وحث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على الزواج في شهر شوال بل وتزوج فيه، فقد ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أحظى عنده مني) وكانت السيدة عائشة تستحب الزواج في شوال، وذكر ذلك أيضًا الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم حيث قال عن شهر شوال: “فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه، واستدلوا بهذا الحديث”.
وأما فيما يخص الرفعة في قيمة شهر شوال فتتجسد في:
– جعل أولى أيامه عيداً للمسلمين إلى قيام الساعة. عيد الفطر السعيد.
– جعله أول أشهر الحج التي تبدأ من أول يوم فيه وتنتهي بنهاية اليوم العاشر من ذي الحجة. قال تعالى:(الحج أشهرٌ معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) سورة البقرة 179
– وكذلك نرى قيمة هذا الشهر المبارك فيما سنّ النبي صلى الله عليه وسلم من صيام ستة أيام منه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام مسلم: (من صام رمضان ثمَّ أتبعه ستّا من شوّال كان كصيام الدّهر).
ولصيام ستة أيام من شهر شوال حكمٌ جليلة ذكرها العلماء منها:
1- استكمال أجر صيام الدهر كله كما نص الحديث.
2 – إن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويعتبر صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص.
3 – إن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده، ويعتبر صومها علامة على قبول صوم رمضان.
4- إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لنعمة المغفرة.
وقد كان شهر شوال سجلاً لأحداث وغزوات هامّة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ففيه وقعت غزوة أحد في السّنة الثّالثة للهجرة، وغزوة الخندق (الأحزاب) في السّنة الخامسة، وغزوة حنين في السّنة الثّامنة، إلى غير ذلك من أحداثٍ كان لها أثر كبير في تاريخ الأمة.
فيا ربنا أعد علينا عوائد الخير والبركة والنصر في هذا الشهر المبارك يا أكرم مسؤول.